مقتطفات من كتاب النبي لـ جبران خليل جبران – إعداد: أميرة السمني

نصوص مختارة ,

“هكذا الحب أبدًا لا يعرف ما له من غور إلا ساعة الفراق.”

  • “إن الحب إذ يكلل هاماتكم، فكذلك يشدُّكم على الصليب.

وهو كما يشدُّ من عودكم، كذلك يشذب منكم الأغصان.

وكما يرتقى إلى فنن هاماتكم ويداعب أغصانكم الغضة تميسُ في ضوء الشمس، كذلك يهبط إلى جذوركم العالقة بالأرض فيهزُّها هزّا.”

  • “الحب لا يُعطي إلا ذاته، ولا يأخذ إلا من ذاته. والحب لا يَملك، ولا يَملكه أحد، فالحب حسبه أنه الحب.”
  • “ليُحبَّ أحدكما الآخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيدًا، بل اجعلاه بحرًا متدفقاً بين شواطئ أرواحكما.”
  • “إنك لتُعطي القليل حين تُعطي مما تملك، فإذا أعطيت من ذاتك أعطيت حقاً.”
  • “جميل أن تُعطي من يسألك، وأجمل منه أن تُعطي من لا يسألك وقد أدركت عوزه،

 فالسعي إلى من يتقبل العطاء هو للجواد المعطاء متعة تتجاوز العطاء ذاته.”

  • “لعمري إن الحياة ظلام إلا إذا صاحبها الحافز،

 وكل حافز ضرير إلا إذا اقترن بالمعرفة،

وكل معرفة هباء، إلا إذا رافقها العمل،

وكل عمل خواء، إلا إذا امتزج بالحب.

فإذا امتزج عملك بالحب فقد وصلتَ نفسَك بنفسك، وبالناس وبالله.”

  • “وما يكون العمل الممزوج بالحب؟

هو أن تنسج الثوب بخيوط مسلولة من قلبك، كما لو كان هذا الثوب سيرتديه من تحب.

هو أن تبني دارًا والمحبة رائدك، كما لو كانت هذه الدار ستضم من تحب.

هو أن تنثر البذور في حنان، وتجمع حصادك مبتهجًا، كما لو كانت الثمار سيأكلها من تحب.

هو أن تنفح كل ما تصنعه يداك بنسمة من روحك، وأن تدرك أن كل الراحلين المباركين ملتفون حولك يراقبون.”

  • “إنما فرحكم حزنكم رفع عن وجهه القناع.

وما أكثر ما تمتلئ البئر التي تستقون منها ضحكاتكم بفيض دموعكم.

وكيف يكون الأمر غير ذلك؟

فعلى قدر ما يغوص الحزن في أعماقكم يزيد ما تستوعبون من فرح.

أليست الكأس التي تحمل خمركم هي هي الكأس التي احترقت في أتون الفخّاري؟

وأليست القيثارة التي تسكن لها نفوسكم هي هي قطعة الخشب التي حفرتها سكين؟

حين يستخفك الفرح، ارجع إلى أعماق قلبك، فترى أنك في الحقيقة تفرح بما كان يومًا مصدر حزنك.

وحين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يومًا مصدر بهجتك.”

  • “إنكم لتستطيعون أن تكتموا صوت الطبول وترخوا أوتار القيثار، ولكن من منكم له أن يأمر البلبل أن يكف عن التغريد؟”
  • “لعمري إن الأمور جميعًا، مرغوبة أو مرهوبة، ممقوتة أو محبوبة، منشودة أو ممجوجة – تتحرك كلها في أعماق وجودك، تكاد تتعانق أبدًا.

أجل إنها تتحرك في طوايا نفسك، كما يتحرك الضوء وظله، زوجين متلازمين.

وعندما يخبو الظل ويتلاشى، فإن الضوء المتلبث يصبح ظلاً لضوء جديد.

وهكذا تكون حريتكم، ما أن تخلص من أغلالها حتى تغدو هي نفسها قيدًا لحرية أعظم.”

  • “إن عقولكم وعواطفكم هى الدفة والشراع لأرواحكم السارحة في البحار، فإذا تحطمت الدفة أو تمزق الشراع، تقاذفتها الأمواج فضلَّت، أو توقفت بلا حراك وسط الخضم.

    فالعقل إذا سيطر وحده بات قوة تقيدكم، والعاطفة إذا تركت وشأنها دون وازع غدت لهيبا يتلظي حتى تخمد. فدع روحك تحلق بعقلك إلى ذرى العاطفة، حتى تصدح بالنغم. ودعها تهدى عاطفتك بالحجا، فالعاطفة تحيا كل يوم بالبعث المتجدد، كالعنقاء تحرق نفسها ثم تنهض من بين الرماد.”

  • “إن الألم الذي بكم هو أن يتفتق الستر الذي يحيط بإدراككم. وكما أن نواة الثمرة تتفتق لتكشف قلبها للشمس، كذلك الألم لا مناص لكم من أن تخبروه.

    ولو استطعت أن تجعل قلبك يتهلل دائما للعجائب التي تتكشف لك كل يوم، لرأيت أن آلامك لا تقل روعة عن أفراحك.

    ولرضيت بالأطوار التي تنتاب قلبك، كما رضيت دائمًا بالفصول تتعاقب على حقلك، ولوقفت رابط الجأش، ترقب شتاء أحزانك.”

  • “إذا أمسك صديقك عن الكلام، ظل قلبك يُصغي إلى حديث قلبه، ففي الصداقة تنبعث الأفكار والرغبات والأماني جميعًا في صمت، وتشارك فيها النفوس في بهجة مضمرة.”
  • “ادخر لصديقك خير ما في نفسك، فإذا حق له أن يعرف ما يصيب حياتك من جزر، فدعه يعرف أيضًا ما يغمرها من مد.”
  • “إنكم تتكلمون حين يدب الخصام بينكم وبين أفكاركم، فإذا عجزتم عن أن تخلدوا إلى عزلة قلوبكم تعلقت حياتكم بشفاهكم، وانطلقت أصواتكم تلهيًة وإزجاءً للفراغ. ومع أكثر كلامكم يهلك نصف تفكيركم.”
  • “ومنكم من يسعى إلى من يثرثرون، خشية الخلو إلى نفسه، لأن سكون الوحدة يكشف لأعينهم خفايا ذواتهم العارية فيفرون منها.”
  • “دعوا الحاضر يعانق الماضي بالذكرى والغد بالحنين.”
  • “ما هو خالد فيكم يدرك أن الحياة لا يحدها زمان، ويعلم أن الأمس ما هو إلا ذاكرة اليوم، وأن الغد ما هو إلا حلمه.”
  • “من ذا الذي يستطيع أن يسيء إلى الروح؟

    أو يستطيع البلبل أن يعكر صفو الليل، أو تسيء اليراعة إلى النجوم؟

    وهل تستطيع شعلتك أو دخانك أن يثقل كاهل الرياح؟

    أو تحسب أن الروح بركة هامدة تستطيع أن تزعج صفوها بعصاك؟”

  • “إن الجمال هو الحياة ساعة تكشف عن وجهها القدسي.

    ولأنتم الحياة، ولأنتم الحجاب.

    وهو الخلود يستجلي وجهه في مرآة.

    ولأنتم الخلود، ولأنتم المرآة.”

  • “في أعماق آمالكم ورغباتكم تقبع معرفتكم الصامتة بالغيب.

    وتحلم قلوبكم بالربيع، حلم البذور مكنونة تحت الثلج.

    ثقوا بالأحلام، إن في أطوائها باب الخلود.”

  • “إننا نحن الضاربين في الآفاق الساعين دائمًا إلى أشد الطرق عزلة، لا نستهل يومًا حيث انتهى بنا غيره، ولا تطلع علينا الشمس حيث تركنا مغيبها.

    بل إنا لفي رحلة، حتى وإن كانت الأرض مستغرقة في رقدتها.

    وما نحن إلا بذور النبات المكين، لا تتلقفنا الريح لتنثرنا إلا عندما ننضج وتفعم قلوبنا.”

  • “لقد قيل لكم إنكم كالسلسلة ذاتها، وإذ كنتم كالسلسلة فأنتم ضعاف كأضعف حلقاتها.

    وما هذا القول إلا نصف الحقيقة، فأنتم أيضًا أقوياء كأقوى حلقاتها.

    ومن يقسكم بأقل أعمالكم شأناً، يكن كمن ييقدر جبروت المحيط بوهن زبده.

    ومن يحكم عليكم بما أصابكم من إخفاق، يكن كمن يلوم الفصول على تقلبها.”

  • “أجل، إنكم كالمحيط،

    ومع أن السفن الجانحات المثقلات تنتظر المد على شواطئكم، فإنكم كالمحيط لا تستطيعون أن تتعجلوا نصيبكم من المد.

    ولأنتم أيضاً كالفصول.

    ومع أنكم في شتائكم تنكرون الربيع،

    فالربيع الغافي في أعماقكم يبتسم في غفوته ولا يسيئه إنكاركم.”

  • “ولعمري، أي هبة يتلقاها الإنسان أنفس من تلك التي تجعل كل ما يسعى إليه شفاهًا ظمأى، وتجعل حياته كلها نبعًا ثرًا لا ينضب؟”
  • “إنكم لستم رهناء أجسادكم، ولا سجناء بيوتكم وحقولكم،

    فإن ذاتكم تسكن فوق الجبل، وتسري مع الريح.

    وليست هي بالشئ الذي يزحف إلى الشمس سعيًا إلى الدفء، أو يحفر جوف الأرض في الظلام طلبًا للأمان.

    وإنما هي شيء حر، بل روح تحيط بالأرض، وتنطلق في الأثير.”

  • “إن ما يبدو لأعينكم أضعف ما فيكم وأكثره اضطرابًا هو في الحق أقوى ما فيكم وأشده ثباتًا.

    أليست أنفاسكم هي التي أقامت هيكل عظامكم وقوت دعائمه؟”