علوم وتكنولوجيا

إدمان الإنترنت.. وباء أم موضة عابرة؟

إدمان الإنترنت.. وباء أم موضة عابرة؟ – ترجمة: مهند عبد الفتاح

واحدٌ من كل ثلاثة أشخاص ينظرُ للإنترنت باعتباره ضرورة حياتية كالماء والهواء والغِذاء والمأوى. ونظرًا للطريقةِ غير التقليدية التي ينظرُ بها الناس لهذا النوعِ من التكنولوجيا، فلا عجبَ مِن أنَّ بعض علماءِ النفس يعتبرون إدمانَ الإنترنت حالة مَرَضَيَّة حقيقة. في الواقع، إن هذا قد يكونُ صحيحًا بنسبةٍ كبيرة، ففي حالة وضع الإنترنت في مقارنةٍ مع الماءِ مثلًا، فإن الإنترنت لا يُعتبرُ عاملًا حيويًّا لاستمرار الحياة مقارنةً بالماء.

ولكن هل يكون من الصوابِ وصف هذا النوع من الاعتماد غير الطبيعي على الإنترنت نوعًا من الإدمان؟!

في الوقتِ الذي يصفُ فيهِ الدليلُ التشخيصي والإحصائي للاضرابات النفسية (DSM) الاعتمادَ على بعضِ الموادِ تحديدًا باعتبارها نوع من الإدمان، فمن الواضح أن مجموعة فرعيَّة من الأشخاص الذين يُفرِّطون في استخدام الإنترنت والوسائط الرقمية هم أيضًا عرضةٌ لإظهار السلوكيات التي أظهرها مدمنو المخدرات.

ولكن في العقد الماضي، حينما أصبح الاعتراف بالمشكلة على نطاقٍ أوسع، تم وضع عددٍ من التدابير النفسية للحدِّ من إدمان الإنترنت، وبالرغم من أنَّ معظم هذه التدابير غير مثالي أو غير كافٍ للحدِّ من ذاك الإدمان، فإن تدابيرَ مُعيَّنة أصبحت أكثر قبولًا من غيرها في هذا الميدان، (مثل اختبار إدمان الإنترنت ليونج).

وبالاعتماد على هذه المقاييس، فقد حَدَّدَت الدراسات العواملَ المرتبطة بإدمان الإنترنت، حيث وجدت أنَّ اضطرابَ نقص الانتباه مع فرطِ النشاط والاكتئاب والرهاب الاجتماعي ومعاداة المجتمع مرتبطون جميعهم بالاستخدامِ الزائد للإنترنت، وارتباط تلك المشاكل يذكرنا بإدمان الكحول والمخدرات أيضًا.

الإنترنت مُجرَّدُ أداة، لماذا إذن نعتبر أولئك الذين يُفرِطُونَ في استخدامه مدمنين؟!

يأتي أحد أقوى الأدلة على ذلك من آسيا، ومن كوريا تحديدًا، وذلك لاعتبارها دولة يتوغَّل الإنترنت في ثقافتها، وانتشارها في المقاهي هناك، فإن إدمان الإنترنت يُعتبر أحدَ أكبرِ المشكلات هناك، وذلك أنه في العقد الماضي تُوفِّيَ كثيرٌ من الناس بعد استمرارهم لفتراتٍ مهولة في لعبِ ألعابِ الفيديو على الإنترنت بشكلٍ ماراثونيٍّ مُبالغٍ به، مما أدَّى بهم إلى الإرهاق ونقص التغذية، كما أنَّهم تجاهلوا احتياجاتهم الأساسية حتى يتمكَّنوا من الاستمرار في اللعب.

في الواقع فإن الحكاية السابقة تُذكِّرنا بشكلٍ ما بالتجربة التي تّمَّت على بعضِ الفئران، عن طريق زرع ِأقطابٍ كهربيَّةٍ في مراكزَ إنتاج الدوبامين (مراكز المتعة) الخاصَّة بهم، الأمر الذي أدَّى بهم إلى اختيار تجاهُلِ تناول الطعام في مقابلِ الضغط على بعض الأزرار التي تضمن استمرارَ تلك الأقطاب في تحفيز مراكز الدوبامين على إفرازه.

تُكافح الصين أيضًا في قضايا مماثلة، ففي عام 2007 قيَّدت الدولة استخدامَ الألعاب بحيث لا يَتعدَّى ثلاث ساعات باليوم الواحد، من المهم هنا أن نعلم أيضًا أنَّ استخدام اللعبة لأكثر من 38 ساعةٍ بالأسبوع يُعَدُّ مشكلة.

وأمَّا في كوريا، والتي تُعد في طليعة الدول التي تعاملت مع هذه القضية، فقد تمَّ تدريب أكثر من 1000 استشاريٍّ نفسيٍّ لعلاجِ هذا النوع من الإدمان، وتم تجنيد ما يُقارب المئتي مستشفى لهذا الجهد. وعلاوةً على هذا، فقد أُدخِلَت تدابيرٌ وقائيَّة إلى المدارس مؤخرًا، وتم إقامة مُخيَّماتٍ للإنقاذ من الإنترنت تُقدِّم خدماتها بالمجان في جميع أنحاء البلاد.

أما في أمريكا، فإن التقديرات تُشيرُ إلى أنَّ الاطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عام يستخدمون وسائلَ الإعلام (التليفيزيون والكتب ومُشغِّلات الصوت mp3 وأجهزة الكمبيوتر وألعاب الفيديو) بُمعدَّلِ ثمان ساعاتٍ باليوم، في حين أن المستخدمين الشرهين فقد يتجاوز استخدامهم 12 ساعة يوميًّا في كلِّ أيام الأسبوع.

يقضي الأطفال أوقاتًا مُتزايدة أمامَ الشاشات عوضًا عن قضاءِ هذا الوقت مع آبائهم وأمهاتهم، أو حتى في المدرسة، والسؤالُ هُنا: هل نحن نفعل ما يكفي لحمايةِ الأطفال المُعرَّضين لخطرِ إدمان الإنترنت من زيادته؟ في الواقع، إنه لا توجدُ حتى الآن قوانينَ لحمايةِ الأطفال من الإدمانِ الزائد للإنترنت، أليست حماية الأطفال من إدمان الإنترنت هي أحد مسؤوليات المجتمع بنفس الطريقة التي يقوم بها بحمايتهم من مخاطر المخدرات والكحوليات؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف سيكون شكل هذه الحماية؟ وكيف سيتم تطبيقها؟

من الممكن الآن أنكَ  قد تتساءل حول ما إذا كان البشرُ مدمنين للإنترنت كشيءِ في حدِّ ذاته، أم أنَّه مُجرَّد أداة، وتتساءل إن كانت هناك أمراض أخرى لعبت دورًا أكبر تأثيرًا، مثل ضعف السيطرة على الانفعالات، والرهاب الاجتماعي، والأنماط الثابتة.

قد يكون من السهلِ تحديد بعض السلوكيات على الإنترنت باعتبارها سُلوكياتٍ إشكالية في حد ذاتها، لأنه في حالِ مقارنتها بسلوكياتٍ أخرى حياتيَّة مُشابهه لها ولكنها غير مُتعلَّقةٍ بالإنترنت، فإن زيادة تلك الأخرى غير المتعلقة بالإنترنت يكون غيرَ مقبولٍ اجتماعيًّا.

على سبيل المثال، فإنَ سلوكياتٍ إدمانيِّة راسخة مثل المقامرة أو النشاطات الجنسية تُمَارَس بسهولةٍ على الإنترنت، وحتى من أكثرِ أعضاءِ المُجتمعِ احترامًا، كالقادة على سبيل المثال، وبهذا الصدد فإن عضو الكونجرس ( السابق أنتوني وينر – Anthony Weiner) يعترف بأن لديهم مشاكلَ خارجة عن إرادتهم الخاصة، وأنها تحتاجُ إلى علاجٍ احترافي.

في حالِ لم تكن قد سمعت عن وينر، فهو عضو كونغرس استقال من منصبه بعد قيامه بإرسال رسائلَ نصيةٍ بها صور فاضحة جنسيًّا لنفسه إلى جهاتٍ غير محددةٍ وأشخاصٍ لم يلتقِ بهم قط. قد يبدو الأمر وكأنه شيءٌ مراهق غير مسؤول، ولكن السؤال الأهم هو متى يتم اعتبار هذا السلوك قد اجتاز عتبة الإكراه أو الإدمان، هل عندما يتم القيام به مرارًا وتكرارًا؟

أمثلةٌ مثل نموذج ويرنر قد يكون من السهل نسبيًا تعريفها بأنها مشكلةٌ لا إرادية، ولكن في حالة السلوكيات الأخرى التي تحدث على الإنترنت والتي يُقرُّها المجتمع، كتصفح الإنترنت بالساعات بدون هدفٍ مُحدَّد، أو إرسال رسائلَ إلكترونيةٍ غير جنسية وإن كانت غير ذات هدف أيضًا، فإننا نجد هنا أن الأمر أصعب من ناحية تحديد المساحة التي يتم فيها عبور الخط الفاصل بين السلوك الطبيعي والمَرَضَي.

في الواقع، عندما ينظر المرء إلى لقب (الكراك بيري – crackberry) الذي يُطلق على بعض الهواتف الذكية، والمقارنة المباشرة للإدمان يبدو الأمر أوضح.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين يتفقدون بريدهم الإلكتروني بشكلٍ مُفرطٍ وحتى على مائدةِ العَشاء وفي الإجازات وأثناء القيادة، غالبًا ما يكونون ناجحين للغاية من الناحيةِ التنفيذية للدرجة التي يتطلَّبُ فيها الأمر ذلك المستوى من التواصل المستمر مع بيئة عملهم. أيضًا بعض المراهقين الأكثر قبولًا في مجتمعاتهم، هم أولئك المنغمسون بشكلٍ حادٍّ للغاية في شبكاتِ التواصل الاجتماعي. والواقع أنَّ بعضَ المدارس تُشجِّع على استخدام وسائل الإعلام الرقمية كأداةٍ تعليميّةٍ مُثيرة. على سبيلِ المثال، تم تصميم المناهج الدراسية لمدرسةٍ ابتدائية في نيويورك بشكلٍ كاملٍ حولَ لعبة فيديو.

ولكن مع وضع احتمالاتِ السلوك الضارّ في الحُسبانِ أيضًا، فكيف يُمكننا الحدُّ من الإفراط في استخدام الإنترنت في  كثيرٍ من الأحيان، مما يؤكِّد ثقافتنا ويدعم استخدامه؟

ومع كل هذه القضايا الصعبة التي لم تُحل بعد، فإن الجواب على سؤال إذا كان إدمان الإنترنت مشابهٌ للإدمان الناتج عن تعاطي المخدرات لم تتم الإجابة عليه بشكلٍ واضحٍ حتى الآن، ويًمكن ألا نحصل على إجابةٍ واضحةٍ وضوحَ الشمسِ أبدًا.

ومع ذلك، ووفقًا لكل ما نعرفه الآن، يبدو واضحًا أن استخدام الإنترنت يُمكن أن يكون مًدمِّرًا لسير الحياة العادي لعددٍ صغيرٍ وفرعيٍّ من الناس. والسؤال هو كيفية تقليل هذا النوع من الخطر في الحين نفسه الذي يصبح مجتمعنا فيه أكثر اعتمادًا على التكنولوجيا بشكلٍ عالمي.

إذا كنت تعتقد أنك قد تكون لديكَ مُشكلة مع شبكة الإنترنت، اسأل نفسك الأسئلة التالية: – إذا أجبت بنعم على أكثر من خمسة من هذه الأسئلة، قد تحتاج للحصول على العلاج.

  1. هل تشعر في كثيرٍ من الأحيان بأنَّ تفكيرك مشغولٌ بالإنترنت بشكلٍ مُتصل (كأن تُفكِّر في نشاطك السابق على الإنترنت، أو أن تستبق أحداثَ جلسة الإنترنت القادمة بأن تُفكِّر في كيفية سيرها)؟

  2. هل تشعر بالحاجة إلى استخدام الإنترنت بكمياتٍ مُتزايدةٍ من الوقت من أجل تحقيق نوعٍ من أنواع الاكتفاء أو الارتياح؟

  3. هل لديك جهود متكررة فاشلة للتحكم في استخدامك، سواءً لخفض أو وقف استخدام الإنترنت؟

  4. هل تشعر بفقدانك للهدوء، أو تّقلُّبٍ في المزاج أو تَعَكُّرِه، أو اكتئابٍ عند محاولةِ خفض أو وقف استخدام الإنترنت؟

  5. هل تبقى متصلًا بالإنترنت لفترةٍ أطول من تلك المحددة سلفًا؟

  6. هل خاطرت بفقدان علاقةٍ هامة، أو فرصة عمل، أو فرصة تعليمية، أو تقدم مهني ما بسبب الإنترنت؟

  7. هل كذبت على أحدِ أفراد أسرتك، أو طبيبك، أو غيرهم بخصوص فترات اتصالك بالإنترنت لإخفاء الفترة الحقيقية؟

  8. هل تستخدم الإنترنت كوسيلة للهروب من المشاكل أو التخفيف من الانزعاج (على سبيل المثال، مشاعر العجز، والشعور بالذنب، والقلق، والاكتئاب)؟

وكما هو الحال مع الأنماط السلوكية أو الإدمانية الأخرى، فإن المفتاح لمكافحة إدمان الإنترنت -أو ما يبدو وكأنه إدمان- هو التدخل المبكر. وبما أن العديد من المدمنين يبدؤون باستخدام كلًّا من (المخدرات / سلوك ما كاستخدام الإنترنت) كخيارٍ أو آليِّةٍ مساعدة، فالانتباه مبكرًا لهذه الأنماط غير الصحية من السلوك هو أمرٌ بالغ الأهمية، حيث إن تطورها لدى الأطفال يجعلها سبيلهُ الأسهل للهروب فيما بعد.

واكتشاف ذلك باكرًا يُساعد على تنبيه الأطفال على الأنشطةِ الأخرى التي قد تكون بديلًا لذلك، ذاك أنَّه إذا تطورت تلك الأنماط القهرية، فإن ذلك سيحتاجُ لمجهودٍ أكبر لمقاومتها فيما بعد.

كذلك فإن بعض التقنيات مثل إجراء المقابلات التحفيزية  (Motivational Interviewing) من المؤكد أنّها مفيدةٌ هي الأخرى، كما هو الحال في هذا المجال مع متعاطي المخدرات والمدمنين. التوجيهُ اللطيفُ كذلك غالبًا ما يكونُ أكثر فعاليةً من إجبارِ الفرد المضطرب على العمل عن طريق حصاره.

الأخبار الجيدة هنا هي أن انسحاب الإنترنت ليس من المحتمل أن يسبب الكثير من أعراض الانسحاب الفسيولوجية، حتى إن قاطعتَ بشكلٍ حاسم فإن ذاك لا يحدث. في الأحوال الأسوأ فإنه أيضًا لا توجد مخاطر عملاقة، كالصدمات، أو السكتات القلبية، أو أي أعراض شبيهة.

ومع ذلك، فمن المتوقع أن أعراض الانسحاب النفسية سوف تكون مشابهة لتلك التي تحدث للعديد من مدمني المخدرات: كالاكتئاب، وانعدام التلذذ، والقلق، وسرعة الغضب، واضطرابات النوم، وما شابه ذلك من الاضطرابات. وأما إذا كنا نتحدث عن طفلٍ صغيرٍ هنا، فإننا نتوقع أن يصرخ.. الكثير جدًا من الصراخ في الواقع.

لمزيدٍ من المعلومات حول التكنولوجيا وآثارها على التطور البشري، من الممكن زيارة موقع يلدا Yalda T. Uhls’ website:  Inthedigitalage.com.

المصدر: الباحثون المصريون

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى