أبحاث ودراساتثقافة وفنونمقالات فكرية
من يوقع عن الله ؟
بما يحمله من واجب بيان دين الله و حراسة شريعته و أحكامه لا يتوانى عن اداء دوره ولا يتأخر عن واجب إظهار حكم الله تعالى للمسلمين في شتى بقاع العالم و التعريف به في النوازل والوقائع التي تمس حياتهم الأسرية و الاجتماعية .. و يرفض رفضاً قاطعا اية محاولة للمساس بعقائد المسلمين و أحكام شريعتهم وليعلم الجميع أن رسالة الأزهر الشريف وبخاصة ما يتعلق منها بحراسة أحكام دين الله وبيانها للناس هي رسالة عالمية لا تحدها حدود جغرافية ولا توجهات عامة أو خاصة ..النصوص اذا كانت قطعية الثبوت و الدلالة معا فأنها لا تحتمل الاجتهاد .. اما النصوص الظنية الدلالة فإنها تقبل الاجتهاد و النظر غير أن الاجتهاد فيها مقصور على أهل الاختصاص المشهود لهم بسعة العلم و بالدين و الورع .
هكذا جاء بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الرد على دعاوى تغيير أحكام المواريث و أن كان أثلج صدور الكثيرين فقد أثار أسئلة لطالما جاشت في صدور غيرهم .
هل لم تنتهك حدود الله من قبل و تحتقر شريعته من دون رد يثلج الصدور منكم ؟ فكل ما مر علينا و نراه يومياً يتفق و صحيح الشرع اذا ؟
ومن قال أنكم – أو غيركم – المكلفون بحماية دين الله و بيان أحكامه ؟ الموقعين عن رب العالمين بتعبير ابن القيم ؟
ومن هؤلاء العلماء المختصون حصراً بالاجتهاد ومن شهد لهم بالأهلية و على اي أساس ؟
شخصياً أحترم الأزهر و علمائه و لا انكر قيمته و أثره و تاريخه الطويل .. لكن غيري لم يتورع عن وصف مشايخه بأنهم فقهاء السلطان رجال الدولة لا الدين .. وغيري أعلن صراحة أن مناهج الأزهر العقائدية بدعية مخالفة لصحيح الشرع و عقائد السلف .. وقد شهدت كشخص من العامة هبوط مصداقية فتاوى الازهر و رجاله فى الشارع فى قضايا خلافية عديدة منح الشارع ثقتة فيها لمخالفيه .
فلماذا يتحدث السادة أعضاء هيئة كبار العلماء بلغة من يمتلك سلطة الفصل بين الحلال و الحرام لكافة المسلمين فى كل مكان ؟ وهل توجد هذه السلطة أصلاً ؟
المسلمون السنه لا يعرفون العصمة لغير الانبياء فلا يمكن أن ينتجون فكرة مماثلة لولاية الفقية التى طورها الخميني الذى أسس لقيام جماعة من الفقهاء بأحتكار الفتوي فى الدولة وحيازة سلطة التحليل و التحريم بناء على تفويض ضمني لهم من الأمام الغائب حتى يعود فلا توجد “كنيسة أسلامية” تحتكر المعرفة الدينية .
اذا فتلك السطوة التى يحوزها الشيخ أو المؤسسة الدينية لا تنبع الا من أحترام الجماهير و ثقتهم وليس لها من مصدر أخر فقوة كلمة شيخ الأزهر او المفتى لا تستمد من تنصيب الدولة له فى هذا المنصب فليس للمنصب من قوة ذاتيه و إنما من ثقة الجماهير فى أمانته و حسن ديانته وهذا أمر نسبي متغير بطبيعته .
وفى المقابل نجد جناح من المتمسكين بفرديتهم يجاهرون برفض أعتبار قول اى شيخ او هيئة معتبرين أقوالهم محاولة للوصاية الدينية تناقض طبيعة الأيمان السني الذي لا يعرف الكهنوت ومتمسكين بالطبيعة الشخصية للدين كسبيل الإنسان للخلاص الدنيوي و الاخروي فلا مجال فيه لأعتبارات مجتمعية او سياسية وأنما يتبع الأنسان الصادق قلبه وما يمليه عليه ضميره فقط وليس أقول أشخاص لن يقفوا محله يوم الحساب .
وهذه ( أن لم نفترض سوء النية ) حجة قوية فلا معنى للأيمان أن لم يكن خياراً شخصياً حراً لا موروث ولا مفروض .
ولكن مفهوم الدين أوسع من هذا و يحتوى ما هو أكبر .
فإن كان لكل فرد حق اعتناق ما يريد بحرية تامه فليس لأحد من الناس سلطان على ما في القلوب الا ان توافق مجموعة من الناس على حزمة عقائد و مناهج وتفسيرات و اراء فقهية يحولهم لجماعة متمايزة عن غيرها بدينها الذي يمتزج بتاريخها و أعرافها فى تكوين هويتها الخاصة .. ويكون لتلك الجماعة الحق فى الدفاع عن دينهم و التمسك بعقيدتها بإزاء اى محاولة للتدخل بها سواء من الافراد او المؤسسات و ذلك الحق يستند مثله مثل حق أحاد الأفراد الى الحرية العقائدية الا أن مفهوم الدين في الجماعة يختلف عنه بالنسبة للفرد جذرياً .
فإن كان للفرد أن يعتقد ما يشاء و يغير من معتقداته بلا قاعدة ولا منهج الا أن هذا لا يمكن تصوره فى شكل جمعي .. فالجماعة الدينية لابد لها من سلطة دينية أو منهج تحكم من خلاله على الأشياء و تقيم المواقف .. وفى حالة أهل السنه حيث تغيب السلطة الدينية و تتسع مساحة الأجتهاد و تتعدد الأراء مثلت المذهبية سياج حال دون فوضي الفتاوى و شذوذ الاراء طويلاً حيث كل مصر يتخذ مذهباً ينتشر فيه و يقضى بأحكامه و يدرس فى مساجدة و لكن مع الحداثة و ظهور التعليم المدني و صعود التوجهات الفردانية ضعف هذا السياج مقابل صعود ما يسمى بفقة الدليل المتمسك بظاهر النصوص الشرعية و التيار العقلاني المهتم بتحقيق المصالح المادية و تحديث المجتمع وتنويره بزعمهم .
وفي النهاية نعود للسؤال .. من يوقع عن الله ؟
الخلاصة أنه لا يوجد من يوقع عن الله سوى انبيائه المصطفين الأخيار و أن كنا جميعاً نعتقد اننا على الحق المبين و أن اعتقادنا هو الصواب الذي لا شية فيه و علينا أن نتمسك بحقنا في حرية الأعتقاد و الضمير فلا يجب أن ننسي أن من يخالفنا لديه نفس الحقوق و أن كونه على خطأ و باطل لا يجحده حقه .
وتمسكنا بحقنا في الأيمان يجعلنا لا نسمح بمحاولات ” تأميم الدين ” من قبل الدولة أو غيرها من المؤسسات و الهيئات وتحويلة لمادة سلطوية .. فنحن من نمنح من ” يخدمون الدين ” أحترامنا و تقديرنا و نثق فيهم بقدر ما يقدمون من عمل لخدمة هذا الدين الذي يجمعنا لا يقسمنا لقادة وأتباع .
وكيف نعرف الصواب ديانة ؟
هناك جانب علمي فى الدين بلا جدال ولكن القواعد و المناهج مهما كانت محكمة لا تقدم ضمانة للوصول لليقين فى كل مسألة فهذا لا ينال الا بوحي .. ولكن المجتمع المنفتح الحر الذي لا يقمع رأياً و لا يرهب صاحب فكر يشيع فيه النقاش بالحجة و البرهان بحسن نيه للوصول لأصوب الأراء و أصح الأقوال أقرب للرشد من غيره … فالحق كالشمس لا يحجبه الا أغلاق العيون و ظلمات السجون .
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )
أحمد فتحى سليمان
https://www.facebook.com/ahmed.fathie.7