مقالات فكريةمميز
أقنعة الإسلام: بين افتراء الغاضبين وأطماع السياسيّين

أقنعة الإسلام: بين افتراء الغاضبين وأطماع السياسيّين – بقلم: بقلم عمار بنحمودة
لعلّ أكثر المفاهيم استعصاء في تعريفها، هي التي تبدو في ظاهرها بديهيّة متداولة، ويعدّ مصطلح الإسلام من أكثر المفاهيم عسرًا وإثارة للاختلاف[1] في التحديد المفهوميّ؛ إذ تفترق السّبل بالسّاعين إلى تعريفه، وتتباين طرائق المسلمين وغيرهم من المهتمّين بشأنه تأويلًا؛ فمنذ اللحظة التي توفّى فيها النبيّ، وحتّى قبل أن يوارى جسده التراب، دشّنت سقيفة بني ساعدة فصولًا من الجدل حول شرعيّة خلافة الرسول؛ إذ بانقطاع الوحي السّماويّ المنزّل، بدأت رحلة التأويل الإنسانيّ، وتطوّرت أزمة الاختلاف في التأويل، لتتحوّل إلى محنة سياسيّة، بدأت سلميّة، ولكنّها تحولت، بعد ذلك، إلى عنف دمويّ، تجلّت ملامحه الأولى بمقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفاّن، وتولّدت عن هذه الحادثة “فتنة بين المسلمين” لا تزال آثارها بادية إلى يومنا هذا، وافترق المسلمون إلى طرائق قددًا؛ فمنهم من نسب نفسه إلى أهل السنّة والجماعة، ومنهم من تشيّع إلى آل البيت، ومنهم من انتسب إلى الخوارج، ومنهم من كان من المرجئة، ومنهم من تصوّف، …إلخ، وتعدّدت الفرق الإسلاميّة حتّى صار عدّها أمرًا مستعصيًا، في ظلّ تناميها المستمرّ وانشطارها الدّائم، بينما ظلّ كلّ فريق متشبّثًا بتأويله وفهمه للنصّ القرآني والسنّة النبويّة، ويدّعي أنّه صاحب الحقيقة الدينيّة المطلقة، ويتّهم خصومه بالكفر والمروق، وقد أدّى اختلاف المسالك التأويليّة إلى قراءات متعدّدة للنصّ القرآني، وصدامات بين الفرق، ولعلّ بعض وجوهها؛ الخلاف حول الذّات الإلهيّة؛ تشبيهًا وتجسيدًا وتجريدًا، أو الخلاف حول القرآن؛ إن كان مخلوقًا أو قديمًا، أو الخلاف حول آليات التأويل، وأولويّة النصّ أو العقل في فهم أحكامه، ولهذا، فلا غرابة اليوم أن نجد دعاة العنف يشرعنون عنفهم بالدّفاع عن الإسلام، ودعاة السلم والمدافعين عن حقّ الآخر المختلف، يدعّمون رؤيتهم بالشّواهد النصّية، والسّيرة النبويّة، فتكون النتيجة؛ مسارات مختلفة من التأويل، يدّعي كلّ طرف منها النطق باسم الإسلام، والتعبير عن حقيقته.
1- الإسلام قناع الغاضبين:
ليست الجماعات التي تشرعن عنفها باسم الإسلام، سوى امتداد للحركات الاحتجاجيّة التي قامت في التاريخ الإسلاميّ، وأعلنت الخروج عن الحكّام أو معارضة السّلطة القائمة باسم المقدّس، وإن اختلفت المقاصد، وتبدّلت الغايات بحكم تغيّر الحاجات الإنسانيّة، وانفتاح العالم بعضه على بعض؛ فقد كان الدّين وسيلة لتبرير الثّورات التي شهدها التّاريخ الإسلاميّ، مثل؛ ثورة الزنج، أو القرامطة[2]؛ بل إنّه رفع منذ نشأته شعارات ثوريّة على المنظومة الجاهليّة والعقيدة الوثنيّة، فهل يكون ذلك هو السبب الذي دفع جماعات مقاتلة في مناطق مختلفة من العالم، إلى اعتماد الخطاب الدّينيّ مبرّرًا لاحتجاجاتها وسندًا لشرعيّتها؟
كانت الحروب القديمة محدودة في مجالها وتأثيرها، وأضحت أصداء الحروب اليوم تتّسع أكثر من ساحات الوغى التي تدور فيها تلك المعارك، وتؤثّر بشكل كبير في رسم متخيّل عالمي للإسلام والمسلمين.
فلا يخفى اليوم أنّ من آثار ادّعاء جماعات عنيفة تحتكر الإسلام، وتبرّر به عنفها، أن يتحمّل سائر المسلمين من المتسامحين والمسالمين وزر تلك الصّورة، فيحسبون على الانتماء إلى دين عنيف ينبذ الاختلاف، ويعيد صور القتل القروسطيّة إلى عصور التقدّم والحداثة.
مثل تلك المعاناة، يلقاها المسلم المغترب عن وطنه في البلدان الغربية، والطّامع في الهجرة، والطّامح إلى العلم والمعرفة في الدّول الأكثر تقدّمًا؛ فقد صار وشم الإرهاب على وجه كلّ عربيّ مسلم، وفي جواز سفر كلّ ناطق بالضّاد، ومؤمنٍ بإله المسلمين؛ ولذلك، فلابدّ من التّمييز بين التأويل والأقنعة التي يحتكر بها أصحابها الإسلام، والفصل بين المعرفيّ والإيديولوجي؛ فمن الشرعيّ أن تطمح جماعة إلى نيل السلطة، وأن ترسم تصوّرها للدّولة التي يحلم المنتمون إليها بتحقيقها، ولكن من غير المشروع، من وجهة نظر المسلمين المسالمين، أن تحتكر تلك الجماعات النّطق باسم الإسلام، وكأنّه قُدّ على مقاس مقاصدها السياسيّة، وعُدّل على حساب استراتيجياتها العسكريّة؛ فالإسلام تراث مشترك بين السنّي، والشيعيّ، والمعتزليّ، والخارجيّ، والمتصوّف، وسائر المنتمين إلى الفرق الإسلاميّة؛ لذلك، فإنّ أوّل الاحتجاجات التي تعارض الجماعات العنيفة، يكون مصدرها المسلمون أنفسهم؛ لأنّ ضرر تلك التنظيمات يعود عليهم بالوبال، قبل أن يمثّل خطرًا على الآخرين، وإنّ الجماعات المسلّحة التي تخوض حروبًا في سوريا باسم الإسلام، تضع من ضمن أولويّاتها الإطاحة بالنظام القائم، وقتال المسلمين، بينما تستبعد من برامجها أيّة حرب ضدّ، من عدّوا في المتخيّل العربيّ الإسلاميّ، أعداءً حقيقيّين للأمّة.
إنّه لمن الشائع اليوم؛ أن تُعلن جماعة شرعيّتها باسم الإسلام، ثمّ تقوم بذبح المسلمين أنفسهم كالخراف بلا رحمة، ولا شفقة، وتعرض رؤوسهم على عدسات الكاميرا، مثلما تعرض رؤوس الأغنام والأبقار في الأسواق، وإنّه لمن الرّائج اليوم أن يتدثّر البعض بعباءة الإسلام، ويعتدي بعد ذلك على أملاك النّاس وأرزاقهم، ويُخرجهم من ديارهم كرهًا، فيكون أشدّ عليهم من أعدائهم خارج الحدود، ذاك أمر صار شائعًا، ولكن، هل يمكن أن نعدّ ذلك من الإسلام؟