تعرّف على آراء المستشرقين الذين أنصفوا الإسلام .. لن تصدّق – أحمد فوزي سالم
يتمتع المستشرقون بسيرة نمطية سيئة، جعلت الكثير من العرب والمسلمين يعتبرونهم حفنة من المخربين للعقل الإسلامي، وجواسيس غربيين جّل غايتهم تمزيق الهوية المحمدية؛ ما عطل كثيرا الانتباه إلى ضرورة استخدام آراء بعضهم الإيجابية، لتفكيك الصورة المتوحشة عن الإسلام في الغرب، وإعادة تركيبها من جديد، وفق حقائق ضاغطة، تستطيع تحطيم الأصنام النفسية، التي تتراص يوما بعد الآخر، من جراء إرهاب أصولي، بات يمثل مصدر تهديد للعالم أجمع.
ما الذي عاد بالقضية إلى الواجهة؟
مع تنامي الدموية، وعمليات القتل البربرية الموثقة على الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وحملات الترهيب الداعشي للغرب، بات الإسلام نفسه يتعرض للتشويه والطعن فيه، وتصاعدت الهجمات الشرسة لربطه بالإرهاب وترويع الآمنين؛ الأمر الذي دعا الدكتور محمد عمارة، المفكر المصري الإسلامي الكبير، إلى مطالبة المسلمين في المجتمعات الغربية بإعادة نشر الشهادات الاستشراقية، التي كتبها علماء غربيون لإنصاف الإسلام والإشادة بعقلانيته وسلميته، باعتبارها شهادة شهود من أهلها، لابد أن تجد من العقل الغربي قبولا يسهم في تصحيح الصورة الزائفة التي يصنعها اليمين الغربي، بدعاوى الإسلاموفوبيا، ما جعلنا ننقب بين صفحات الكتب، ومراكز الدارسات الاستشراقية، عن هؤلاء الذين يمكن الاستدلال بآراء لهم، ربما تسهم في تذويب الفجوة بين الشرق والغرب، والإسلام وغيره من الديانات الأخرى.
تيودور نولدكه
مؤرخ وعالم لغة ألماني، مُلقب بشيخ المستشرقين الألمان، ولد عام 1836 في هامبورج، أتقن العربية، والعبرية، والسريانية، وحصل على القرآن الدكتوراه عام 1856، برسالة عنوانها «تاريخ ».
في كتابه «تاريخ القرآن»، يجيب نولدكه بموضوعية عن سبب اعتبار المسلمين للإسلام دينا ودولة، قائلا: لم يكن بوسع محمد أن يفصل بين الروحانيات والدنيويات، ومن العدل أن نعترف أن الدين ونظام المجتمع كان وثيقي الارتباط في ذلك الوقت، فإنزال الله تشريعات دينية، من شأنها أن ترفع في العموم من شأن الحياة اليومية.
ويضيف: دعوة محمد لبني قومه، رغم الخطر والسخرية، اللذين تعرض لهما، ليدعوهم إلى الإيمان، نموذج لحماس الأنبياء الذي يتصاعد حتى التشدد، وكلما ازدادت دقة تعرفنا على أحسن كتب السيرة، وعلى المصدر الصحيح للمعرفة وهو القرآن، ترسخ اعتقادنا أن محمدا آمن في صميم نفسه بحقيقة ما دعا إليه، للاستبدال بعبادة العرب الكاذبة للأصنام دينا أسمى، يمنح الغبطة المؤمنين.
ويتساءل نولدكه: لو كان محمدا دجالا فكيف انضم إليه رجال مسلمون كثر، كرام، عقلاء، من عائلات عالية القدر، تربوا على كل ما يحوزه العربي الأرستقراطي من كبرياء النسب، وارتضوا بالتآلف مع رهط معظمه عبيد، وأناس من الفئات الاجتماعية الدنيا، ما كان يُحسب عليهم عارًا كبيرًا، معتبرًا أنه صاحب رسالة سامية تستحق الاحترام.
إدوارد مونتيه
مستشرق فرنسي، ولد عام 1856، وكان صاحب اللبنة الأولى في ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية، وله العديد من المؤلفات التي تنصف الإسلام، أهمها كتابه «حاضر الإسلام ومستقبله».
يقول الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي عن «مونتيه»: كان يرى إن الإسلام في جوهره دين عقلي بأوسع معاني هذه الكلمة من الوجهتين، الاشتقاقية والتاريخية، كما كان يراه مجموعة من العقائد، تقوم أيضا على أساس المنطق والعقل، واعتبر أن بساطة هذه التعاليم ووضوحها تظهر القوى الفعالة في الدين الإسلامي وفي نشاط الدعوة إليه.
وحسب دراسة للباحث بالمركز الإسلامي للدراسات الاستشراقية، عصام فخري، كان مونتيه يدافع عن النبي محمد، ويرد على دعاوى المستشرقين وافتراءهم على الوحي، قائلا: «كان محمّد نبياً بالمعنى الذي يعرفه العبرانيون القدماء، صادقا يدافع عن عقيدة خالصة، يؤتى رؤيا ويوحى إليه، كما كان أنبياء بني إسرائيل في العهد القديم».
رينولد نيكلسون
من أكبر الباحثين في التّصوف الإسلامي، وُلد في عام1868، وكان زميلاً في كلية الثالوث بكمبردج، ثم انتقل إلى كلية الجامعة في لندن، كما كان من محرري دائرة المعارف، وعضوا بالمجمع اللغوي المصري.
الباحث بمؤسسة مؤمنون بلا حدود، خالد محمد عبده، يؤكد في دراسة له، أن مكتبة «نيكلسون» عن الإسلام، ثرية بالمؤلفات المتنوعة في التصوف والأدب، أهمها فصل قيم في كتابه «تاريخ الأدب العربي» يعرض فيه رؤاه عن محمد والقرآن قائلا: القرآن سجل إنساني كامل البنيان والبيان، ونتعرف منه على جميع أطوار شخصية محمد، وعن مختلف علاقاته في حياته الخاصة والعامة.
ويستكمل: القرآن كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإنه لكتاب عزيز؛ نستخرج منه مادة من حقائق لا نزاع فيها، كما نعرف منه الأصول والتطورات التي مرّ بها الإسلام في أول عهده، وهي ميزة لهذا الدين، لا توجد في غيره من الأديان الأخرى، كالبوذية والمسيحية واليهودية.
ليون كايتاني
أمير ومستشرق إيطالي، ولد عام 1869، وأتقن العربية وهو في الخامسة عشرة من عمره، وقام برحلات إلى كل أرجاء العالم الإسلامي لجمع مواد أبحاثه، وله كتاب شهير اسمه «حوليات الإسلام» يقول عنه الدكتور عبد الرحمن بدوي، في كتابه الفريد موسوعة المستشرقين: الكتاب يهمل الجانب الديني تماماً ويبرز العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية التي نشأ فيها الإسلام، ويحمل ميزة كبيرة، ونقلة نوعية في منهج دراسة وكتابة التاريخ الإسلامي لدى المستشرقين.
ويضيف: يمثل أحد جوانب الكتاب رد اعتبار للدين الإسلامي ورسوله، بعد قرون من استصغار الإسلام، والتهجم على رسوله الكريم، فالروح النقدية التي سادت نظرة «كايتاني» عن الإسلام والسيرة النبوية، لم تصدر عن تحامل على الدين، كما هو الحال عند كثير من المستشرقين، بل عن نزعة وضعية في معالجة أحداث التاريخ، على النحو الذي صار شائعا عند المؤرخين، ذوي النزعة العلمية الوضعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
هاملتون جب
مستشرق بريطاني، ولد بمدينة الإسكندرية المصرية عام 1895م، وهاجر منها إلى أسكتلندا وهو في الخامسة من عمره، والتحق بجامعة أدنبرة لدارسة اللغات السامية، وعمل محاضرا في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1921م.