أزمة رجل – محمد عجلان (قصة قصيرة)
شهران مرّا على هذه الحالة، يصل الأستاذ سيد المكتب في موعده كالعادة، يجلس على كرسيه يؤدي مهامه كآلة، لا يتكلم مع أحد تقريبًا، فقط يرد إذا طُلب منه شيء، ثم يدخل في غيبوبته من جديد. منذ تلك الليلة المشؤومة تغيّر حاله، كأن قضيبه سقط منه، لم يعد وجوده ذا فائدة، صار مثل سيارة معطّلة، لم يخذله يومًا، وها هو الآن يغط في نوم أشبه بالموت. حاولت زوجته أن تهدئ من روعه، لكن عقله صار رخوًا كقضيبه، غير قادر على التحرك أو فهم حقيقة ما يحدث.
أول ما دار في ذهنه المرتخي أنه حُسد، فهو المعروف بين رفاقه بفحولته، فلابد أن أحدهم قتلته الغيرة فقذفه بنظرة قاتلة. ربما كان تفسيرًا مريحًا لذكورته، لكنه لا يحل المشكلة. أحسّ كأنه يسير عاريًا، لا همّ للمارة سوى النظر لقضيبه الذي فقد انتصابه، لا يرى في أعين الجميع سوى سؤال واحد: “ماذا حدث”؟ لا أحد يعرف شيئًا، ولو عرفوا لا أحد لديه الوقت لمعرفة ما حدث للأستاذ سيد، ولا يهمه إن كان فحلًا أو عنينًا. إلا أن البشر لا يعرفون هذه النقطة في الغالب، كلهم يرون أنفسهم مركز الكون، وكل العيون مصوبة نحو عيوبهم قبل مزاياهم. اقترحت عليه زوجته أن يذهب للشيخ نعمان، فهو بركة ولديه حلول لكل المشكلات، لكن الأستاذ سيد لا يريد أن يعلن الأمر لأحد، بل لو استطاع أن يخفيه عن زوجته لفعل، لكن ما باليد حيلة. أخذ يبحث عن حل، أرشده شيطانه أن يذهب للعطار، فربما يصلح ما أفسده الدهر، لكن عطّار المنطقة يعرفه جيدًا، فلا حل إذن سوى الذهاب إلى عطار في منطقة بعيدة عن بيته.
وصفة طويلة عريضة، كلّفته نصف راتبه الهزيل، عسى أن يكون الخلاص فيها، فما قيمة النقود إذا فقد الرجل قضيبه! هكذا حدّث الأستاذ سيد نفسه. دهانات ومشروبات لا حصر لها، ولكن لا جديد. يبدو أن العين التي أصابته كانت مُهْلكة. حدثته زوجته أن يذهب لعرّاف في منطقة نائية، ربما تكون إحدى النسوة قد “عملت له عملًا”، فكثيرًا ما كانت زوجته تحكي للنسوة عن فحولته، وكيف أنه كان يوقظها أحيانًا من نومها ليضاجعها مرتين في ليلة واحدة وهو منهك، ثم تترك لخيالهن أن يتخيلنه وقت راحته ماذا يفعل. مال عقله الضيق ونفسه المهزومة لتصديق هذا الزعم، للدرجة التي جعلته ينظر لزوجته معاتبًا، وكأنه أراد أن يلقي بالكرة في ملعبها هذه المرة، لقد صنعت لكِ معروفًا، وصنعت معكِ ما لا يصنعه عتاة الرجال مع زوجاتهم، وها أنتِ أفشيتِ السر، فعليكِ أن تتحملي النتيجة، أو على الأقل أنتِ شريكة فيما حدث.
لم تكن زوجته لتعترض على شيء، فهي ليست أفضل منه عقلًا، بل هي امرأة كغيرها من النسوة، احتلت الخرافات عقلها منذ الطفولة، ولم تحاول أن تقاوم إطلاقًا، فلا تعليم يحفزها على طرد خفافيش الرأس، ولا بيئة مساعدة على إعادة النظر في شيء. كان الأستاذ سيد يتميز بشارب كبير، عنوان الرجولة في نظره، أخبره شيخ المسجد ذات مرة أنه يشبه فتوة الحارة الذي مات منذ أكثر من نصف قرن. أعجبته الصورة حينها، بل بالغ في الاعتناء بشاربه عسى أن يمنحه بعضًا من الهيبة، وإن كانت تنقصه القوة وزمن الفتوات. منذ أن أصابته هذه الحالة أصبح يخجل من النظر لشاربه في المرآة، لم يعد له محلٌ من الإعراب، شارب بلا رجولة هو نوع من التشهير الذاتي.
بينما يتحرك على شاطئ النيل وحيدًا إلا من الهمّ، إذا بيد صديقه الأستاذ متولي تربت على كتفه، صديق العمر جاء في الوقت المناسب، إما الفضفضة أو الانتحار، لا بديل، جلسا على مسافة من الناس، سأله متولي ماذا بك، لا تجبني بالإجابة المعروفة، فلستَ بخير والجميع يلحظ حالتك، لم تعتد إخفاء شيء عني من قبل، ماذا حدث؟! قُذفت الكلمات من فم الأستاذ سيد كفيضان، استجمع كل قوته ليهدم سد الصمت الذي كاد أن يقتله، يحكي والدموع تتزاحم على عينيه، أحس بالراحة بعد أن ألقى بهذا الثقل عن كتفيه. استمع الأستاذ متولي جيدًا، علّمته الحياة الكثير، والقراءة أعانته أيضًا، أخبره أن الأمر ليس صعبًا، ربما الضغوطات اليومية، يمكنك الذهاب لطبيب.
أصيب الأستاذ سيد بخيبة أمل، بدل أن يرشده إلى حل ناجع يريد أن يفتضح أمره بالذهاب للطبيب، كيف يقف أمام زوجته بعد ذلك، كانت الخرافات تمنحه تبريرًا لمواجهتها حتى الآن، العمل والحسد وعيون النسوة، كلها تصب في صالحه، تخبره أنه بخير لولا عيون العوازل، لكن الطبيب يعني أنه مصاب بالعطب، لم يكن يتوقع يومًا أن المرض يمكن أن يهزم قضيبه، فقد راهن عليه كثيرًا، وها هو متولي صديق عمره ومكمن أسراره يعلنها كطلقة في أذنه.
انسحب في هدوء، أعاد الكرّة مع العطار من جديد، بل مرّ على كل عطاري القاهرة تقريبًا بحثًا عن حل، عاد للشيخ نعمان، وأمدته زوجته بأسماء لشيوخ آخرين، هذا يعالج بالقرآن، وذاك يعالج بحبة البركة، وثالث يطلب العديد من الأشياء الغريبة كي يواجه الشيطان الذي غار من قضيبه ودخل معه في معركة حامية الوطيس.
بعد أن أرهقته الحيل، فوجئ بزوجته تطلب منه أن يذهب لطبيب شهير في حي السيدة زينب، فقد سمعت من النسوة أنه لا تقف أمامه حالة. حينها فقط أحسّ بالهزيمة، ها هي زوجته أعلنتها صريحة، لقد أُصبت بالعطب، لم يعد أمر سحر أو حسد. لم يرد عليها، استيقظت في اليوم التالي فلم تجده بجوارها، ذهب إلى العمل، تاركًا شاربه في سلة المهملات!