مشاركات الأعضاء

ملاحظات حول موضوعي علم الحساب والهندسة عند الفلاسفة القدماء

ملاحظات حول موضوعي علم الحساب والهندسة عند الفلاسفة القدماء – بقلم: خيال بعيد

علم العدد والمقدار

من الاقوال المألوفة في الكتب الفلسفية القديمة ان الكم ينقسم الى نوعين وهما العدد والمقدار. ويفرقون بينهما بأن الاشياء المتكثرة إن كانت متصلة ببعضها فإن كثرتها تسمى مقدارا وإن كان منفصلة عن بعضها فإن كثرتها تسمى عددا . ومثال ذلك خمسة ابقار وخمسة امتار فإن الخمسة الاولى هي عدد لأن الابقار غير متصلة ببعضها البعض واما الخمسة الثانية فهي مقدار لأن الأمتار متصلة ببعضها البعض . فهكذا هناك اشياء في العالم تعد واشياء تقدر فإن الابقار والكلاب والكواكب والملائكة الشياطين تعد ولا تقدر لأنها غير متصلة ببعضها البعض بينما الاطوال والمساحات والاحجام والزمن تقدر ولا تعد لأن وحداتها متصلة ببعضها البعض فإن المتر الاول متصل بالمتر الثاني وهذا بدوره متصل بالمتر الثالث وهذا بدوره متصل بالمتر الرابع وهكذا —

معضلة

وهذا الكلام صحيح ولكن فيه اشكالية او معضلة او هفوة يجب لفت الانظار اليها . وهي ان العدد والمقدار ليس نوعين للكم كما يقولون بل هما حكمان او عرضان للكم . وذلك لأني افهم الخمسة واعقلها بدون ان اعلم هل هي عدد ام مقدار وبدون ان اعلم هل هي خمسة ابقار ام خمسة امتار . فالخمسة لها مفهوم في ذاتها بدون التفات الى (هل هي عدد ام مقدار) . وكذلك انا اقول ان (2+3=5) بدون ان اعلم ما هي هذه الاشياء التي اقوم بجمعها هل هي ابقار ام امتار ام كلاب ام مساحات ام ازمان . وهذا معناه ان علم الحساب لا ينظر في عدد ولا مقدار بل ينظر في انواع الكثرة وهي الاثنين والثلاثة والاربعة والخمسة والستة الخ . فأنواع الكثرة هي هذه الارقام وليس للكثرة او الكم نوعين هما العدد او المقدار بل انواع الكثرة هي هذه الارقام التي ذكرناها والتي لم نذكرها . ولكن الاشياء المتكثرة ان كانت متصلة ببعضها البعض فإننا نطلق على الكثرة اسم مقدار وان كانت منفصلة عن بعضها البعض فإننا نطلق على الكثرة اسم عدد . فالكثرة لها مفهوم في ذاتها بدون ان نعلم هل هي متصلة ام منفصلة وهل هي عدد او مقدار . فالخمسة بما هي خمسة لا هي عدد ولا هي مقدار ولكن الخمسة ان وجدت في العيان فلا تخلو اما ان تكون عدد او مقدار. ولو كانت الخمسة بما هي خمسة هي عدد لاستحال ان نقول (خمسة امتار) لأن الخمسة هنا هي مقدار وليست عدد . فالخمسة بما هي خمسة لا هي عدد ولا هي مقدار ولكن احيانا تكون عدد واحيانا تكون مقدار . وفرق بين قولنا (الخمسة بما هي خمسة اما عدد واما مقدار ) وبين قولنا ( الخمسة بما هي خمسة لا هي عدد ولا هي مقدار ولكن ان وجدت في العيان فلا تخلو اما ان تكون عددا او مقدار ). فالناظر في علم الحساب لا ينظر في علم العدد كما يقولون بل هو ينظر في انواع الكثرة والتي هي الارقام مثل الاثنين والثلاثة والاربعة والخمسة والستة الخ — بدليل اننا يمكن ان نقوم بعملية جمع لاشياء بدون ان نعلم ماهي هذه الاشياء هل هي ابقار ام امتار – ومعنى هذا الكلام هو ان قولهم (ان موضوع علم الحساب هو العدد واطلاقهم اسم علم العدد على علم الحساب ) هو هفوة في الفهم بل يجب ان نقول ان موضوع علم الحساب هو (انواع الكثرة ) والتي هي الارقام بدون ان نعلم هل الاشياء المتكثرة متصلة ام منفصلة

علم الهندسة

ومن اقوالهم ان موضوع علم الهندسة هو (المقدار ) او (الكثرة المتصلة ) ولو تأملت في كلامنا السابق لعلمت ان موضوع الهندسة ليس هو الكثرة المتصلة او المقدار بل موضوعه هو اشياء تقدر ولا تعد اي اشياء لها كثرة متصلة وعلى سبيل المثال فأنا افهم الطول والمساحة والحجم والزمن بدون ان يدخل في فهمي انها كثرة متصلة او منفصلة بل الطول له مفهوم في نفسه ثم نفهم بعد ذلك ان هذا الشئ الذي اسمه (الطول ) يقدر ولا يعد . فموضوع الهندسة ليس هو الكثرة المتصلة ولكن موضوعها هو (اشياء لها كثرة متصلة ) وهي اربعة اشياء هي الطول والمساحة والحجم والزمن ) ولا يوجد اشياء في العالم تقدر ولا تعد سوى هذه الاربعة فقط وانما المهندس ينظر في الاشكال الهندسية مثل المثلث والمربع والكرة والمخروط حتى يعلم نسب ثابتة بين مقادير فيها مثل النسبة بين طول قطر الدائرة وطول محيطها او النسبة بين نصف قطر الكرة وحجمها فهو يريد ان يدرك نسب ثابتة دائما بين مقادير في اي كرة واي مثلث واي مربع الى مالا يتناهى من الاشكال الهندسية

خلاصة

الكم ليس له نوعين هما العدد والمقدار بل انواع الكم هي الارقام التي هي الاثنين والثلاثة والاربعة والخمسة الخ – وصاحب علم الحساب ينظر في هذه الانواع . فكل رقم هو نوع من انواع الكثرة وله خواص مثل كونه زوجا ام فردا . وكذلك يمكن اضافته الى رقم اخر فتكون هناك نيتجة ضرورية — وعالم الحساب عندما يجمع الخمسة والستة فتكون النتيجة هي احدى عشر لا يعنيه ان تكون الاشياء التي جمعها هل هي معدودات ام مقدرات وهل هي ابقار ام امتار — فالعملية الحسابية التي اجراها صادقة سواء اكانت الاشياء المتكثرة ابقار ام امتار – معدودات ام مقدرات – فليس موضوع علم الحساب هو العدد كما قالوا بل موضوعه هو انواع الكثرة والتي هي الارقام والتي نعقلها بدون ان نعلم هل هي عدد ام مقدار تماما كما انك تعقل الخمسة وتفهمها وتتصورها بدون ان تعلم هل هي خمسة ابقار ام خمسة امتار.

ـــــــــــــــــــــــ

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى