مشاركات الأعضاء
الإرهاب صناعة ثقافية / تربوية .. مقترحات استراتيجية لتربية ما بعد داعش
الإرهاب صناعة ثقافية / تربوية .. مقترحات استراتيجية لتربية ما بعد داعش – د. كريم الوائلي
1
لا يخفى ان الارهاب ليس مجرد ردة فعل ضد انظمة سياسية مستبدة ، سواء أكانت شمولية ام سلطوية تمارس القمع ، كما ان الارهاب ليس مجرد ردة فعل للفقر المدقع الذي اتسعت دوائره بسبب الفجوة الطبقية العميقة بين الاغنياء والفقراء ، كما انه ليس ردة فعل ضد البطالة التي سرقت احلام الشباب وقضت على آمالهم وأمانيهم ، وانما الارهاب ظاهرة بالغة التعقيد لا يمكن اختزالها مطلقا بواحدة من الاسباب السالف ذكرها ، وانما هو صناعة مبرمجة منظمة ، صناعة ثقافية / تربوية ، في منشأها وتكوينها الاساس .
ويمثل التنظيم الارهابي ( داعش ) اخطر انماط الارهاب ، فلقد احدث هذا التنظيم تخريبا جغرافيا وتاريخيا وتراثيا في الواقع ، وصدع نسيج المجتمع ، وكفر مللا وديانات ومذاهب ، ومارس ابشع انواع القمع ضد خصومه ،ـ وكل ما عداه خصوم ـ وكان لآلة البطش التي يستخدمها اثارها المرعبة في النفوس .
ان مثاقفة الفكر الداعشي تأسست في تصوري بناء على المحاور الاتية :
1 مثاقفة الافكار المتطرفة المغالية في التراث ، متواشعة مع فكري ابن تيمية ( 661 ـ 728 هـ ) في الماضي ، ومحمد بن عبد الوهاب ( 1703 ـ 1791م ) في التاريخ القريب .
2 ـ القراءة الحرفية للنصوص الدينية وتفسيرها آليا .
3 ـ المواءمة بين النصوص الدينية والاحداث التاريخية ، لدرجة يصبح تاريخ المسلمين هو تاريخ الاسلام ، بحيث تعاد صياعة الحاضر في ضوء الماضي .
وما كان لهذا التنظيم ان يؤدي ادواره البشعة هذه كلها دون عملية غسيل ادمغة الناس ، وتعتمد هذه العملية تأويلا خاصا لنصوص تراثية ، وجدت لها قبولا في انسجة اجتماعية محددة ، واصبحت بعد ذلك حواضن للفكر ، وجنودا للقتال .
ومن المؤكد ان غسيل العقول والادمغة لا يتواري بمجرد تحقيق انتصار عسكري هنا او هناك ، لان المشكلة اكبر ، بمعنى اخر ان هناك صناعة للثقافة ، وصناعة للتربية ، ولذلك فان مقارعة هذه الصناعة لا بد ان يكون بصناعة مضادة قادرة على الازاحة والاحلال ، ازاحة ما ترسب في العقول من اوهام وافكار ، ربما تكون ترسخت في العقول والنفوس ، واحلال ثقافة بديلة سليمة معافاة ، وهذا يعني اننا ازاء معركة ذات صراع ضدي بين ثقافتين ورؤيتين ومنهجين متعارضين متناقضين .
2
وتتجلى معضلة تعرض الاطفال لمدة عامين او اكثر لعمليات غسيل دماغ مبرمجة ، فقادت الى زرع الفكر الارهابي في وجدانهم ومخيلتهم .ولقد خضع هؤلاء الاطفال لمؤثرات اعلامية صادمة كاغراق المخالفين واحراقهم او ذبحهم بطريقة بشعة ، او اطلاق الرصاص عليهم ، واكثر من هذا ان الاطفال شاهدوا ذلك مجبرين مرة ، ويدفعهم الفضول مرة اخرى ، الامر الذي ترك اثرا عميقا في نفوسهم ، وانعكس على سلوكياتهم .
ويلخص تقرير المؤسسة العربية للتنمية بحوث خبراء نفسيين راقبوا العاب خمسين طفلا في الموصل وتبين ان 43 منهم كانوا يلعبون بطريقة عنيفة، اذ كانوا يستخدمون قطع الخشب كسكاكين ومسدسات ، ويقلدون الدواعش في القتل والتذبيح الامر الذي يؤكد تربية جيل مؤمن بالعنف ، وينذر بمخاطر لما بعد تحرير الموصل .
ولقد تعرض الاطفال ، وبخاصة الفئات العمرية بين ( 8 ـ 15 ) الى برمجة وصناعة تربوية ثقافية من خلال الكتب المنهجية التي فرضتها داعش على المناطق التي احتلتها .
وكانت الكتب المنهجية التي اطلعت عليها وهي ( 19 ) كتابا تشتمل كلها على مقدمة واحدة ثابتة متكررة ، وتحدد هذه المقدمة بعض ملامح السياسة التعليمية ، ويمكن تلخيصها بالنقاط الاتية :
يقوم منهج الكتاب على ما اطلق عليه الدواعش ( رؤية صافية لا شرقية ولا غربية )، وتتحدد هذه الرؤية بما يأتي :
أ ـ اتباع خطى السلف الصالح والرعيل الاول لها ، وموافقتها للكتاب والسنة .
ب ـ ابتعادها عن الاهواء والاباطيل واضاليل دعاة الاشتراكية الشرقية والراسمالية الغربية .
ج ـ ابتعادها عن سماسرة الاحزاب والمناهج المنحرفة في شتى اصقاع الارض .
ان محتوى الكتب المنهجية يتماشى مع مضمون ما اطلقت عليه داعش (الرؤية الصافية ) التي ترتكز على تعليم التلاميذ الجهاد وفنون القتال ، وتسهم هذه الكتب في بث روح الكراهية وتكفير المخالفين وتغرس الافكار المتطرفة في نفوس التلاميذ , ولو توقفنا عند الاهداف العامة لكتاب التاريخ للصف الاول العلمي ـ على سبيل المثال ـ فانها تتحدد بما يأتي :
1 تنقية التاريخ من الاباطيل التي اقحمت فيه .
2 ترسيخ القيم الجهادية في نفوس ابناء الامة .
3 تبصير الطلاب بمواقف الولاء والبراءة التي حدثت في السيرة النبوية والخلافة الراشدة .
وتعتمد هذه الاهداف على مستوى التطبيق على القراءة الخاصة للاحداث والاسس والمعايير والتفسيرات التي يحددها ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ففي مجال الولاء والبراءة يرى ابن تيمية ( ان المؤمن يجب موالاته وان ظلمك واعتدى عليك وان الكافر تجب معاداته وان اعطاك واحسن اليك ) .
اما اهداف تدريس العصور التاريخية المختلفة فانها تتحدد بما يأتي :
1 ان يحفظ الطالب الحديث الذي يبشر بعودة الخلافة على منهج النبوة.
2 ان يعدد الطالب المراحل التاريخية للمسلمين على اساس الحديث .
3 ان يشرح الطالب خطورة القبور والاضرحة على التوحيد .
4 ان يبين الطالب اثر الحكام والعلماء في تغيير العقائد .
5 ان يعدد الطالب اصناف الشرك القديم عند العرب .
6 ان يلاحظ الطالب كيف كان العرب مستضعفين قبل البعثة .
اما كتاب العقيدة للصف الاول الشرعي فانه يعتمد على منهجي ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ويتم الاستشهاد بارائهما ، ولذلك فان رؤوس الطواغيت هم :
1 الحكام الحاكمون بالقوانين الوضعية .
2 رؤوساء العشائر الذي يحكمون بالعادات والتقاليد .
3 اعضاء البرلمانات الكفرية .
4 اعضاء المجالس التشريعية .
5 القضاة في المحاكم الوضعية .