من هي ليلى التي تغنّى بها الشعراء ؟
اشتهرت “ليلى” بقصائد قيس بن الملوح، تلك القصائد التي بلغت مبلغا من الجمال أثر تأثيرا كبيرا على الأدب العربي، بما في ذلك الأدب الفارسي والتركي.. ورغم أن قيسا آخرَ تولّه بحب “لبنى” إلا أن “ليلى” طغت في سماء أدب الحب والعشق، واستمر طغيانها حتى اجتاحت الموسيقى بكلمات الأغاني. لربما يمكن أن يسلط لنا معنى الإسم قليلا من الضوء، فكلا العاشقين القيسين ـ قيس بن ذريح وقيس بن الملوح ـ كانا مجنونا بمعشوقته، لكن “ليلى” هي من تصدرت القمة وتربعت على عرش المعشوقات بتاريخ الأدب العربي، ومن بين الملهمات في التاريخ الأدبي الإنساني.
يختلف اسم ليلى بمعناه الذي يرتبط بالليل، والسهاد، والسهر ـ وبالليل تشتد نار الحب، ويشتاق المحب لحبيبه ـ ويشير إسم ليلى كذلك لنشوة الخمر، والسُّكر، وغالبا ما يرتبط الخمر بالليل والسهر. من هنا يحوي الإسم دلالات السهر ونشوة التفكير بالحب والمحبوب، والصراع الداخلي بين الرغبة به والرغبه في نسيانه والنوم. بذلك تصبح ليلى : الجميلة التي تسحر الناظر حباً، حتى يهيم بعشقها ليلاً دون أن يقربه النوم من شدة الوجد. فوجد الشعراء العرب، في اسم “ليلى” إلهاما للتغني بالمعشوقة، لذلك ملأت قصائدهم، فقد يكون اسم الحبيبة “إيمان، أو شيماء، أو سارة أو سوسن..” لكن في الشعر هي “ليلى”، في الغزل هي “ليلى”، في الحب هي “ليلى”، وكلٌ يغني على ليلاه.
أما “لبنى” والتي قد تعني اللبن الحلو المذاق، أو ترتبط أكثر بالغزالة الصغيرة، ف”لبنى” ك: “كهيفاء أشهى من العسل”، لم تختزل بحلاوتها دلالات العشق ك”ليلى”. إن ليلى اكتسحت حتى مجال الصوفية، حيث صارت تمثيلا للذات الكلية، لم تعد ليلى هنا حبيبة ملموسة أو متخيَّلة، إنما حالة من العشق مع الكون، يعيش الصوفي حالة وَلَهٍ في ليلته يتأمل في مولاه الذي يسكنه، فيتغنى ب”ليلاه” التي تغمره !
إن “ليلى” رمز في تاريخ وثقافة الأدب العربي، كل من تفتنك هي “ليلى” ، وليست “ليلى” تلك التي أحبّها قيس ـ الذي يختلف الناس في وجوده ! أعاشق حقيقي هو ك”دانتي”، أم تراث شعرٍ عربي، تراث ألّه المرأة، ورفعها رِفعة السماء كأغلى الرغبات. ذلك كان الجانب الجميل في حضارة العرب، رغم المنحى التراجيدي الذي كان يأخذه الحب في المتخيّل. لكنه حب جعل المرأة جميلة بكل المقاييس، جعلها ليلى : “وإنني لفي وصل ليلى ماحُييت لطامع” كما يتغنى بذلك قيس :
“وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ نَغَّصتِ عيشَتي، وَإِن شِئتِ بَعدَ اللَهِ أَنعَمتِ بالِيا..
وَإِنّي إِذا صَلَّيتُ وَجَّهتُ نَحوَها، بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها، كَعودِ الشَجى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمُها، وَشابَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا..” .