الهتاف للزعيم والتغني بالوطن أعراض مجتمعات طفولية

مشاركات الأعضاء ,

الهتاف للزعيم والتغني بالوطن أعراض مجتمعات طفولية – بقلم: حمودة إسماعيلي

يعتمد رؤساء الدول في خطاباتهم على مفهوم الأمّة، إذا أخذنا على سبيل المثال الولايات المتحدة أو فرنسا، فإن مفهوم الأمّة إشارة للاهتمامات المشتركة بين المؤسسات السياسية والمواطنين، وما ينتج عن العلاقة من إفادة للمواطنين، اجتماعيا واقتصاديا، بما يشمل ذلك ضمان توفير العيش الكريم والسهر على حقوق الأقليات. ويُرتكز عليه أكثر عند التهديد وزعزعة الاستقرار ـ كما بالاستهدافات الإرهابية، كتدعيم للتعاون والتساند. لا يُؤخذ المفهوم كإشارة إلى أن الأمّة رائعة بتواجدها رغم انحطاطها، كما في ممارسات الدول المتخلّفة.

لا يقوم الإنسان بالتّغني بأصدقائه أو أمه، هناك أمور ملموسة وأكثر مصداقية للتعبير عن الاهتمام أو الامتنان؛ تنطبق نفس الفكرة على الدولة، ماذا يفيد إنتاج أغنية ـ بغض النظر عن التسويق السياحي، هذا إن فهم موضوعها السياح! ـ تعبّر عن الاعتزاز بتاريخ هو بالغالب محرّف (فكل رؤية تاريخية تحتمل عدة أوجه) وتمدح علاقات بين الناس مكذوبة (انقسامات إثنية ودينية وحتى سياسية واضحة)؟

مثل هذه الإنتاجات تخفي الاختلال السياسي داخل الدولة. تصرّف طفولي لتجاوز العاهات، كانت تقوم به القبائل البدائية والمجتمعات المتعثرة حضاريًّا إرضاءً للآلهة، كما برؤية التراجيديين اليونانيين للإنسان المحكوم بقدر الآلهة المتعسّف! يتغنّى بوطنه في الفرح والقرح.

ودولة فاشلة علميًّا واقتصاديًّا (شريحة واسعة من البطاليين، ومعطلون تتقاذفهم وظائف هنا وهناك لا علاقة لها باختصاصاتهم، واقتطاعات ضريبية من جيوب المواطنين لرتق التمزقات المؤسسية) على ماذا تتغنّى؟! فيديو كليب يُظهر أن المواطن هو من أرقى الأنواع الاجتماعية التي عرفها تاريخ الإنسان، وهو جائع، مستقبله التقاعدي مجهول، لا يقدر على دفع مستلزماته الطبية. بالتأكيد يصبح مريضًا عقليًّا مشاركًا في مسرحية خرقاء إن أطربته ألحان أغنية تسخر من وضعيته.

كل الدول التي كانت تتغنّى بقائد، لا تزال تتغنّى بقائدها، فليس لها ما تقدّمه للعالم ولمواطنيها خصوصًا، سوى أغنية الزعيم! وحتى دول القادة العظام المنتشرة صورهم بكل مكان، إما لا تزال دولهم تترنح من تأثير تخدير الشعارات الثورية، أو تجاهد في إعادة صنع اقتصادها بعيدًا عن مسرحياتها الهزلية حول مجتمع القادة. الدولة علاقات متشابكة وليست فريقًا من المخيم حتى يقوده قائد، إن نجاح المجتمع يعتمد على نوعية تواصل المؤسسات والأفراد لأهداف محددة وواضحة، لسنا تجمعات من القرود أو أسراب نحل تهرع خلف الفرد الأكبر حجمًا بينها.

وتخاريف التنمية الذاتية حول صناعة القائد، لا تعدو أكثر من تلف فكري لا تنفع حتى المرشدين السياحيين أو متسلقي الجبال، الأمر يعتمد على إمكانياتك وليس كيف تقف أو تمد يدك أو تُخرج حرف الواو من فمك بشكل واوي وأنت تقوم بشرب القهوة خلال اجتماع! مفهوم “الثقة بالنفس” بعمومه مفهوم سخيف وفارغ، إن كنت تعرف كيف تقوم بالأمر فستقوم به دون حاجة لمحاضرة في التنفس!

لماذا تتقدّم دول وتنجح دون ضجة الأناشيد؟ لأنها تركّز على الأهداف والمردودات ولا تنتظر ظهور شخص يعرف كل شيء أو يطير! الدولة يكفيها نشيدها الوطني، وليس لها حاجة بقيادة سياسية تعتمد على سيناريو فيلم هندي (كيفية إنعاش الاقتصاد يتم تصويره كقصة حب وحرب بين الحزب والمواطنين وأعداء لا مرئيين)، لا حاجة للمواطنين بقيادات منتخبة كذابة وهي جاهلة بأسس معضلات المجتمع، فالمواطنون يتمتعون بقوى عقلية ـ حتى لو كانت خامدة يمكن تحفيزها ـ هناك تعاون بين منتخبين وناخبين، الأمر يتعلق بإدارة، بنقد هذه الإدارة، بفكّها وإعادة تشكيلها، يلزم التركيز على المنظومات، مراقبتها وتصويبها، أما السمع والطاعة فهي تعود لمعابد الصين القديمة، حيث الراهب يوجّه طاقتك الخفية لحرق الشجرة!

ـــــــــــــــــ

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة