ماذا قال “تولستوي” عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
إن شخصية الرسول محمد صلى الله عليم وسلم واحدة من الشخصيات الملهمة والفاعلة في تاريخ الإنسانية, ومثلما تأثر وانفعل الذين آمنوا برسالته كذلك تأثر الذين لم يؤمنوا به بل والذين ناوؤه كالوليد بن المغيرة المخزومي مثقف العرب وحكيمهم الذي عاش ومات على الكفر: قال إن لقوله لحلاوة وان عليه لطلاوة وأن أعلاه لمثمر وأسفله لمغدق وأنه يعلو ولا يعلى عليه، وأمية بن أبي الصلت الثقفي هذا المثقف الكبير والشاعر الذي اطلع على تاريخ الأديان والأمم وقف مبهورا أمام عظمة الرسول حين التقاه في مكة, حيث راح النبي ينظر اليه ويقرأ عليه سورة (يس) فقيل له ما تقول في محمد؟ قال إنه نبي وعظيم ولكن قلبي لا يطاوعني فيه. ومثلما كان النبي ملهما لمعاصريه كان ملهما ومعلما لمن اطلع على سيرته ونهجه من المسلمين وغير المسلمين.
كثيرون أولئك الذين وقفوا مبهورين أمام عظمة هذه الشخصية العملاقة منذ أن أشرق نوره حتى يومنا هذا إلا أن مع الأسف أن من يحاول تشويه صورة النبي الناصعة أولئك المحسوبون على الإسلام المدفوعين من الحاقدين عليه.
إن المرء ليعجب حينما يسمع ويرى التهجم على نبي الإنسانية من ثلة من الغربيين جاهلة بالقيم وجاهلة بالمعرفة ومظللة من قبل الحاقدين ولكن الحق ينطق على لسان المنصفين والمثقفين منهم وفي الوقت ذاته فإن قول هؤلاء المثقفين هو الدليل الذي يلجم الأفواه والأقلام التي تصف الرسول الكريم بأنه نبي الحرب والدم.
ليس كل الغربيين كما يعتقد البعض من المتعصبين ضد الإسلام ورسول الإنسانية بل إن كثيراً من مثقفيهم وكتابهم الكبار الذين نظروا بعين الانصاف عرفوا قدر الإسلام وأشادوا بصفات الرسول الأكرم ودافعوا عنه بنزاهة وموضوعية واعترفوا أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالرسالة العظمية لقيادة البشرية نحو الخير والحق.
ورغم الحملة الشرسة ضد الإسلام ورسوله فإن عالماً كبيراً مثل العالم النفساني والاجتماعي الفرنسي المعروف جوستاف لوبون صاحب كتاب حضارة العرب يؤكد: أن محمداً رغم ما يشاع عنه من قبل خصومه ومخالفيه في أوروبا إلا أن الحقيقة التي لا مراء فيها أنه أظهر الحلم العظيم والرحابة الفسيحة، ويقول الأديب الفرنسي ألفونس لامارتين: إن محمدا أقل من الإله وأعظم من الإنسان العادي أي أنه نبي.
وكان الأديب الأيرلندي برنارد شو هو الآخر منفعلا بشخصية النبي محمد إذ قال: إن من الأنصاف أن يدعى محمد منقذ الإنسانية وأعتقد أن رجلاً مثله لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته وأحل فيه السعادة والسلام، ولعل قول الكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه (العظماء مائة وأعظمهم محمد) قول في غاية الانصاف والدقة إذ يقول حين سئل عن اختياره للنبي قال لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي، وهو دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً وبعد (13) قرناً من وفاته فإن أثر محمد مازال قوياً ومتجدداً.
أما عملاق الأدب الروسي والمصلح الاجتماعي والمفكر الأخلاقي ( ليو تولستوي) والذي يعده البعض أعظم الروائيين على الإطلاق بفضل أعمال عظيمة خطها يراعه مثل “الحرب والسلام” و”آنا كارنينا”، فله كذلك كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم موسوم تحت عنوان (حِكَم النبي محمد) وقبل أن أعرض الكتاب وددت أن أنقل مقدمة مترجم الكتاب إذ يقول فيها: “بعد اطلاعي على رسالة الأديب الروسي ليو تولستوي عن الإسلام وعن النبي محمد, هالني ما جاء فيها من الحقائق الباهرة فدفعتني الغيرة على الحق الى ترجمتها الى العربية”، علما أن مترجم الكتاب (سليم قبعين) هو مسيحي لبناني.
يصف ليو تولستوي النبي محمد في كتابه (حِكَم النبي محمد) قائلا ًهو مؤسس دين ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان ( الكلام عام 1912م) قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله .
ثم في فصل آخر من كتابه وتحت عنوان (من كان محمد): يقول من أراد أن يتحقق مما عليه الدين الإسلامي من التسامح فليس له سوى أن يطالع القرآن الكريم بإمعان وتدبر فقد جاء في آياته ما يدل على روح الدين الإسلامي السامية منها”، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
ويقول: “لقد تحمل في سنوات دعوته الأولى كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة الوثنية القديمة وغيرها شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق ولكن هذه المحن لم تثن عزمه بل ثابر على دعوة أمته مع أن محمداً لم يقل إنه نبي الله الوحيد بل آمن أيضاً بنبوة موسى والمسيح ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً وقال إن اليهود والنصارى لا ينبغي أن يكرهوا على ترك دينهم بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبيائهم.
ويقول تولستوي أيضاً: ومما لا ريب فيه أن النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتي من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال.
كما اختار تولستوي مجموعة من أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) بلغت 64 حديثا ً وضمنها كتابه ومنها:
•لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
•ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
•إن الله عزوجل يحب ان يرى عبده ساعيا ً في طلب الحلال.
في نهاية هذا العرض أقول إن أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه من الكتب النادرة الذي طبع قبل 90 عاما ً وهو كتاب غير معروف لدى الكثير من قرّاء العربية وهو في الوقت نفسه ينصف الإسلام ونبيه الكريم ويدعوا الأخرين إلى إنصافه، والكتاب في النتيجة النهائية هو وثيقة تاريخية لصالح الإسلام والمسلمين.
المصدر: العربية نت