هل يمكن أن يستغني الإنسان عن الدين ؟! – بقلم: خيال بعيد
لو أنك تصورت مفهوم كلمة (دين ) لعلمت انه لا يمكن لكائن بشري ان يستغنى عنه, وذلك لأنه لا معنى لكلمة دين الا ثلاثة امور وهي أولا – تصور جملي كلي شامل عن العالم بأسره – اما ثانيا فغاية نهائية من حياتك اي هدف تضعه غاية نهائية – واما ثالثا فهو كيف تصل الى هذه الغاية او الهدف النهائي – فهذا هو معنى الدين – فهل يمكنك ان تستغني عن تصور شامل عن الوجود كله فتكون في هذا العالم مثل الغريب الذي دخل بيت لا يعرفه – او هل يمكن ان تستغني عن هدف نهائي من حياتك او غاية تطلبها لذاتها , فتعيش في العالم بلا هدف او غاية نهائية مثل البهائم – او هل يمكن ان تستغني عن العلم بكيفية الوصول لهذه الغاية ودرك الخير النهائي الذي تحيا من اجله. فكل انسان بهذا الاعتبار وهذا المفهوم لابد ان يكون له دين اي لابد ان يكون له تصور شامل عن العالم ولابد ان يكون له غاية نهائية من الحياة ولابد ان يعلم كيفية درك هذه الغاية النهائية , ايا كان هذا التصور , وايا كانت هذه الغاية, وأيا كانت هذه الكيفية .
فربما يوجد انسان يعتقد انه لا وجود الا للاجسام والمادة فقط ولا وجود لشئ غيرها, وأن الموت عدم محض ولا لذة ولا ألم بعد الموت , ويضع لنفسه غاية في الحياة هي اللذة الحسية او المال او الشهرة او المدح والثناء او السلطة والغلبة . وربما يوجد انسان اّخر يصدق ان الموت ليس عدم محض بل هو عتبة لحياة اخرى فيها لذة وألم , وأن هذه اللذة يعبر عنها بلفظة (جنة ) وان هذا الألم يعبر عنه بلفظة (نار ) وأن درك الجنة وتجنب النار يتوقفا على معتقداتك واخلاقك وافعالك الدنيوية, وبالتالي يجب معرفة المعتقدات والاخلاق والافعال التي تؤدي الى درك الجنة , والمعتقدات والاخلاق والافعال التي تؤدي الى النار, حتى يطلب هذه ويتجنب تلك . فكل هؤلاء لهم دين رغم انهم مختلفين في تصوراتهم عن جملة العالم وعن الغاية النهائية , وعن كيفية الوصول للغاية النهائية, وذلك لأن الدين لا معنى له الا فقط ان يكون لك تصور شامل عن العالم وان يكون لك غاية نهائية في الحياة وان يكون لك علم بكيفية الوصول للغاية , دون اعتبار اي تصور شامل هو, واي غاية نهائية هي , واي كيفية وصول للغاية هي , وهذا معناه انه لا يوجد انسان بلا دين .
حالة خاصة
الوحيد الذي يتصور الا يكون له دين هو (اللأدري ) و (اللامبالي ) , اما اللأدري فهو الذي يقول ( لا ادري هل هناك خالق للعالم ام لا , ولا أدري هل الموجود هو الاجسام فقط ام هناك موجودات اخرى غير مادية , ولا ادري خير نهائي يستحق الطلب وبالتالي لا اعلم كيف اصل اليه لأن علم الوصول للغاية لا يكون الا بعد وضع الغاية . وأما اللامبالي فهو الذي يقول (لا ابالي ان يكون لي تصور شامل عن العالم ولا ابالي بخير او شر نهائي ) فهذين يتصور ان يكونا بلا دين , فأما اللأدري فيجب عليه ان يبحث حتى يدري , فلا أهم في الحياة من هذا الطلب , وليضع معرفة الحقيقة في هذه الامور غاية له في الحياة الى ان يدري , وأما اللامبالي فهو شخص احمق وكأنه لا يتصور وجوده لأنك ان لم تبالي بالخير والشر النهائي من الحياة وان لم تبالي باللذة والألم الابديين فما الذي يستحق ان تبالي به ؟ !!
وأخيرا
عليك بطلب اليقين في هذه الامور والبحث المستمر بلا ملل ولا كلل, فلا أهم منها للانسان العاقل ,ولكن لا تنخدع بلامع السراب ولا تخدعنك النفس وتجعلك ترسو بسفينة عقلك في اقرب ميناء لمجرد ان به شهواتها واهوائها , فلا اضر على الانسان من خدع النفس في هذا الطريق وفي كل طريق , ولا تعتقد في شئ لأنه مريح لك , بل اطلب الحق وان كان مراً في المذاق , فإن مرارة تزول خير من عذاب يدوم ,