هل تعلم أن الفقر يمكنه أن يغير مخك ويجعلك أقل ذكاء؟
كشفت دراسة علمية حديثة، عن أن وقوع الناس في براثن الفقر يجعلهم أقل ذكاءً، ويتسبب في إصابتهم بالشيخوخة المبكرة والتقدم السريع في العمر.
ووجد الباحثون أن المعيشة على حدود خط الفقر لمدة 20 عامًا، كان لها «ارتباط وثيق بضعف وتدهور وظيفة الإدراك في المخ البشري»، بالإضافة إلى الشيخوخة المبكرة.
واقترح الباحثون أن تشمل الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة، كلًا من الضغوط التي يتعرض لها الإنسان، نتيجة قلة المال لديه، وعدم وجود السكن الملائم، وعدم وجود النظافة العامة الملائمة، وأسلوب الحياة غير الصحي، وهذا الأخير يتضمن اتباع نظام غذائي فقير، والتدخين وشرب الكحوليات، وممارسة أقل القليل من الرياضة والتمارين.
لا يهم مستوى التعليم
نشرت هذه الدراسة في المجلة الأمريكية للطب الوقائي، حيث ذكر خلالها الباحثون، الذين كان يقودهم البروفيسور أدينا زكي الحضوري من جامعة ميامي الأمريكية، أنهم وجدوا هذا الاتجاه وهذه الظاهرة قائمة حتى بين الناس الذين تلقوا تعليمًا عاليًا وسقطوا بعدها في أوقات صعبة من الفقر.
وناقش الباحثون خلال هذه الدراسة فكرة أنه من غير المحتمل أن الأشخاص الذين يصبحون أقل ذكاءً لأسباب أخرى، يمكن أن يقعوا بالتالي في براثن الفقر، هذا أمر يرون أنه مستبعد ولا علاقة بين الأمرين في هذه الحالة. فالفقر يولد قلة الذكاء لكن العكس ليس ضروريًا أن يكون صحيح.
ودرس الباحثون معلومات تتعلق بـ3400 من البالغين الذين شاركوا في دراسة عن أمراض القلب. وكان هؤلاء جميعًا بين سني 18-30 عامًا، وذلك عندما بدأت هذه الدراسة المثيرة في عام 1985. وكجزء من تلك الدراسة، جرى تسجيل تفاصيل عن الدخل المالي الخاص بكل منهم، كما جرى إعطاؤهم اختبارات تهدف إلى تحديد وقياس ما يعرف باسم «الشيخوخة المعرفية».
ما وجده الباحثون في هذه الدراسة هو أن الناس الذين يعيشون باستمرار في فقر يتميزون بأداء أسوأ بكثير من أولئك الذين لم يسبق لهم العيش في مستوى دخل منخفض، وذلك طبقًا لما بينته اختبارات الذاكرة اللفظية، واختبارات سرعة معالجة الدماغ، واختبارات الوظائف التنفيذية.
وذكرت الدراسة أيضًا أن «الحجم الكلي للروابط يشير إلى أن المحن الاقتصادية التي يمر بها الشخص في مرحلة الشباب هي محددات هامة للصحة المعرفية في مرحلة منتصف العمر»، حسب المجلة. وأضافت «من منظور الآلية، قد تكون المصاعب الاقتصادية مساهمًا هامًا في العجز المعرفي الإكلينيكي والشيخوخة المبكرة بين الأفراد المحرومين اقتصاديًا».
علاوة على ذلك، فإنه في التحليلات الخاصة بالمشاركين في الدراسة الذين يتميزون بمستوى عالٍ من التعليم، فإن الروابط الكبيرة بين الحرمان الاقتصادي وبين الشيخوخة المعرفية ظلت ملحوظة، مما يشير إلى أدلة بسيطة تقول بأن السببية العكسية يمكن أن تفسر هذه النتائج.
الفقر قد يجعل الناس أقل ذكاءً
أربعة مسارات محتملة
ووضع القائمون على هذه الدراسة أربعة مسارات مختلفة لكنها ممكنة لتفسير الطريقة التي يمكن للفقر أن يؤثر بها على مخ الإنسان.
المسار الأول هو المتعلق والمرتبط بالتعرض لظروف الدخل المنخفض بالإضافة لظروف اجتماعية واقتصادية مصاحبة ترتبط بالسلوكيات غير الصحية، مثل تعاطي الكحول، والتدخين، ونقص النشاط البدني. هذه السلوكيات هي بمثابة «عوامل الخطر بدورها التي يمكن أن تسبب مشاكل صغيرة في المخ وسوء الإدراك»، حسب المجلة.
ويوضح المسار الثاني، أن التعرض للدخل المنخفض قد يؤثر على التحصيل العلمي، وهو ما يشكل في نهاية المطاف العديد من عوامل الخطر تجاه وظيفة الإدراك، بما في ذلك بيئة المعيشة (السكن غير المناسب أو غير الملائم بجانب عدم وجود أساسيات النظافة العامة مثل الصرف الصحي)، والسلوكيات الصحية، والوصول إلى الموارد.
ويشير المسار الثالث إلى أن الضغط الواقع على الإنسان جراء التعرض للدخل الاقتصادي المنخفض يترافق مع خلل في محور «قشرة الغدة الكظرية والمهاد»، هذا المحور يمثل غدة معينة داخل المخ تتحكم في الغدة الكظرية (قشرة الغدة الكظرية على وجه الدقة)، والذي بدوره هو الطريق المؤدي إلى زيادة سوء عوامل الخطر تجاه وظيفة الإدراك.
وبدوره يوضح المسار الرابع أن عدم المساواة في الدخل قد يشير إلى نقص في الاستثمارات العامة والبنية التحتية والصحة، والتي تؤثر على الصحة من خلال الآليات التي يسببها الإجهاد وانخفاض الموارد الاجتماعية والمادية.
خريطة توضح نسب السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر من إجمالي نسبة السكان في كل دولة
الشيخوخة المعرفية
عند تقوم بإعداد كوب من الشاي، أو تستخدم الإنترنت أو تقرأ كتابًا، فأنت في هذه الحالات كنت تستخدم قدراتك المعرفية. هذه القدرات المعرفية هي المهارات العقلية التي تحتاج إليها لتنفيذ أي مهمة من أبسط المهام إلى أكثرها تعقيدًا. وتشمل هذه المهارات العقلية الوعي ومعالجة المعلومات والذاكرة والتفكير.
وكلما تقدمنا في السن، تتدهور لدينا هذه القدرات المعرفية تدريجيًا. هناك كمية معينة من هذا التدهور المعرفي هو جزء طبيعي من الشيخوخة. لكن بعض الناس يشهد تدهورًا شديدًا في المهارات المعرفية، مما يؤدي إلى «الخرف». هذه الحالة من تدهور المعرفة يمكن أن تجعل من المستحيل على الشخص التعامل مع المهام اليومية العادية والبسيطة التي كان معتاد القيام بها.
من المهم هنا أن نعرف أنه نتيجة لما سبق، فإننا جميعًا جزء من عملية الشيخوخة المعرفية التي تحدث لنا كلما تقدمنا في السن. ونستنتج أيضًا أن هذه الظاهرة تكون شائعة جدًا في المجتمعات التي تتميز بطول أعمار سكانها، لذلك نلاحظ انتشار ظاهرة الخرف في المجتمعات الأوروبية المتقدمة على المستوى الصحي.
الناس تختلف كثيرًا في الدرجة التي ينخفض بها أداء أدمغتهم، وبقية أجسادهم، مع التقدم في السن. وقد اعتبر العلماء أن «الشيخوخة المعرفية العادية بمثابة المعدل الخام والقياسي». لكن هذا الأمر يخفي حقيقة أن هناك مسارات أكثر أو أقل نجاحًا تتسبب في هذا التغيير المعرفي كلما تقدم الشخص في السن للأمام. ويعد تحديد عوامل الخطر وآليات والفروق الفردية في التدهور المعرفي المرتبط بالعمر من بين أكبر التحديات التي يقابلها العلماء والباحثون لتحسين صحة كبار السن.