مشاركات الأعضاء

توقع الثورة عند التجريبي والنظري – بقلم: خيال بعيد

يشتد امل الكثيرين في حدوث ثورة شعبية في مصر كلما استجد حادث يشبه تلك الحوادث التي ساعدت على قيام ثورة ٢٥ يناير ، مثل موت شاب بسبب تعذيب الشرطة أو قيام ثورة شعبية في بلد مجاورة أو حوادث النقل والمواصلات أو إهانة المصريين بالخارج . والسؤال هنا هو لماذا يشتد أملهم وتزيد قوة توقعهم في حدوث ثورة كلما شاهدوا هذه الأحداث الشبيهة ؟؟ …. اقول .. لا شك أن ذلك قائم على علاقة العلة والمعلول أو السبب والمسبب ، فهم يضعون في عقولهم أن هذه هي اسباب الثورة ، وأنه إذا حضر السبب فلابد وأن يحضر المسبب ، واذا حضرت العلة فلابد أن يحضر المعلول ، ولذلك فهم يشعرون بخيبة أمل كبيرة عندما يشاهدون حضور الأسباب ( وربما مجتمعة ) ولا يشاهدون حضور المسبب أو المعلول اي الثورة . فلماذا يخفق توقعهم دائما ؟؟ وكيف يمكن أن تحضر الأسباب بدون حدوث المسبب ؟ وكيف تحضر اسباب الثورة ولا تحدث الثورة؟

الإجابة

اقول .. مشكلة هؤلاء أنهم تجريبيون ، يظنون أن السبب هو ما شاهدوه في حالة سابقة ، ويتوهمون أن في ظروف مماثلة يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه ، ولا يدخلون في حساباتهم أن هناك أيضا ظروف مختلفة ، وان التشابه في أمر لا يعني التشابه في كل الامور . بل مشكلتهم الحقيقية أنهم لم يدركوا السبب الحقيقي للثورة ، وانما فقط أدركوا العوامل المساعدة فظنوا انها هي السبب ولا سبب غيرها . والسبب الحقيقي للثورة ليس هو موت شاب بتعذيب الشرطة أو حوادث النقل والمواصلات أو إهانة المصريين بالخارج ، بل السبب الحقيقي هو أن وعي المصريين في ذلك التوقيت وصل إلى مستويات عالية جدا من الغضب بفعل تراكمات تمت عبر سنوات طويلة ، وانما هذه الأسباب التي شاهدتموها هي مجرد عود كبريت اشعل النار في قلوب مستعدة للاشتعال ، فإن لم يكن هناك قلوب مستعدة للاشتعال فلا فائدة من عيدان الكبريت.

مثال

هؤلاء التجريبيون هم أشبه بأشخاص شاهدوا شخص يلقي بعيدان كبريت مشتعلة على صفيحة بها بنزين ، فاشتعلت الصفيحة وصارت كتلة من النيران ، ثم مر الزمان فشاهدوا شخص آخر يلقي بعيدان كبريت على نفس الصفيحة ولكن بها ماء هذه المرة وليس بنزين ، وعندما شاهدوا ذلك توقعوا أن تشتعل الصفيحة وتتحول إلى كتلة من النيران ، ولكن ذلك لا يحدث طبعا فيتعجبون ويقولون ( كيف لا تشتعل الصفيحة رغم إلقاء عيدان الكبريت عليها ؟؟ وكيف توجد أسباب الاشتعال ولا يحدث اشتعال ) … فهذا المثال يوضح لك سر خيباتهم المتوالية في التوقع ، لأنهم حسبوا أن العوامل المحفزة على الاشتعال هي سبب الاشتعال ، ولم يفكروا في أنه لا توجد مادة قابلة للاشتعال اصلا .

السبب الحقيقي للثورة

اذا اردت ان تعرف هل هناك ثورة ثالثة سوف تحدث في مصر ام لا ، فانظر للسبب الحقيقي للثورة وليس العوامل المحفزة على الثورة ، وذلك بأن تنظر لوعي المصريين ومشاعرهم وافكارهم الآن ، وتسأل نفسك هل هناك مشاعر غضب ؟؟ هل هناك انطباعات في وعيهم ولا وعيهم تجعلهم ينفرون من فكرة الثورة ؟؟ هل شاهدوا في السنوات السابقة اشياء تجعل مشاعرهم تجاه الثوار سلبية ؟؟ هل صارت حياتهم الاقتصادية والخدمية افضل بعد القيام بثورتين ؟؟ ….نعم اسأل كل هذه الأسئلة حتى تتعرف على وعي المصريين الآن ، وسوف تعرف وقتها هل قلوبهم بها بنزين ام ماء !! .. فإن اكتشفت أن بها ماء ، فلا تتوقع حدوث ثورة عندما تشاهد عوامل محفزة على الاشتعال !!

خلاصة

الفرق بين النظري والتجريبي هو أن النظري يعلم السبب الحقيقي وليس مجرد اشياء تتعاقب في ظروف ما.

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى