قراءة مختلفة في فيلم A quiet place – بقلم: د. محمد عجلان

غير مصنف ,

قراءة مختلفة في فيلم A quiet place .. أحيانًا نظلم بعض الأعمال الفنية حين نصنفها باعتبارها أفلام رعبٍ أو أفلام خيال علمي، رغم أنها تكون كذلك بالفعل، إلا أنها في الوقت نفسه أوسع من هذا التصنيف، خاصة من حيث الفكرة المكتوبة، هذا ما نصادفه في فيلم A quiet place حيث أن فكرة العمل تبدو للوهلة الأولى فكرة خيالٍ ورعب، حيث كائنٌ خرافي يلتهم البشر، ومشكلته الأساسية مع الصوت، طالما أنك صامتٌ لا تُصدر صوتًا مرتفعًا ستكون في مأمن من بطش هذا الكائن الخرافي، حقك أن تعيش حياتك لكن لا تتكلم تقريبًا، وإذا أردت التواصل يكون همسًا أو بالإشارة. إلا أن عقلي لا يمكنه الوقوف عند مجرد ظاهر هذه الفكرة، لأن العمل أحالني مباشرة للعلاقة بين الأنظمة الاستبدادية وبين الشعوب، وكذلك بين سلطة المجتمع وبين حريات أفراده، فالسلطة بكافة أشكالها – سياسيةً كانت أو اجتماعية – لا تحتمل أصوات الأفراد، وإن أزعجها بصوته، والصوت هنا يشير للاختلاف، لأن لا شيء يزعج أي سلطة سوى الاختلاف معها، أن تتحرك بناء على صوتك الداخلي الذي يوجهك لتحقيق صالحك، فما تحتاجه منك السلطة هو أن تسير وفقًا للخوف منها، لا أن تخرج عن دائرتها ولو بمجرد صوت، ومن هنا كان الرد الفعلي للكائن الخرافي / السلطة هو التهام من يُصدر الصوت، لا فرق في ذلك بين شيخ أو طفل أو سيدة، الصوت في ذاته يزعجه.

وعلى مدار ساعة ونصف الساعة هي وقت الفيلم لم يتوقف الخوف ولم يتكلم الأبطال سوى بضعة جمل بسيطة، حتى البطلة وهي تلد طفلها الثالث كان مطلوبًا منها أن تحتمل الألم غير الإنساني في صمت، لأن أي صوت سوف يُعرِّضها وطفلَها للالتهام الفوري من هذا الكائن، وحين حاول البطل إنقاذ طفليه لم يجد أمامه سوى أن يُصدر صوتًا عاليًا حتى يسحب الكائن الخرافي من محاولته لالتهام الطفلين والذهاب إليه، وهذا ما حدث بالفعل ليموت البطل. لكن الإضافة الجوهرية في العمل، تمثّلت في آلية مواجهة السلطة أو الكائن الخرافي، وقد جاءت في العمل صدفةً، حيث كانت الفتاة لا تسمع من الأصل، وكانت محاولات الأب الدؤوبة لحل هذه المشكلة بصنع سماعة أذن، وفي أحد المرات وفي حمى الصراع بين الكائن الخرافي وبين أخيها صدر صوت ذبذبات من السماعة التي في أذنها، كانت مزعجة للفتاة جدًا، إلا أنها كانت أشد إزعاجًا للكائن الخرافي / السلطة، للدرجة التي جعلته لا يحتمل سماعها والهروب من المكان بكل طريقة، وكانت الرسالة الضمنية – على الأقل كما فهمتُها – أن الصوت الفردي ربما يؤذي صاحبه، فالسلطة – الكائن الخرافي بحاجة إلى صوت أعلى، وهذا نتاج جهد وعمل – حالة صناعة السماعة للابنة – فعلى الرغم من عنف السلطة بكافة أشكالها، ورغم انزعاجها من أصواتنا، ورغم تهديد اصواتنا لحياتنا ذاتها في مواجهة الكائن الغاشم أو السلطة الخرافية، إلا أن الصوت في الوقت عينه هو الحل، الفرق ليس في النوع ولكن في الدرجة. فالتوقف عن إصدار الأصوات لم يُنقذ البطل ولا جعل حياة أسرته هادئة، بل مات طفله في بداية العمل ومات هو في نهايته، الصوت هو الفارس في مواجهة السلطة، المهم أن نعرف كيف نوظّف هذا الصوت، كيف نوجهه. فلا أمان مع الصمت، ولا مع الصوت المتوسط، لابد أن يكون الصوت فوق طاقة تحمل السلطة، حتى تكون طاقتها موجهة لمواجهته أو التقليل من تأثيره المؤلم عليها، لا أن تُفرِّغ طاقتها الشريرة في مصدر الصوت، أيًا كانت درجته.

من وجهة نظري فيلم رائع، سواء بأداء أبطاله، أو بالحالة التي يخلقها لدى المشاهد، لكن في النهاية ما وراء ظاهر الأحداث، أي الفكرة، هي البطل، سيدة العمل بلا منازع.