نبذة عن كتاب

دور المخدرات في الحرب العالمية الثانية، وكيف استخدمها هتلر !

الكوكايين، الهيرويين، المورفين كما الميثامفيتامين أو “الكريستال ميث”، كلها طبعت أيام الزعيم النازي أدولف هتلر. لقد كان شديد الإدمان على المخدرات حتى أنه كان يتعاطاها وريدياً، وقد زاد إدمانه عليها عندما اشتدت وطأة الحرب. القصة مذهلة، والكثير من جوانبها غير مكشوف، لكن الكاتب الألماني نورمان أوهلر أعاد النبش في وثائق الفوهرر، لا سيما تلك التي تركها طبيبه الخاص تيودور مولير، وخرج بكنز ثمين من المعلومات. في كتابه يحكي زوهلر عن المخدرات لدى الرايخ الثالث، وكيف يغيّر التعمق في تأثيرها كل ما نعرفه من روايات عن الحرب العالمية الثانية.

في مقابلة له مع صحيفة الغارديان، يعود أوهلر إلى فترة التسعينات بعد انهيار جدار برلين مباشرة، عندما انتشرت المخدرات مثل “الإكس تي سي” والـ”أل أس دي”، وكيف ساعد هذا الانتشار في التخفيف من حدة الكراهية والارتياب بين القادمين من الجهتين الشرقية والغربية. لكن الأمر مع هتلر ومع جنوده لم يكن كذلك. كان للمخدرات وإدمانها لديهم تأثير من نوع آخر.

Bundesarchiv_Bild_101I-811-1881-31,_Adolf_Hitler_bei_Rede

هتلر المنتشي والهورمونات الحيوانية

كُتب الكثير عن النازية، حتى أن ما كتب يمكن إذا جرى صفّه أن يفوق نهر سبري طولاً، لكن المخدرات لم تكن أولوية بالنسبة للمؤرخين. من هنا تنبع أهمية ما قام به أوهلر، إلى درجة وصفه بها المؤرخ البريطاني الأشهر عن النازية إيان كيرشو بأنه “نص معرفي رائع”. بدأت الفكرة بجملة عرضية قالها صديقه ألكساندر كرامر “هل تعلم الدور الذي لعبته المخدرات في الاشتراكية الوطنية؟”، فبدأ البحث في أرشيف المحفوظات، إلى أن وقع على أوراق الطبيب الشخصي لهتلر، ولم يكن مثار اهتمام معظم المؤرخين. حينها بدأ جمع مادته بعناية، ولم يستطع استخدام سوى نصفها في كتابه.

يشارك أوهلر في كتابه نسخة رسالة موجهة من السكرتير الخاص لهتلر مارتن بورمان إلى موريل قائلاً إن الدواء الذي وصفه للفوهرر يجب أن ينظم بطريقة سليمة بسبب تدهور صحته. ويشير الكاتب إلى أنه في الفترة الممتدة بين 1919 و1933، مع تأسيس جمهورية فايمار بعد الحرب العالمية الأولى، كانت ألمانيا أكبر المصدرين للأدوية المخدرة كالمورفين والكوكايين، وكانت تلك الأدوية متوفرة للجميع.

ذاع صيت الطبيب موريل نتيجة اعتماده على فيتامين عصري يصفه لمرضاه. كان طبيب مصور الرايخ الخاص، ومن خلاله تعرف على هتلر. في تلك الفترة كان الأخير يعاني من آلام حادة في الأمعاء. تعززت الثقة بين الطرفين، وبات موريل عنصراً أساسياً في حياة هتلر. بعد إصابة هتلر بمرض خطير في العام 1941، لم تعد حقن الفيتامين تنفعه، وكان مهجوساً بفكرة الموت بسن مبكرة، فكان على الطبيب إيجاد حل سريع وإلا كانت حياته في خطر. بدأ بحقن “المريض أ” (اسم هتلر الطبي) بهورمونات حيوانية وإعطائه أدوية بالغة التأثير، حتى وصل لحقنه بمخدر قوي اسمه “أوكودال” وهو خليط من الأفيون والهيرويين، جعل الفوهرر منتشياً على الدوام. مع الوقت، بدأ موريل يحقنه بالأوكودال عدة مرات في اليوم، ثم تطور العقار عبر دمجه بجرعات كبيرة من الكوكايين.

هنا يسأل الكاتب عما إذا تعمد موريل جعل هتلر مدمناً، أم أنه لم يقاوم شخصية الأخير التي وجد أنها تميل للإدمان؟ يرجح أوهلر النظرية الثانية، فقد كانت شخصية هتلر متطلبة للغاية وقد رغب بالحصول على تأثير سريع والتخلص من ضغط الوقت “الذي كان يهرب منه”. لم يدرك هتلر حقيقة إدمانه إلا في وقت متأخر، فموريلر لم يكن مروّج مخدرات عادي ليقدم العقار لمريضه في إطار البحث عن السعادة، لقد كان يتحدث دائماً عن صحة هتلر والاعتناء بها.

الكارثة حلت مع قصف هتلر لمصنعي “بيرفيتين” و”إيوكودال”، إذ زاد إدمانه من دون توفر العقاقير، وصارت هيئته في العام 1945 بائسة. كان يعتقد البعض أنه مصاب بمتلازمة باركنسون، لكنه كان يعاني من أعراض الإدمان والتوقف عن التعاطي. يقول أوهلر في مقابلته مع الصحيفة البريطانية “لقد كان الأمر مريعاً، فقد كان يخسر حرباً عالمية، وفي الوقت نفسه يتوقف عن تعاطي المخدرات”. وبعد شهرين، انتحر مع زوجته إيفا، أما طبيبه موريل فقد نجا. يصف الكاتب الطبيب بأنه لم يكن شريراً بل كان انتهازياً.

1012_Temmler-Pharma-GmbH-&-Co-KG,-Marburg

شوكولاتة البهجة وعلكة الكوكايين

لعبت البروباغندا (لعبة النازيين المفضلة) دوراً مفصلياً في رسم صورة مثالية لهتلر، ذاك الشخص المتفرغ لمصلحة بلاده فلا يسمح لأي مادة سامة بدخول جسمه ولا يشرب الكحوليات ولا يقرب النساء. وعليه، عندما تولى النازيون الحكم جرّموا استخدام المخدرات واعتبروا ذلك فعلاً جنائياً يعاقب فاعله أشد العقوبات.

في المقابل، كان من الضروري تنشيط ألمانيا التي ألزمها هتلر بالاستيقاظ المبكر والإنتاجية الفائقة. طوّر الخبير الكيميائي فريتز هاوشيلد منشط “برفيتين” الذي انتشر كالنار في الهشيم، وبدأ المجتمع بجميع فئاته استخدامه من أجل تحسين الأداء وتعزيز الثقة بالنفس.

مع الوقت، دخلت المادة في الحلويات، ونُصحت النساء بتناول قطعتين إلى ثلاث كي يستطعن أداء مهماتهن المنزلية بشكل أفضل من أي وقت مضى، كما دخل إلى الشوكولاتة ووصف بـ”دائم البهجة”. وسمّى أوهلر ذلك في كتابه بـ”الاشتراكية الوطنية في قرص”.

أما تأثير المخدر الأكبر فكان على الجنود، إذ يتضمن الكتاب رسالة من جندي على الخطوط الأمامية إلى والده يتوسّل فيه أن يرسل له “البرفتين” كي يساعده على مقاومة عدوه اللدود وهو النوم. وقد تخصص الطبيب أوتو رانك في حماية الجنود من الإنهاك والشعور بالنعاس وبث الشجاعة في النفوس، حتى أن الطبيب نفسه أصبح مدمناً على البرفيتين، الذي كان يمكّنه من العمل لـ50 ساعة متواصلة من دون توقف.

1500

في العام 1940، على سبيل المثال، وأثناء الاستعداد لاجتياح فرنسا، استلم أطباء الجيش مرسوم المنشطات الذي يقضي بإعطاء حبة واحدة للجندي خلال اليوم، وحبتين خلال الليل، وحبة أو حبتين بعد ساعتين أو ثلاث. ويتوصل الكتاب إلى خلاصة مفادها أن المخدرات كانت سبباً أساسياً في اجتياح فرنسا، إذ تمكن الجنود من البقاء مستيقظين لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال.

أثبت ذلك أن استخدام المخدرات سلاح فعال، وفي العام 1945 بدا أن النصر على الحلفاء شبه مستحيل، فقررت البحرية الألمانية استخدام غواصة تتسع لرجل واحد يمكن أن تتجه بسهولة إلى مصب نهر التايمز، ولم يكن ذلك ممكناً من دون بقاء من بداخلها مستيقظاً لعدة أيام بشكل متواصل. وعليه بدأ الخبراء تطوير دواء شديد التأثير أسموه “علكة الكوكايين”، تعتبر أصعب الأنواع التي تعاطاها الجنود الألمان.

التأثير السلبي لهذه المخدرات كان قوياً. فقد أصبح الوضع أشبه بـ”حالة جنون مرعب”، وعانى جنود كثر من نوبات اضطراب عقلي، حتى جرى فصل بعضهم بعدما عجزوا عن النوم لـ7 ليال متواصلة.

يبدو الكتاب شديد الأهمية في الإضاءة على تاريخ المخدرات وأدوية الهلوسة في الحروب، وهو ما يمكن أن نسقطه على واقع استخدامها في الحروب التي نشهدها اليوم، لا سيما تلك التي يُظهر المشاركون فيها دموية مرعبة واهتزازاً واضحاً في الأجهزة العصبية.

المصدر

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى