يقول الله تعالى :
“ﻛﻬﻴﻌﺺ ﺫِﻛْﺮُ ﺭَﺣْﻤَﺔِ ﺭَﺑِّﻚَ ﻋَﺒْﺪَﻩُ ﺯَﻛَﺮِﻳَّﺎ ﺇِﺫْ ﻧَﺎﺩَﻯ ﺭَﺑَّﻪُ ﻧِﺪَﺍﺀ ﺧَﻔِﻴًّﺎ ﻗَﺎﻝَ ﺭَﺏِّ ﺇِﻧِّﻲ ﻭَﻫَﻦَ ﺍﻟْﻌَﻈْﻢُ ﻣِﻨِّﻲ ﻭَﺍﺷْﺘَﻌَﻞَ ﺍﻟﺮَّﺃْﺱُ ﺷَﻴْﺒًﺎ ﻭَﻟَﻢْ ﺃَﻛُﻦ ﺑِﺪُﻋَﺎﺋِﻚَ ﺭَﺏِّ ﺷَﻘِﻴًّﺎ ﻭَﺇِﻧِّﻲ ﺧِﻔْﺖُ ﺍﻟْﻤَﻮَﺍﻟِﻲَ ﻣِﻦ ﻭَﺭَﺍﺋِﻲ ﻭَﻛَﺎﻧَﺖِ ﺍﻣْﺮَﺃَﺗِﻲ ﻋَﺎﻗِﺮًﺍ ﻓَﻬَﺐْ ﻟِﻲ ﻣِﻦ ﻟَّﺪُﻧﻚَ ﻭَﻟِﻴًّﺎ ﻳَﺮِﺛُﻨِﻲ ﻭَﻳَﺮِﺙُ ﻣِﻦْ ﺁﻝِ ﻳَﻌْﻘُﻮﺏَ ﻭَﺍﺟْﻌَﻠْﻪُ ﺭَﺏِّ ﺭَﺿِﻴًّﺎ ﻳَﺎ ﺯَﻛَﺮِﻳَّﺎ ﺇِﻧَّﺎ ﻧُﺒَﺸِّﺮُﻙَ ﺑِﻐُﻼﻡٍ ﺍﺳْﻤُﻪُ ﻳَﺤْﻴَﻰ ﻟَﻢْ ﻧَﺠْﻌَﻞ ﻟَّﻪُ ﻣِﻦ ﻗَﺒْﻞُ ﺳَﻤِﻴًّﺎ ﻗَﺎﻝَ ﺭَﺏِّ ﺃَﻧَّﻰ ﻳَﻜُﻮﻥُ ﻟِﻲ ﻏُﻼﻡٌ ﻭَﻛَﺎﻧَﺖِ ﺍﻣْﺮَﺃَﺗِﻲ ﻋَﺎﻗِﺮًﺍ ﻭَﻗَﺪْ ﺑَﻠَﻐْﺖُ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻜِﺒَﺮِ ﻋِﺘِﻴًّﺎ ﻗَﺎﻝَ ﻛَﺬَﻟِﻚَ ﻗَﺎﻝَ ﺭَﺑُّﻚَ ﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻲَّ ﻫَﻴِّﻦٌ ﻭَﻗَﺪْ ﺧَﻠَﻘْﺘُﻚَ ﻣِﻦ ﻗَﺒْﻞُ ﻭَﻟَﻢْ ﺗَﻚُ ﺷَﻴْﺌًﺎ”
تبدو من خلال نص الآيات السابقة أن “كهيعص” تقع مبتدأ مرفوعا وخبرها هي لفظة “ذكر” من الآية التالية حيث تعرب الآية كالتالي :
كهيعص : مبتدأ
ذكر : خبر مبتدأ مرفوع وهو مصدر يعمل عمل الفعل
رحمة : مضاف اليه مجرور
ربك : مضاف اليه مجرور ومضافه رحمة
عبده : مفعول به منصوب للمصدر ذكر
زكريا : بدل من “عبده” منصوب
من الإعراب السابق يتبين أن سر “كهيعص” أنها ذكر رحمة خاص بزكريا عليه السلام ، حيث أن بقية الآيات تشير الى طلب زكريا الولد من ربه ، لانه خاف الموالي من ورائه ، وزوجته كانت عاقرا أي بها مرض يمنعها من الإنجاب ، ويبدو أن العلاج من هذا المرض لم يكن موجودا آنذاك لذلك جاءت تلبية طلب زكريا بولد له من صلبه ، لكن اندهاشه من الاستجابة أنه لم يطلب ابنا وانما طلب وليا له ، لكن جاءت البشرى بابن له فطلب آية من الله فكانت آيته ألا يكلم الناس ثلاث ليال سويا ، يكمن التعجب في طلب زكريا للآية ، حيث الله لا يحتاج آية ليرزق عبدا له بابن من صلبه !
لكن بالعودة الى كتاب الحاكمية للمفكر السوداني محمد ابو القاسم حاج حمد يمكننا أن نفهم شيئا من طلب زكريا للآية ، حيث يقسم حاج حمد الحاكمية الى ثلاث :
حاكمية الله : وهي التي يحكم الله فيها القوم حكما مباشرا عن طريق التدخل المباشر من مقام الربوبية كشق البحر مثلا وهذه الحاكمية كانت منذ موسى عليه السلام حيث يأخذ أوامر الله الانبياء ويأمرو القوم بتنفيذها .
حاكمية الاستخلاف : وهي حاكمية ينوب فيها عن الله احد الانبياء يسخر له الله امكانيات خاصة للقيام بمهمة الحاكمية وفيها لا يتدخل الله تدخلا مباشرا الا حين يعجز المستخلفون ، وهذه الحاكمية ابتدأت بداود وسليمان عليهما السلام ، حيث سخر لهم الله امكانيات قوية كالحديد لداود والريح لسليمان ..
الحاكمية البشرية : وهي التي ابتدأت برسول الله محمد عليه السلام حيث العمل بالمنهج واكتشاف قوانين الطبيعة وتسخيرها والعمل بمنهج الله عز وجل تمثلها تماما ..
من هذا يتضح أن زكريا كان من ضمن حاكمية الاستخلاف لأنه بعد سليمان ، ومن هذا نعرف أن ما سخره الله لزكريا كان قوانين الطب التي بها يشفي العاقر ، حيث في كتاب الله يتضح هذا جليا وخاصة عند ما نعلم أن قوم زكريا كانوا أهل طب اذ أن السيد المسيح كان من معجزاته شفاء الأكمه والأبرص ، ومن الطبيعي ان تكون معجزة زكريا مما تفرد به قومه حتى تستبين المعجزة ، اذا علمنا أن حاكمية الاستخلاف تقضي أن طاعة الله طاعة من مقام الألوهية تجعل الدعوة مستجابة من مقام الربوبية وهذا قانون كوني كان يسري آنذاك إبان حاكمية الاستخلاف فعليه كان يجب أن يتعبد زكريا من مقام الالوهية حيث كانت عبادته (آيته) هي ألا يكلم الناس ثلاث ليال سويا وهي شعيرة الصوم التي فعلتها السيدة مريم عليها السلام حين وضعت السيد المسيح عليه السلام “فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا” ، فبتعبد زكريا من مقام الالوهية جاءه الولد من مقام الربوبية “اذ نادى ربه نداء خفيا”
أهل اللسانيات يقولون أن معنى اسم زكريا هو المذكور عند الله ، وهو نفسه المعنى عند أهل الكتاب ، وهنا نجد ان القرآن الكريم ذكر أن زكريا قد ذكره ربه بذكر رحمة خاص به وهب له به الولد وهذا الذكر هو “كهيعص” كما في مطلع سورة مريم ، اذن بهذا الذكر الذي ذكر به زكريا تم اكتشاف قانون علاج العاقر التي لا تلد حيث تكون ماهية هذا الحروف هي مجموعة من القوانين الفسيولوجية والطبية التي سهلها الله لزكريا ليعالج زوجته بها ، وقد تعني هذه الحروف أن امكانية علاج العاقر قد أصبحت موجودة منذ ذلك الحين ولو لم توجد حينها لما وجدت الآن أيضا وربما هذا سر هذي الحروف ، الباحث السوري سامر اسلامبولي له منهج لساني يسميه اللسان العربي المبين حيث اكتشف ان لكل حرف عربي دلالة فيزيائية كونية استشفها الناس قديما من الواقع الى ان تكونت اللغة الأم التي تنطق تماما بما يقول الواقع وبدات تتغير مع الزمن الى ان جاء بهذا اللسان العربي المبين القرآن الكريم الذي فيه كل حرف يأخذ مدلولا معينا فيزيائيا علميا كونيا ، وبتحليل “كهيعص” ربما نعرف دلالتها تماما لكن قبل هذا ينبغي أن نعرف ان هذا الذكر ليس بشريا فهو ذكر في مقام الرب ، قد لا نفهمه لكن نفهم المعجزة التي من ورائه وهي علاج العاقر وهي القوانين التي سهلها الله لزكريا عليه السلام .