مقالات تاريخية

معلومات ربما لا تعرفها عن أول ثورة في تاريخ مصر

معلومات ربما لا تعرفها عن أول ثورة في تاريخ مصر – بقلم: ريهام حبيب

«كيف أضحت هذة البلاد وأمست؟ إن الشمس قد احتجبت، ولم تعد تشرق ليرى الناس. ونهر مصر قد جف، حتى لا يستطيع المرء أن يعبره ماشيًا»، بهذه الحسرات عبّر «نفر روهو» في برديته عن ثورة أطاحت بنظام البلاد في عهد مصر الفرعونية.

اكتشف الباحثون الأثريون وثيقتين تصفان ما يقرب من 150 عامًا من ثورة هائلة زعزعت أمن وحكم الإقطاعيين في مصر القديمة، الوثيقة الأولى هي وثيقة الحكيم إيبور، والثانية هي نبوءات نفر روهو، ومن خلالهما يرصد لنا محمد العزب موسى في كتابه «أول ثورة على الإقطاع»، كيف تحولت الدولة المصرية من دولة قوية متماسكة إلى دولة الإقطاع التي أدت إلى الثورة.

كانت مصر في عهد ما قبل الأسرات، أو عهد «الآلهة»، في بداية إرساء قواعد العلم واكتشاف أسرار الدين، عرف فيه المصريون الزراعة والبناء واستخدام المعادن، وشقوا القنوات، وأوضحت لنا النقوش داخل الأهرامات أن مصر في هذه الحقبة كانت تحكمها الآلهة مباشرة، وانقسمت إلى دولتين حتى توحدت على يد حورس، وفي هذه الحقبة وضع المصريون التقويم الشمسي، ثم انقسمت هذة المملكة مرة أخرى بسبب اتباع حورس، وهو ما يسمى بعهد أنصاف الآلهة حتى توحدت مرة أخرى على يد مينا، ليكون بذلك عهد الأسرات.

فراعنة

في عهد الأسرتين الأولى والثانية، العهد العتيق، وضعت أول الأسس السياسية والاجتماعية والدينية والعلمية والفنية، وازدهرت فيه الصناعة والتجارة، وعرفوا ضرب الصدف والودع وأدوات الزينة والعطور ومختلف العادات الجنائزية وطرق الدفن، وكان وقتها البيت الكبير أو بيت الملك هو منارة العلم والفن التي يخرج منها إلى بقية أرض مصر، وبانتهاء الأسرة الثانية قامت الدولة القديمة.

وفي عهد الأسرة الثالثة، كان استكمال المجد عن طريق بناء الأهرامات والتماثيل الشاهقة، آمن فيه المصريون بفكرة الخلود، وتمثلت أهم العقائد الدينية، فقدسوا الشمس «الإلة رع»، والنيل «الإله أوزوريس»، وروت الأساطير الدينية عن صراعات احتدمت بين الإلهين، حتى اضطر كهنة رع بالاعتراف بأوزوريس، واستمد المصري القديم فكرة الخلود وآمن بها، لما رأى رع يولد مرة أخرى في الصباح، وأوزوريس يموت ولكنه يرجع للحياة مرة أخرى بمحبة إيزيس، ولهذا رأى القدماء أن الخلود أقوى من الموت، فقدموا القرابين للقرين «كا»، وتركوا فتحة صغيرة في القبر لدخول الروح مرة أخرى للجسد.

ورغم اهتمام المصري القديم بالعقيدة والدين، لكنه استطاع في بادئ الأمر أن يفصل الدين عن الأخلاق، وطوعوا بعد ذلك الدين لمبادئ الأخلاق والحكمة، فكان الملك يستخدم الأخلاق باعتبارها وصايا إلهية، وأصبحت «ماعت» (الفضيلة) هي الدستور الأخلاقي لشعب مصر القديم، واتخذوا «الريشة» رمزًا لها، حيث تضع الريشة في إحدى كفتي الميزان، والأخرى يوضع فيها قلب الميت، وبذلك كانت «ماعت» تعيش مع الإنسان وتتبعه بعد موته، وفي هذا العهد أو قبله لم تعرف مصر نظام الرق، وكان العمال يتقاضون أجورهم، وكان الفلاح يدفع جزءًا من المحصول لمالك الأرض.

Image result for ‫فراعنة‬‎

وذكرت نقوش حُفرت على جدران المقابر، ترجع إلى الأسرة الخامسة، نص نقش على مقبرة القاضي «أخت- حرى- حتب»، يقول: «إن جميع من عملوا في بناء هذه المقبرة قد نالوا أجرهم من خبز أو جعة أو ثياب أو زيوت أو قمح بكميات وفيرة، ذلك أني لم أُكره أحدًا على العمل»، وكانت حقوق الملكية مكفولة للجميع، والمرأة لها الحق في شراء العقارات وامتلاكها دون وصية أحد، كما كانت ذمتها المالية منفصلة عن الأب أو الزوج، شأنها شأن الأبناء، كما كانت حقوق الإرث متساوية.

وتنتهي الدولة القديمة وتنتهي معها ماعت والقانون، بحِكَم «بتاح حتب» لابنه والتي جاءت في 43 حكمة، آخرها: «إن سوء الحظ قد يذهب بالثورة، ولكن قوة الفضيلة (ماعت) هي التي تدوم، طوبى للرجل الذي يتمسك بالفضيلة ويسير على هداها»، ويبدأ بعد ذلك عصر الإقطاع.

Related image

بدأ نظام الإقطاع بمطالبة حكام الأقاليم بالاستقلال، وبدأت بذور الإقطاع في الأسرة الرابعة، فكان الفرعون بعد بناء هرمه، يكافئ كبار موظفيه بأراضٍ زراعية معفاة من الضرائب، ومع ضعف الدولة وبداية انهيارها، استقوت سلطة حاكم الإقليم، وبدأ الملوك بالانصياع لمطالب الحكام، فأعطوهم استقلاليتهم وبحق توريث الأقاليم لأبناء حكامها، وحق القضاء المستقل، وبتكوين حرس لكل حاكم يشبه الجيش، وأخذ كل حاكم بغلق إقليمه على شعبه باعتبارها دولته، وتحولت مصر إلى طبقة الأشراف المتمثلة في الحكام والكهنة والقضاة وكبار الموظفين، وطبقة الشعب بكل أطيافه.

تجرّدت المرأة كذلك من كل حقوقها، وأصبحت متبوعة لرب الأسرة، ثم الابن الأكبر بعد وفاة الزوج، وحرمت من الميراث، وكان للرجل حق الولاية على أبنائه والتصرف في كل شؤونهم، وانتشر فكر تعدد الزوجات، كما أصبح الفلاح، مثله مثل الأرض، متبوعًا للإقطاعي الذي له حق التصرف وبيع أو شراء الأرض بمعداتها ومنشآتها وفلاحينها، وكان الفلاح لا يتقاضى مقابل عمله، فأصبح في هذا الوقت القاضي، والحاكم، والكاهن يورثون عملهم إلى أبنائهم، وكذلك الفلاحون والعمال وبقية أطياف الشعب.

وظهرت الإقطاعات الدينية المتمثلة في الإله «رع» وكهنته، والإله «بتاح» وهو إله أصحاب المهن والحرف الذين أصبحوا قوة مؤثرة في المجتمع، واحتدمت الصراعات الدينية، وأصبحت «ماعت» وسيلة لتبرير أفعال الحكام وسلاحهم في وجه الرعية.

وبانهيار الأسرة السادسة، عاشت مصر فترة ضبابية، وأصاب تاريخ مصر منذ انهيار الأسرة 6 حتى قيام الأسرة 11، بعضٌ من الغموض، فلم تترك هذه الفترة أي أثر إلا وثيقتين تحكيان عن عهد الثورة وآثارها، وهى وثيقة الحكيم إيبور، ونبوءات نفر روهو.

Related image

ووفقاً لـ«وثيقة الحكيم إيبور» فإن هذه الثورة وقعت بين عامي 2280 ق.م، وهو تاريخ انهيار الأسرة السادسة، و2132 ق.م وهو قيام الأسرة 11، ولكن متى حدثت هذه الثورة تحديدًا؟.. هناك رأيان، أرجحهما أنها حدثت بعد الأسرة السادسة مباشرة، وأرجعوا رأيهم إلى أن تاريخ مصر أصيب بانقطاع مفاجئ ولم يُوثق منه شيء، وبالأخص الأسرة السابعة التي لا نعرف عنها غير ما ذكره المؤرخ «مانيتون» أن هذه الأسرة حكمها 70 ملكًا في 70 يومًا.

تصف «وثيقة الحكيم إيبور»، والتي يرجح أن ما قيل فيها كان موجهًا للملك «بيبي الثاني» آخر ملوك الأسرة السادسة والذي اعتكف في قصره، وغيب عنه حاشيته أحوال البلاد، ما آلت إليه مصر، فكثر الموت حتى أصبح نهر النيل مقبرة، من كثرة القبور، ودفع الخوف من الجوع الناس للانتحار، ونهبت الدولة وحكمتها العصابات، فجاءت هذه الوثيقه في 14 صفحة، منها: «لقد سلبت وثائق قاعة العدل وأصبح المكان السري مكشوفًا، وطرحت سجلات المحاكم أرضًا، وصار الناس يطأونها بالأقدام في الساحات العامة، والفقراء يفتحونها على قارعة الطريق.. انظر لقد هوجمت الإدارات العامة ونهبت قوائمها، وأذيعت أسرار التعاويذ السحرية.. لقد امتلأت البلاد بالعصابات حتى ليذهب الرجل إلى الحرث حاملًا درعه.. ومن كانت تشاهد وجهها في الماء أصبحت صاحبة مرآة.. إن الرجل ليذبح بجوار أخيه فيتركه وحيدًا لينجو بنفسه»، ثم يبدأ إيبور بمهاجمة الملك: «إن القيادة والفطنة معك، ولكنك لا تستخدمهما، بل تترك الأرض نهبًا للفوضى والخراب».

Related image

وعلى الرغم من قوة هذه الثورة ودوافعها إلا أنها فشلت، ولكنها خلّفت آثارًا سياسية واجتماعية، وأحدثت تغيرًا فكريًا وفلسفيًا، وكُتب عن هذه الفترة فيما بعد في الأسرة 18، في تأملات الكاهن «خع خبر رع سنب»: «وعندما أريد أن أتحدث عن ذلك ينوء جسمي بحمله، وأشعر بالبؤس في قلبي المحزون، إن الناس يستيقظون على الشر كل صباح والقلوب لا تنبذ الشر منها».

وانعكست هذه الأوضاع على الحالة النفسية للشعب، وحفظ لنا التاريخ وثيقة سماها المؤرخون «حوار بين إنسان سئم الحياة وروحه»، لمواطن مجهول، سموه بأيوب المصري للتشابه الكبير بين قصته وبين النبي أيوب، كما اكتشفت نقوش أخرى على ورق البردي وجدار مقبرة لأحد ملوك الأسرة 11، وهى إنشودة عازف القيثار، وهو عازف أعمى كبير السن يلف الشوارع ينشد أنشودته، ومنها: «إن أحدًا لم يأت من هناك ليخبرنا كيف أمسوا ويريح قلوبنا حتى نرحل نحن الآخرين إلى المكان الذي رحلوا إليه».

المصدر: المصري لايت

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى