التاريخ المزيف: صراع أبي لهب والنبي يتعلق بأسباب عائلية/نفسية وليس دينية – حمودة إسماعيلي
يستفرد أبو لهب في التاريخ الإسلامي بكونه صاحب سورة قرآنية تخصه لوحده، وتتوعده بسوء المصير والعذاب مع زوجته. طبعا كما هو معلوم فأبو لهب يقرب عائليا لمحمد، عم ضمن شجرة العائلة، وأيضا من أشراف قريش، وما يشير ذلك للجاه والحسب والنسب.
في أولى سنوات التعليم، بل وحتى بروضة الأطفال أو الحضانة، فإن السورة التي خص بها القرآن أبا لهب، هي من ضمن المنهج التعليمي بهذا المستوى الأولي في التلقين، نظرا لصغر جحمها وسهولة حفظها حسب إيقاعها الفني، ونظرا كذلك لطابعها الأخلاقي الذي يهدف لخدمة السياق الإجتماعي والديني العام.
خلال عملية التلقين، يتم فك لغز الرواية القرآنية في هذه السورة، انطلاقا من توعد النبي محمد لعمه أبي لهب بالشر والعذاب، نتيجة معاملاته المسيئة لشخص محمد وللإسلام إجمالا؛ فهنا تروى عدة حكايات مساعدة للفهم، حول حفر أبي لهب حفرة ليسقط فيها محمد، وتذهب كذلك الزوجة حد رمي الشوك بالطريق ليتعثر النبي.. وهي تركيبات أقرب لبنية الرسوم المتحركة منها للواقع السياسي للقبيلة؛ علما بأن زوجة أبي لهب من الأشراف كذلك، فمن الأجدر والأسلم والأسهل والأعقل أن ترسل خادما للقيام بالمهمة على أن تقوم بها هي نفسها ! وهذا بافتراض تبنيها لخطط مضحكة بهذا الشكل.
وبعيدا عن الروايات المتضاربة حول صراع أسرة أبي لهب مع محمد، حيث تجد رواية تسعى فيها الزوجة لأذية النبي بحجر، ونفس الرواية تجدها مروية بسكين ! نجد أن أبرز ما جعل أبا لهب يتصدر أعداء الإسلام شهرة بتاريخ هذا الدين، هي سورة المسد، فلولاها ربما ما كان سيذكره أو يتذكره أحد.
طبعا هناك إجماع في التراث حول أسباب نزول السورة في القصة التالية : روى البخاري عن ابن عباس أنه قال: « خرج النبي إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى (يا صباحاه) فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبّحكم أو ممسّيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد » فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبّا لك!! وفي رواية: إنه قام ينفض يديه ويقول: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ». وهي الرواية التي يعتمدها صحيح مسلم وسنن الترمذي ومسند أحمد وتفسير ابن كثير إلخ من الكتب المرجعية الإسلامية السنية.
بالظاهر في الرواية أن نزول السورة متزامن مع رد فعل أبي لهب التلقائي.. لكن ما يتأتى هنا هو الحمولة التي تحتجب خلف رد الفعل، والتي تختزل تاريخ العلاقة بين أبي لهب والنبي؛ فالإيذاء هنا مرتبط برؤية وانفعال، وليس بالضرورة عنف جسدي أو مادي. فأبو لهب الشخصية البارزة بالقبيلة، وأقرب أقارب النبي – وهناك مرويات عن تعلقه ودعمه لابن أخيه (كما بعلاقات القرابة العائلية) قبل الإسلام – صار ينظر لمحمد كصغير العائلة المزعج، وذلك انطلاقا من رد الفعل هنا والمرتبط بالنزول : تبا لك ألهذا جمعتنا.. وهي صيغة عتابية بطابع الخيبة، عندما يخيب أملك في أحد صغار العائلة بسبب سوء التصرف والإزعاج. هنا يطل الإشكال في العلاقة، وسبب الخصام، أنه لم يره كنبي حامل لرسالة إلهية، بل كصغير العائلة الفوضوي الذي شب وصار يتصرف بحماقة. ونظرة الزوجة بالتأكيد هنا من نظرة الزوج كما تلمح السورة.. في “جيدها حبل من مسد” إشارة استبدالية لقلادتها الثمينة بصدرها.