مقالات فكرية
هل تموت الأفكار؟ .. دعونا نفكر معاً في الأمر
هل تموت الأفكار؟ .. دعونا نفكر معاً في الأمر – د. محمد عجلان
عادة ظاهر الأمور يخدعنا ويورطنا في إصدار أحكام متعجلة، تماماً مثل الإنسان البدائي الذي لما يرى في ظواهر الطبيعة سوى قوى خارقة تحاول أن تتخلص منه، فما كان منه سوى أن يسترضي تلك القوى بكافة السبل. فالفارق ما بين بدائية التفكير وعمقه، هو التناول الهادئ للأمور، وعدم التعجل في إصدار الأحكام، ومحاولة طرح القضية المبحوثة على كافة أوجهها، حتى نصل لحكم، لن أقول نهائيا، ولكن أقرب للصواب، مع وضع احتمالية التغير بعد فترة، مما يستوجب ألا نتوقف عن التفكير، وعدم الركون لأحكام توصلنا إليها في فترة سابقة، لأن الأحداث دائما متغيرة، وبالتالي فإنها تحتاج لإعادة نظر من حين لآخر.
من بين الأمور التي يتعجل الكثيرون في إصدار الأحكام عليها، قضية موت فكرة أو مذهب أو أيديولوجية، بحيث يعلن انتهاء هذه الفكرة، أو عدم قدرتها على العيش بعد الآن، لكن لو أمعنا النظر في واقعنا، سنجد أن ثمة أفكارا ظننا أنها ماتت وانتهت مع الزمن عادت للظهور، بل يمكن القول إن بعض أكثر الأفكار بدائية وهمجية يمكنها أن تعيد نفسها للوجود طالما توافرت ظروف عودتها، ومنها على سبيل المثال أفكار داعش التي ما هي سوى إحياء لأفكار الخوارج على مدار التاريخ، فعلى الرغم من كون الخوارج فرقة تجاوزها الزمن، إلا أن أفكارها حين وجدت البيئة المناسبة عادت للظهور.
والنموذج الأكثر وضوحا ومعاصرة، هو نموذج الشيوعية، فمع سقوط الاتحاد السوفيتي أعلن “فرانسيس فوكوياما” في كتابه “نهاية التاريخ”، أن الشيوعية قد سقطت إلى الأبد، وأن الديمقراطية الليبرالية قد انتصرت إلى الأبد أيضا، معلنا بذلك نهاية الصراع الأيديولوجي، على اعتبار أن الخصيم الأكبر قد سقط. لكن هذا الطرح الذي أعلنه فوكوياما في كتابه، واستمات في الدفاع عنه، لا يمكنه أن يصمد أمام الواقع، بدليل أن الأحزاب الشيوعية، مازالت موجودة في العالم، ولا يعني سقوط الاتحاد السوفيتي الممثل الأكبر للشيوعية، أن الشيوعية قد سقطت كأيديولوجية.
ويمكن القول إن الشيوعية قد ساهمت على مدار تاريخها في تصويب مسار الرأسمالية ذاتها، فلنا أن نتخيل الرأسمالية دون وجود الشيوعية، أي دون وجود منافس يعرض نفسه كبديل قوي، لديه رؤية متكاملة للعالم والمجتمع وعلاقات الأفراد والقوى، ويكشف بشكل مستمر معايب الرأسمالية، وهذه التعرية التي ما فتئت الشيوعية تقوم بها، هي التي دفعت الرأسمالية على مدار تاريخها إلى تصويب هذه العيوب كي تستمر في البقاء على ساحة الأفكار، ولو لم توجد الشيوعية، ربما ما كانت الرأسمالية ستصوب نفسها، مما سيحمل البشرية أكثر مما تتحمل، أو يؤدي إلى سقوط الرأسمالية ذاتها.
ولذلك نقول إن الأفكار لا تموت، بل هي موجودة بالقوة *، ويمكنها دائما أن تتحول من القوة إلى الفعل إذا وجدت الظروف الملائمة لذلك. وإن كان لهذا دلالة، فإنها في الأساس دلالة تؤكد على ضرورة التعايش بين الأفكار، وعدم محاولة أيديولوجية أن تنسف غيرها من الوجود؛ لأن هذا غير ممكن، فتوحش الرأسمالية، يؤدي إلى مزيد من معاناة البشر، وبالتالي يؤدي إلى طرح سؤال مركزي: “ما البديل”، ومن هنا تُطرح البدائل الأكثر إنسانية والأكثر ملائمة لحاجات البشر. سواء انتصرت الرأسمالية في صراعها، أو انتصرت الشيوعية، أو انتصر غيرهم من الأيديولوجيات، لكن لا يوجد نصر نهائي ولا مستمر في معارك الأفكار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ