تتعدد الأراء بين الخبراء الروس حول “خطبة الوداع” التي وجهها زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، وأقر بهزيمة التنظيم في المعارك الأخيرة ودعا عناصره للفرار إلى المناطق الجبلية.
ويعتبر بعض الخبراء الروس أنه من السابق لأوانه الحديث عن الحلحلة الجذرية في معركة تنظيم داعش فيما يعتقد آخرون أن المقاتلين يستعدون لنقل أنشطتهم الإرهابية من سوريا والعراق إلى دول أخرى.
ويرى سيرغي ديميدينكو الخبير في معهد العلوم الاجتماعية أن المقاتلين يستغلون الوقت لإعادة تجميع صفوفهم وبعد ذلك سيعيدون الكرّة في استعادة الأراضي في سوريا والعراق. وأعاد إلى الأذهان أن الوضع المماثل كان في العراق بعد عام 2007 عندما اعتُبر أن خطر “الإرهاب” تم القضاء عليه لأن زعماء القبائل وعددا كبيرا من السنة عارضوه. وتبعت ذلك إعادة إحياء الفكرة، ما أدى إلى ولادة تنظيم داعش.
وحسب رأي الخبير فإن تصريح البغدادي هذا ينبغي أن يُنظر إليه من حيث تحديد التصرفات الاستراتيجية الجديدة في الظروف الآنية.
وأكد ديميدينكو أن مقاتلي داعش منشغلون الآن بإعادة صياغة استراتيجيتهم وهم ينسحبون لتجميع قواتهم والهجوم مجددا، على الأرجح، لأنه من المستبعد أن يرفعوا الراية البيضاء مجاناً.
كما أشار الخبير الروسي إلى أن تلك خصوصية أيدولوجية لتنظيم داعش وأخواته وهي تكمن في التمسك بالصراع الدائم حصرا. ولا يمكن وضع حد لهذه الايديولوجيا بحيث لا تستنزف قواتهم ولا يتم القضاء عليهم عن بكرة أبيهم. ومضى ديميدينكو قائلا: “لا أشعر بالتفاؤل في هذا الشأن. من المرجح أنهم سيواصلون معركتهم بكافة الوسائل الممكنة”. وأعاد إلى الأذهان الوضع في أفغانستان حيث أدى الغزو الأمريكي فيها إلى هزيمة طالبان في البداية. وبعد ذلك نهضت قوات طالبان وبدأت حرب العصابات من جديد.
ويعتقد الخبير في معهد العلوم الاجتماعية أنه الآن بعد نشر تصريح البغدادي يمكن التنبؤ بالموجة الجديدة من الأعمال الإرهابية ليس في دول أوروبا فحسب، بل في آسيا أيضا. وقال في هذا الشأن: هذه الايديولوجية الرامية إلى خوض الحروب. ولدى الإرهابيين تصور محدد حول ماهية نظام العلاقات الدولية المعاصر. وينقسم عالمهم إلى 3 أراضي وهي “أرض الحرب” و”أرض المعاهدة” و”أرض الإسلام”. والآن في الظروف الحالية يعتبرون العالم كله “عالم الحرب” حيث يجب أن يشن “الجهاد الدائم” في أراضيه. ولذلك ينبغي توقع الأعمال الإرهابية المحتملة في أي مكان لأن هذه الايديولوجية ترمي لا إلى التعامل السلمي أو البحث عن الحل الوسط، بل إلى المعركة حصرا. ومسرح الأعمال القتالية هو العالم بأسره بالنسبة لهم.
وذكرت المستشرقة الروسية يلينا سوبونينا أن تصريح البغدادي يظهر أن تنظيم داعش يعاني الآن من الضعف الشديد ويترك أراضيه في العراق وسوريا ولكن قدراته لا تزال قائمة. ورجحت سوبونينا أن المقاتلين سينقلون أنشطتهم الإرهابية خارج حدود العراق وسوريا.
وقالت في هذا الشأن: “نحن شهود عيان على العمليات الإرهابية في أوروبا. ويمكن الافتراض أن نشهد احتمال تكرارها في وقت قريب، ما يعني نمو الخطر الإرهابي في جميع أنحاء العالم ومن ضمنها أوروبا ودول الاتحاد السوفييتي سابقا”.
وزعمت يفغينيا غفوزديفا مديرة برامج المركز الأوروبي للدراسات الاستراتيجية أن رسالة البغدادي قد تكون “تسريب” معلومات مزيفة بغية إضعاف الروح المعنوية لعناصر داعش. ولفتت غفوزديفا الانتباه الى أن قناة السومرية نيوز هي المصدر الوحيد الذي أخبر عن رسالة البغدادي فيما لم تؤكد مصادر أخرى مقربة من تنظيم داعش هذه المعلومات.
وأشارت غفوزديفا الى أن البيانات السياسية الصادرة عن قيادة “داعش” التي تضمنت التعليق على هزائم وخسائر قوات التنظيم قد نشرت سابقا ولكن هذه الخسائر فسرت بطريقة تهدف إلى رفع الروح القتالية لدى أنصار “داعش” وإظهار أن “الله يريد بهذه الطريقة تطهير الكيانات واستبعاد المنافقين الذين تسللوا إلى داخل التنظيم من أجل المكاسب الشخصية”. ونوهت الخبيرة بأن رسالة البغدادي هذه تختلف جذريا عن سابقاتها من حيث المزاج والمعنى.