كيف تجعل نفسك أكثر جاذبية وتأثيرا؟
من أول لحظة تدخل فيها إلى حجرة ما، يبدأ الناس في إصدار أحكامهم حول شخصيتك، وإلى أي مدى يعجبون بك. ولحسن الحظ، هناك بعض الطرق التي يمكنها أن تساعدك في تحسين صورتك أمام الآخرين.
يعرف معظمنا أناسا من الذين يمكنهم أن يدخلوا إلى غرفة مليئة بالغرباء ويخرجون منها بعشرة أصدقاء جدد على الأقل، وموعد للغداء في اليوم التالي، وربما وعد بالتعرف إلى شخص مسؤول داخل إحدى الشركات المهمة.
لكن ما الذي يجعل مثل هؤلاء الأشخاص أكثر قدرة، دون أي جهد يذكر، على أن يحظوا بإعجاب الآخرين، بينما يعاني كثيرون منا من أجل ذلك؟
في حين أن بعض الناس يجعلك تشعر بأن امتلاك ميزة اجتماعية كهذه، و اكتساب حب الناس، أمران يعودان إلى نوع من الفنون، فإن هناك قدرا مذهلا من توظيف العلم في هذا الغرض.
إن العوامل التي تحدد نجاحنا مع الآخرين، والانطباعات التي نشكلها عنهم يمكن أن تبدأ حتى قبل أن نلتقيهم. وقد توصلت عدة دراسات إلى أن الأشخاص الذين نقابلهم غالبا ما يصدرون أحكامهم وفقا للهيئة التي نبدو نحن عليها. وقد أظهر أليكساندر تودوروف، أستاذ علم النفس بجامعة برينستون بالولايات المتحدة، أن الناس يشكلون أحكامهم حول شخص ما فيما يتعلق بمدى الإعجاب به، ومصداقيته، وكفائته، بمجرد النظر إلى وجهه لأقل من عشرة أجزاء من الثانية.
ويقول تودوروف: “بينما هناك أمور، مثل الهيمنة، ترتبط بشدة ببعض الخصائص الخطابية، هناك أمور أخرى مثل الثقة والجاذبية، تعتمد بشكل كبير على تعبيرات الوجه”. وقد ألف تودوروف كتابا بعنوان “قيمة الوجه: التأثير الذي لا يقاوم للانطباعات الأولى”، والذي يتناول هذه الظاهرة بالتفصيل.
كما أن إطلاق أحكام حول مظهر الأشياء يمكن أن يبدو أمرا متسرعا، لكننا نفعل ذلك طوال الوقت دون أن ندرك ذلك. وهو ما يمكن أن يؤدي بالطبع إلى تداعيات خطيرة.
فعلى سبيل المثال، ربما يؤثر ذلك على الشخص الذي تصوت لصالحه في الانتخابات. وقد أظهرت دراسة أن تعبيرات الوجه يمكن أن تستخدم في التنبؤ بنتيجة انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي. وبالمثل، فإن خصائص الوجه المرتبطة بعوامل مثل القوة والكفاءة كان لها أثر فعال في التنبؤ بنتائج الانتخابات الخاصة ببعض السياسيين في بلغاريا، وفرنسا، والمكسيك، والبرازيل.
والأحكام التي نصدرها بالنظر إلى وجه شخص ما يمكن أن تؤثر على قراراتنا المالية أيضا. ففي إحدى التجارب، كان الأشخاص الذين يطلبون قروضا وتبدو ملامحهم أقل ثقة، تقل فرصهم في الحصول على موافقة لأخذ تلك القروض. وكان مانحو القروض يصدرون تلك الأحكام بناء على المظهر الخارجي بالرغم من حصولهم على المعلومات الكافية المتعلقة بوظائف طالبي تلك القروض، وتاريخهم المالي.
كن مبتسما دائما
طالما أنك قد تكون قادرا على التحكم في الخصائص الجسدية لوجهك، فإنه من الممكن أن تغير من تعبيرات وجهك وتبتسم. ويقول تودوروف، وفقا للبيانات التي جمعها، إن الوجه المبتسم يصبح أكثر احتمالا لكسب ثقة الآخرين.
ويضيف: “يدرك الناس أن الوجه المبتسم هو وجه جدير بالثقة، واجتماعي، ويتسم بالود والدفء”.
ويعتقد تودوروف أن أحد أبرز الخصائص المتعلقة بهذه الانطباعات هي التعبير عن المشاعر، فإذا جعلت وجهك يبدو أكثر ثقة وانفتاحا على الآخرين، سيصبح ذلك الوجه أكثر سعادة.
وبالنسبة لتلك المواقف التي لم نعط فيها للآخرين الانطباعات الأولى بشكل جيد كما كنا نأمل، لا تزال هناك فرصة لاكتساب الناس بطريقة تجعلهم ينسون أثر تلك الانطباعات الأولى والأحكام المتسرعة حول شخصياتنا.
فإذا استطعت أن تؤثر في شخص ما وتترك أثرا إيجابيا عن شخصيتك لديه، فإنك ستجعله ينسى ما كان يعتقده بشأنك عندما شاهدك للمرة الأولى، كما يقول تودوروف.
ضع ذكاءك في طريق صحيح
تُعرّف أوليفيا فوكس كوبين، وهي مدربة في مجال التنمية البشرية، ومؤلفة كتاب “أسطورة الكاريزما”، الشخصية الجذابة على أنها ترتبط بالقدرة على اكتساب إعجاب الآخرين، وبأن تتواصل مع الآخرين ببهجة وكياسة.
فالشخصية المحبوبة يمكن أن تحقق فوائد عديدة في مجال المال والأعمال. كما أن رواد الأعمال الذين لديهم مهارات اجتماعية أفضل، من المرجح أن يكونوا أشخاصا ناجحين، والعاملين الذين يتمتعون بحب من حولهم ستكون لديهم فرصة أفضل ليتقدموا في أعمالهم.
وقد أظهرت دراسة أُجريت في جامعة ماساتشوستس، على سبيل المثال، أن المراجعين الداخليين في أقسام المحاسبة، الذين يحظون بحب الآخرين ويقدمون نقاشات منظمة ومنطقية، كانت لديهم فرصا أفضل في إقناع مديريهم بقبول مقترحاتهم، حتى لو أبدى المديرون اعتراضهم على تلك المقترحات في البداية، وقبل رؤية هؤلاء المراجعين.
وتقول سوزان دي جاناس، أستاذة الإدارة بجامعة سياتل، إن المهارات الفردية قد أصبحت أكثر أهمية بشكل متزايد في أماكن العمل، لأن كثيرا من المؤسسات قد سئمت العمل مع هياكل العمل الهرمية القديمة.
وتضيف: “لقد أصبح الأمر أكثر أهمية أن تمتلك القدرة على العمل في فريق والتأثير في الآخرين، سواء كان لديك منصب مهم أم لا”.
ومن أفضل الأشياء أن تعلم أنه من الممكن أن تدرب نفسك بهدف أن تصبح أكثر جذبا وتاثيرا.
ويشير جاك تشافر، عالم النفس، والعميل السري المتقاعد بمكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” بالولايات المتحدة، إلى أن المذيع الأمريكي الراحل جوني كارسون، كان يعد مثالا نموذجيا لشخص كان يفضل أن يظل بمفرده. لكنه مع ذلك تعلم كيف يكون شخصا اجتماعيا إلى أقصى درجة ممكنة أمام الكاميرات
وكان كارسون ، مقدم برنامج “تونايت شو” الشهير، يمضي سنوات دون الموافقة على طلب واحد لإجراء مقابلة معه. وفي ذات مرة، أخبر كارسون صحيفة لوس أنجليس تايمز أنه في 98 في المئة من أيام عمله كان يذهب إلى بيته مباشرة بعد انتهاء تصوير البرنامج، بدلا من الذهاب لقضاء وقت مع المشاهير.
ويضيف تشافر: “كان كارسون شخصا انطوائيا للغاية، لكنه علّم نفسه كيف يكون اجتماعيا. وكان بمجرد أن ينتهي من برنامجه التلفزيوني، يسرع إلى بيته، لكنه رغم ذلك كان يُعرف على شاشة التلفاز بابتسامته العريضة، والضحك، وطرح النكات.”
تعبيرات الوجه
إذا، ما الذي يمكن لنا أن نفعله لكي نكون أكثر جاذبية؟ يقول تشافر إن الجاذبية تبدأ بحركة سريعة للحاجبين. ويضيف: “تبحث أدمغتنا دوما في البيئة المحيطة عن إشارات لوجود صديق أو عدو لنا. لذا، فإن الأمور الثلاثة التي نقوم بها عند الاقتراب من شخص ما لإعطاء إشارة إلى أننا لا نمثل خطرا أو تهديدا له، تتضمن: حركة الحاجبين السريعة التي تدوم لنحو ستة أجزاء من الثانية، وإمالة بسيطة للرأس، وابتسامة واضحة”.
والآن ستكون قد صنعت مدخلا مناسبا إلى الشخص الذي أمامك. ويقول الخبراء إن الخطوة الرئيسية بعد ذلك لنيل محبة الآخرين وإعجابهم، هي أن تجعل الحديث يدور عن الشخص الآخر، وهو ما يعني عدم الحديث عن نفسك في البداية.
ويقول تشافر: “القاعدة الذهبية للصداقة هي أنك إذا استطعت أن تجعل الناس ينظرون بشكل إيجابي إلى أنفسهم، فإنهم سيعجبون بك”. لكن كوبين تعتقد أن ذلك لن يحدث إلا إذا أظهرت اهتماما حقيقيا بما يقولون.
وتضيف كوبين أنه إذا لم تتمكن من ذلك، فعليك أن تظهر اهتماما حتى لو كان مصطنعا، من خلال التواصل المباشر مع عين المتحدث، فذلك سيعطي انطباعا بأنك تبدي اهتماما بما يقول.
ويعتقد تشافر أنه من الممكن استخدام بعض الجمل التي تصف حال الشخص الآخر، أو ما يبدو عليه من شعور بالسعادة أو البهجة، كأن تقول: “يبدو أنك سعيد جدا اليوم”. وإذا كنت تعرف الكثير عن شخصية من تتحدث إليه، فيمكنك أن تكون أكثر فعالية في فتح حوار جيد معه.
ويضيف تشافر: “بدلا من المجاملة المباشرة، دع الناس يعبرون عن أنفسهم، ويمتحدونها”. ويمكنك مثلا أن تقول: “سمعت أن ذلك الشيء الرائع حدث لك، وأحب أن أسمع القصة منك أنت”، كما تقترح سوزان دي جاناس.
ابحث عن أشياء مشتركة
تقترح دي جاناس أيضا التأكيد على الاهتمامات المشتركة، حتى لو اختلفت الآراء حول الأمر الذي تتناقشان فيه. فأصحاب الشخصيات الجذابة والمؤثرة يتمتعون بمهارة خاصة تتعلق بإيجاد مساحات مشتركة مع الأشخاص الذين يتواصلون معهم، حتى لو لم يكن هناك الكثير من الأمور التي يمكن تبادل الحديث عنها.
وتقول دي جاناس: “عندما تختلفون في أمر ما، حاول أن تستمع حقا إلى الشخص الآخر، بدلا من التسرع في طرح الردود، فهذا ما يفعله الأذكياء والمؤثرون، كما تشير الدراسات”.
وتضيف: “قد يبدو الأمر أنك تختلف تماما مع المتحدث، لكن عند إمعان النظر في ذلك الموقف، قد تجد أشياء صغيرة تتفق معه فيها، على الأقل من حيث المبدأ”.
وتنصح دي جاناس بأنه من الأفضل دائما أن تكون مطلعا على الأحداث الجارية، ومتابعا لآخر الأخبار في مجال عملك أو صناعتك، فهذه هي الأشياء التي يشترك فيها كثير من الناس.
تابع لغة الجسد جيدا
من الأمور المهمة أيضا فيما يتعلق بالجاذبية والتأثير أن تهتم جدا بلغة الجسد الخاصة بالشخص الذي تتحدث إليه، ومن الأفضل أن تحاكي بعض إشارات تلك اللغة.
فعندما يتحدث الناس معا، ويبدأون في استخدام نفس إشارات لغة الجسد، سيكون ذلك مؤشرا جيدا على وجود تقارب بينهم، كما يقول تشافر.
ويضيف تشافر أن هذه الطريقة جيدة أيضا لاختبار كيفية سير المحادثة بعد ذلك. فإذا غيرت وضعك أثناء الحديث، ثم غيّر الشخص الآخر وضعه مثلك، فهذا يعني في الغالب أن الأمور تسير على مايرام.
وبعض العاملين في مجال المبيعات ينتظرون تلك اللحظة التي يبدأ فيها العملاء محاكاتهم، حتى يبدأوا في تقديم ما لديهم من عروض.
ويقول تشافر إن هناك خطأ شائعا يتمثل في أن العديد منا يغمرون الأصدقاء الجدد بسيل من المعلومات الشخصية عن أنفسهم، وهو ما يمكن أن يجعل هؤلاء الأصدقاء ينفرون منا. وبدلا من ذلك، ينصح تشافر بأن تقدم قليلا من التفاصيل عن نفسك شيئا فشيئا، حتى تكون كل معلومة جديدة بمثابة “طُعم مثير للفضول”، وتجعل اهتمام الآخرين متواصلا.
ويقول تشافر: “عليك أن تكشف عن المعلومات عن نفسك بشكل تدريجي، حتى تُبقي هذه العلاقة الجديدة حية”.
وستكون هناك مواقف تحتاج فيها إلى أن يُعجب بك شخص ما بطريقة سريعة وطبيعية أيضا. وإذا كان الأمر كذلك، فلدى تشافر استراتيجيات تجعل الناس يجيبون عن الأسئلة الشخصية التي توجه لهم، فهو الذي أمضى نحو 20 عاما في العمل في مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي”، وتضمن عمله جعل الناس يكشفون عن معلوماتهم السرية.
وبعض الجمل مثل “تبدو أنك تبلغ من العمر 25 سنة، أو 30 سنة”، سوف تدفع الشخص الآخر في غالب الأحيان إلى أن يجيب بالتأكيد بـ “نعم، عمري 30 سنة”، أو بتصحيح تلك المعلومة لك وإخبارك بعمره الحقيقي.
وهناك طريقة أخرى تتمثل في كشف معلومة شخصية عن نفسك أولا، مثل السن، وهو ما سيجعل الشخص الآخر يكشف لك بالمثل عن تلك المعلومة عن نفسه.
ويقول تشافر إن الأبحاث تشير إلى أنه كلما تمكنت من أن تجعل الشخص الآخر يكشف عن بعض معلوماته الشخصية بصورة أسرع، ستتمكن من التقدم في إقامة تلك العلاقة القوية التي تريدها.
لكن إذا فشلت كل تلك الطرق، يمكنك ببساطة أن تقضي وقتا أطول بالقرب من ذلك الشخص حتى تجعله يعجب بك، حتى في الظروف الصعبة.
ويروي تشافر في مقدمة كتاب له قصة من مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” حول جاسوس أجنبي كان محتجزا لدى الولايات المتحدة، وكان تشافر يجلس في زنزانته كل يوم ويقرأ الصحف، حتى ذهب الخوف عن ذلك الرجل وأثاره الفضول، فأراد هو أن يبدأ حوارا مع تشافر.
ويضيف تشافر: “في البداية، كان الاقتراب من الرجل، وطول المدة، وبعد ذلك وثقت تلك العلاقة بالتدريج، وذلك بالميل نحوه، وزيادة التواصل معه بالعين، وهكذا.” وقد استغرق الأمر عدة أشهر، لكن في النهاية، حصل تشافر على ما أراده من ذلك الرجل.
لذا، في المرة القادمة التي تدخل فيها إلى حجرة مليئة بالوجوه الجديدة، ربما تكون أنت، وبجهد بسيط، ذلك الشخص الذي يريد الجميع أن يأتي ليتعرف عليه.
المصدر: بي بي سي