أبحاث ودراسات

لماذا الليبراليون معجبون بالنظام التعليمي في الصين وسنغافورة؟

لماذا الليبراليون معجبون بالنظام التعليمي في الصين وسنغافورة؟ – مارثا نوسباوم / ترجمة: صالح البقمي

لطالما أُعجب القادة الأمريكيون بالنجاح الاقتصادي في سنغافورة والصين بشكل متكرر، ليبدو الأمر حينما نتكلم عن النظام التعليمي لتلك الدول وكأنه حسد.فلقد كان احتجاج باراك أوباما في خطابه الذي انعقد في مارس 2009 حيث قال ” المعلمون هناك ينفقون وقتاً أقل ليعلّمون أشياء لا تهم، ووقتاً أكثر لأشياءهم وأنهم أيضاً يجهّزون طلابهم ليس للمرحلة الثانوية أو الجامعية فحسب وإنما للوظيفة ولكننا لا نفعل” وذكر كاتب العمود في النيويورك تايمز نيكولاسكريستوف الذي يذكر الصين دائماً (بالإطراء)في مقال له نشره (عشية أولمبياد بينجي ) قائلاً: إنه يوم التدفق الحيوي المبهر، إلّا أن الصين ستترك أثراً ضخماً في الفنون والأعمال والعلوم والتعليم.

مضمناً في ذلك استحساناً قوياً للممارسات التعليمية الصينية. وفي مقال آخر يشجب فيه المقاومة المتوحشة للحكومة الصينية لسياسي منشق. لكن أوباما وكريستوف وكل أنصار النظام التعليمي في الصين وسنغافورة من الأمريكيين لم يفكروا بشكل جدّي وحازم حول علاقة السياسات الديموقراطية(الجماهيرية) والاستقلال الديموقراطي (الجماهيري). إنه لايعدو كونه تمجيداً في غير محلّه.

ماذا يفعل المربّون في سنغافورة والصين ؟

عن طريق حساباتهم الشخصية يقومون بعمل جبار لجعل الطلاب يتعلمون عن ظهر قلب ويدرسونهم للاختبارات حتى وإن كان الهدف الفردي هو إنتاج طلاب يتبرعون بكل طاقاتهم للنمو الإقتصادي الوطني.-إنه الهدف الرئيسي المعترف به في التعليم في الصين وسنغافورة – ويجب علينا رفض إستراتيجية كلتا الدولتين كما فعلوا هم. في السنوات الأخيرة أجرت الدولتان إصلاحًا جذريًا للتعليم

e8402e707a14d4525aef162627ec9641e96fd456

يتلخص في أن الاقتصاد الناجح يتطلب تغذية للقدرات التحليلية وحل فوري للمشكلات، وأن الخيال مطلبٌ للابتكار. بعبارة أخرى، لم تتبنّ أي من الدولتين تصوّرا أوسع لمفهوم هدف التعليم، لكن كلتاهما عرفتا أنه حتى تحديد هدف إنعاش الاقتصاد لم يُخدم بشكل جيد من قبل نظامٍ يركز على التعليم عن ظهر قلب. في عام 2001 اقترحت وزارة التعليم في الصين منهجًا دراسيا جديدا، ومن المفترض أن يغير التشديد المفرط على التلقين والحفظ عن ظهر قلب. عوضاً عن ذلك عززت المشاركة الفعالة توق الطلاب للاستقصاء والحماسة لتحليل وحل المشكلات.

وبالمثل غيرت سنغافورة سياسة تعليمها في عام 2003 و 2004، وتزعم أنها ستنتقل بعيداً عن التعليم بالتلقين إلى أسلوب التعامل المركزي المثمر، ومن هنا يمكن للأطفال الفهم كـ” العملاء الفاعلين”، وذلك برفض التمارين المكررة وأوراق العمل،و بإعادة تشكيل التصور لدى معلمي المناهج الدراسية كونهم مساعدين متعلمين مع طلابهم، عوضاً عن توفيرهم للحلول. ويؤكد هذا على القدرة التحليلية وجماليات التعبير النشطة والوعي البيئي والإجتماعي والفردي. لقد استُخدمت اللغة لهذه الإصلاحات، فبالعودة لأفكار أحد عظماء التربية المتقدمين وهما طاغور وجون ديوي، وكلاهما سبق له أن زار الصين، وكلاهما أيضاً له تأثير جدير بالاعتبار على شرقي آسيا. تحاول سنغافورة والصين الانتقال إلى التعليم التقدمي المفتوح والذي سيزرع النشاط في الطالب، كما أننا سننتقل لموضوع آخر وهو التركيز المتزايد على تعليمٍ على المحك والذي نتج عنه ( قانون لم نترك طفلاً خلفنا )*.

إن المراقبين للمارسات الحالية لسنغافوة والصين يستنتجون أن الإصلاحات لم تُنجز بالفعل. رواتب المعلمين لازالت مرتبطة بنتيجة الاختبار وبالتالي فانباعث البناء للتغيير الحقيقي للعمل الفعلي يتناقص. وبشكل عام فإن من السهل أن تنتقل من التعليم عن ظهر قلب على أن تبتعد عنه. وبما أن التدريس بنموذج طاغور وديوي الموصى به يتطلب الدهاء ونفاذ البصيرة، فهذا النوع دائماً هو أسهل بالإتباع.

بالإضافة إلى أن الإصلاحات محدودة بواسطة هذه الأمم الاستبدادية وذلك لخوفها من النقد السلمي للحريات. ففي سنغافورة لم يحاول أحد استخدام التقنيات الحديثة عند تدريس العلوم السياسة والقضايا المعاصرة. تعليم المواطنة يقتصر على تحليل المشكلة وإقتراح حلول متعددة. وبعد ذلك تتم وتوضيح كيف اختيار أن الشيء المُختار من قبل الحكومة هو الأفضل لسنغافورة. في الجامعات بعض المدرسين يحاول بإخلاص تبني نهجا منفتحا، لكن الحكومة لديها مسلك في مقاضاة الأساتذة بتهمة التشهير حينما يقومون بنقد الحكومة في القاعات الدراسية، وحتى عدد بسيط من القضايا ذات المستوى الرفيع تشعل النقاش. إحدى أساتذة الاتصالات (التي رحلت عن سنغافورة) ذكرت مؤخراً عن محاولة إدارة نقاش لدعوى التشهير في قاعتها قائلة : “أشعر بالخوف وأنا في هذه الغرفة وكأن شيئاً مريعاً سيحدث” . ولايستثنى من ذلك الأجانب أيضاً. وقد شُجِّعت مدرسة الأفلام في جامعة نيويورك على تأسيس فرع لها في سنغافورة، لكنها تلقت تعليمات بأن الأفلام التي تنجز داخل الحرم الجامعي لاتخرج منه للعلن. ومن غير الضروري القول بأن الصين لم ترعى التفكير الإبداعي والتحليل النقدي عندما نتكلم عن النظام السياسي.

لقد آن أوان وضع التفائل والاستبشار بعيداً. الصين وسنغافورة نماذج فظيعة في التعليم لأي أمة تطمح لأن تبقى ذات ديموقراطية تعددية. لم ينجحوا في العمل وفق أسسهم التجارية ولديهم كبت قوي للخيال والتحليل حينما تكون الفكرة عن مستقبل الدولة والخيارات الصعبة التي تحول دونها . إن كنا سنقتدي بدولة آسيوية فهنالك نماذج جيدة جداً لنلقي الضوء عليها، مثل تراث كوريا الحر الإنساني ورؤى طاغور ومن هم على شاكلته من المعلمين الهنود. وسأكتب في مقالي القادم عن مقارباتهم الثقافية.

المصدر: موقع حكمة

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى