كيف أعادني ابني من الإلحاد إلى الإيمان؟ – أدهم العبودي
كنتُ كلّما استحكم عليّ أمرٌ نازعت الله، رفعت وجهي للسّماء في سخطٍ، وهاتفته أن كفى، لماذا يضيق عليّ خِناق الحياة بمثل هذا الشّكل؟
بالطّبع يعلم بعضُكم أنّي كنتُ أكثر النّاس سبًّا للدّين، بداعٍ أو بدون داع، وكنت لا آبه، أو لا يمثّل الأمر بالنسبة لي جرمًا لدرجة إغضاب السّماء، ويعلم بعضُكم أنّي لا أصلّي -ولا حتّى الجمعة- منذ سنواتٍ طويلة، رغم مرور حياتي بتقلّبات استدعت منّي التزام جانبٍ يميني أشدّ تطرّفًا من يمينية الجماعات التكفيرية.
يعني -مثلًا- في يومٍ مزّقنا أنا وأشرف الخمايسي علبَ سجائرنا وقرّرنا أنّنا لن ندخّن، علينا أن نلتزم، وعبر هذه الفترة كنّا نلتقي على قارعةِ بيتِه لنصلّي الفجر حاضرًا في المسجد، وقال لي الخمايسي أنّنا إن صلّينا الفجر لأربعين يومًا متتالية لن ننقطع عن صلاتِه، ويحدث -في كلّ مرّة- أنّ أمرًا يحول دون الصلاة، تحديدًا قبل الأربعين بيومٍ أو اثنين، فنعيد الكرّة، حتّى انقطعتُ تمامًا عن الصلاة، كان هذا منذ ستّة أو سبعة أعوام تقريبًا.
طيّب، بعدها استغرقني اللّهو، أزعم أنّي عاقرت الخمر لسنواتٍ، وعرفت من النّساء من عرفت، واستفحل جنوني، أو قُل مجوني، لدرجة أنّي لم أكن أجد حرجًا في الخوض في حواراتٍ بها تطاول على القرآن والنّبي والله بلا غضاضة، وما أكثر هذه الحوارات في أوساط المثقّفين، وبدأ اعتقادي في الدّين والله وغير هذه من الأمور يتزعزع حدّ الإلحاد الحقيقي العميق، وبدأت الثوابت القديمة تتبدّد وتصبح من توافه الأمور، وهكذا؛ أصبحتُ -في نظر الكثيرين- ملحدًا أسرف في إلحادِه.
حتّى جاء اليوم الذي أيقظني فيه ابني محمود لنصلّي الفجر، كانت أمّه قد علّمته -وهو ابن ثمانية أعوامٍ- الصلاة، وخفت أن أحرجه، فنهضت لأصلّي معه، ولم أر فرحة مماثلة في عينيّ ابني من ذي قبل، رأيتني قدوة حقيقية ورمزًا للتباهي داخل عينيه، هززت كتفيّ، وكبّرت.
ثم لم أعد أعرف ماذا يحدث؟! هل الصّلاة -في حدّ ذاتها- تفرّج كروبًا؟ هل ما يزعمون عن فوائدها حقيقي ويُمكن أن نلمسه؟
بدا الأمر في بدايته مثيرًا، بمعنى أنّها تجربة، ثمّ بدأت أمورٌ كثيرة تنفرج من تلقاء نفسها، وبدأت -أنا نفسي- أرى الحياة بشكلٍ مختلف، أرى العلاقات والأصدقاء والأحبّة والله والقرآن ومحمّد والصّحابة وجدوى الحياة نفسها بشكلٍ آخر موازٍ ولا يتضاد مع أشكالٍ بعينها، فمثلًا؛ قال لي شيخٌ أثق فيه: افعل ما يحلو لك، ولكن واظب على الصّلاة، الصّلاة تشطّف الرّوح، ولن تخسر شيئًا في النّهاية.
إذًا يُمكن أن تستدرجني الطّريق رويدًا، فتنعطف بي نحو زوايا للرؤية لم أكن قد انتبهت لها.
أجل، أنا الآن أصلّي، ولا يعني هذا -على الإطلاق- أنّي لن أجلس في مجالس الأنس نحتسي نبيذًا، بل لا يعني أنّي سأطلق لحيتي أو أقصّر جلبابي أو أمرًا من هذا القبيل، إذ كلّ ما يعنيه لجوئي للصّلاة -من جديد- أنّه يبدو وكأنّما آمنت بالله إيمانًا ناضجًا مختلفًا.
حسبي أنّ ابني محمود أيقظ فيّ روحًا وهّاجة، عليّ -قدر ما أمكنني- ألّا أفقدها ثانية.