لم يكن ما شاهدته فى”الفيديو” الذى أرسله صديق لى يتحدث فيه الشيخ السلفى “الشهير” عن الحور العين بهذه الطريقة التى أظهرها المقطع (شاهدته مكتملاً غير مجتزئ) يشكل آية مفاجأة لى. فأنا أعلم كم هو ولع الشيخ وغيره بالحديث عن هذه الموضوعات وما شابهها والذى يشكل الغيب الجانب الأعظم منها، لكنهم “بقدرة قادر يحدثونك عنه وكأن الله تعالى قد أطلعهم عليه وما كان هذا ولن يكن.
دعونا فى البداية نعرج إلى القرآن الكريم لكى نرى كيف تناولت بعض آياته الحديث عن الحور العين وعن الجنة بشكل عام
فى سورة البقرة يقول الله عز وجل”وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”. البقرة الآية ٢٥.
والمعنى واضح وجلى:
الجنة تجري من تحتها الأنهار وبها رزق دون حدود ودون أسباب، ثم أزواج مطهرة وهو وصف يعكس مدى السمو عن كل ما يثير الغرائز أو نحوها. هذا هو المتبادر من الآية الكريمة وهو واضح وسهل ويسير ندرك معناه دون شرح هنا أو تفسير هناك.
ثم نأتى إلى آية أخرى يقول الله عز وجل فيها: “فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ”. سورة الرحمن الآية ٥٨. وقاصرات الطرف فى كتب التفسير معناها النساء اللاتي قد قصر طرفهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال. أما قوله “لم يطمثهن” فمعناه لم يمسهن. وهو أيضاً معنى لم تغب عنه نفس الفكرة فى الآية السابقة. هذا هو منظور القرآن الكريم للحور العين من خلال هذه الآيات (دون حصر)
وواضح أن الحديث عن الحور العين فى القرآن لم يأت إلا بالمعنى الكلى دون أية تفاصيل به ودون أية إشارة لمعنى جسدى أو حسى، بل اعتبار الحور العين من النساء أمر محل جدل عند جانب من المفسرين.
نعود إذن بعد هذا الاستطراد إلى الشيخ السلفى لنرى رأيه فى الحور العين. يقول حرفياً فى وصف الحور العين مخاطباً الحضور الآتى: ” أوعى تفكر النسوان اللى فى الدنيا دى نسوان. دول فالصو.. لو تشوف الجمال والحلاوة الحقيقية والله ما تبصلهم..”
ثم أخذ الشيخ السلفى ينشد شعراً فيهن يقول من بين أبياته :” ترى فى أعضائهن ماء الشباب..فلا الورد والتفاح ما لمسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، والرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور..” إلى آخره..! والجمع منتشي مبتهج بحديث الشيخ وبقصيدة الشيخ التى تخطت فى كلماتها كل خيال وكأنها اخترقت حاجز الغيب فطالعته ثم ارتدت إلينا بالخبر اليقين!
الأمر فى الواقع يتخطى حدود هذا الحديث، فهو يتجاوز هذا النطاق الضيق عن “الحور العين” رغم ما يشغله هذا الأمر من مساحة كبيرة فى عقل هؤلاء ومريديهم، فأنا لا أكتب من خلال هذا الباب الضيق لكن أكتب من خلال باب رحب عنوانه الإيمان الذى يصنعه الوجدان والعقل وليس الخرافة والتكهن!
والتساؤل مطروح ومشروع: من أين أتى هؤلاء بهذا الخبر، من أين جاءوا بهذا الوصف، من أى مصدر يستقون أحاديثهم، وبأية حجة يريدون إقناعنا؟!
إن اختزال الإيمان فى تلك الصورة الحسية ضد الإيمان، وإن وسيلة الإقناع التى تأتى عن طريق إثارة العاطفة هى عدوان على العاطفة وإن هذا الطرح الذى يدغدغ المشاعر ليس أكثر من جرعة مخدر.
ثم أريد أن أتطرق إلى شأن آخر وهو علاقة الشهيد بالحور العين:
وأما الشهيد فقد جاء في ثوابه ما رواه الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه”.
انظروا، إن الحديث عن الحور العين لا ينقطع أبداً ورغم أن وصف الشهيد من الأساس غير معرَّف ولا يدخل تحت وصف محدد إلا أن له فى نصيب فى الحور العين على نحو ما رأينا، وكل علماء الحديث عليهم عبء كبير نحو تنقية السنة من كل ما علق بها من أحاديث آحاد لا سيما فى مثل تلك الأمور.
ولا عجب بعد هذا أن نرى تسجيلاً مصوراً لشاب يسمونه “جهادى” وهو إرهابى بامتياز يُلقن عن ما سوف يراه فى الجنة من حور عين عندما يقوم بتفجير نفسه وسط أبرياء!!
ولم تقتصر مكافأة الحور العين على الشهيد فحسب على هذا النحو الذى رأيناه، بل يتعدى الأمر إلى غيره ففي سنن الترمذي “من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء.
إنها الحور العين ثانياً وثالثاً وعاشراً، وكأن الجزاء ليس به سوى الحور العين وكأن كل أعمال الدنيا لم تكن إلا للفوز بالحور العين!!
ثم كان طبيعيا أن يثور حديث النساء يتساءلن: وأين نحن من كل هذا، ولماذا للرجال وحدهم الحور العين. وهكذا نطرق باباً لم يطرقه هذا الدين القيم الذى احترم عقلية الإنسان حتى عند الشك البحث فى الإيمان ذاته!
وهل هناك يقين لم يسبقه شك؟! وهل هناك حقيقة لم تسبقها ظنون؟! وهل كان إيمان دون عقل؟! وهل هناك شريعة جعلت من التفكير فريضة تتركنا لمثل هؤلاء؟!
لا تقولوا أن العالم كله قد تآمر على عقيدتنا لأن الذى يتآمر فى الحقيقة نحن. إن المؤامرة الكبرى هى ما نفعله نحن بعقولنا وإذا كنَّا قد وضعنا تأثيماً لإزدراء الأديان وهو حق فإن الواجب أيضاً يقتضى أن يكون هناك تأثيم لإزدراء العقول.