مقاطع من (راعي القطيع) – فرناندو بيسوا
مقاطع من (راعي القطيع)
* فرناندو بيسوا (ألبرتو كايَيرو)
#ترجمة حيدر الكعبي *
16
ليت حياتي عربة تجرها الثيران
تأتي في مطلع الفجر تَصِرُّ بعجلاتها على الطريق
وتعود من حيث أتت قبل حلول الليل
سالكة الطريق ذاته
إذن لما كنت في حاجة إلى الأمل—كنت سأحتاج إلى عجلات فقط
وحين أشيخ لن تكون لدي تجاعيد ولا شعر أبيض
وعندما لا أعود صالحاً للخدمة
سيجردونني من عجلاتي
وسأُترك مقلوباً محطماً في قعر الوادي.
21
لو أمكنني أن أعضَّ الأرض كلها
وأن أتذوق طعمها
لكنتُ أكثرَ سعادة للحظات
لكنني لا أريد أن أكون سعيداً دائماً
ينبغي للإنسان أن يكون شقياً بين حين وآخر
لكي يمكنه أن يكون طبيعياً …
ليست كل أيامنا مشرقة
والمطر مطلوب حين يطول انقطاعه
ولهذا أستقبل الشقاء كما أستقبل السعادة
بصورة طبيعية، كمن لا يستغرب
أن هناك جبالاً وسهولاً
وأن هناك صخوراً وعُشباً …
المهم أن يكون الإنسان طبيعياً وهادئاً
في السعادة أو في الشقاء
وأن يكون إحساسه أشبه بالرؤية
وأن يكون تفكيره أشبه بالمسير
وحين يجيء الموت أن يتذكر أن النهار يموت أيضاً
وأن الغروب جميل، وأن مجيء الليل جميل
هكذا هو الأمر، وهكذا ينبغي أن يكون …
26
أحياناً، في أيام الضياء التام المكتمل
حين تتجلى الأشياء بأقصى ما فيها من واقعية
أتساءل على مهلي
تُرى لماذا أنسب الجمال إلى الأشياء؟
هل تمتلك الزهرة جمالاً حقاً؟
هل الثمرة تمتلك جمالاً؟
لا، إنهما تمتلكان لوناً وشكلاً فقط
تمتلكان وجوداً، لا غير.
فالجمال اسمٌ لشيء لا وجود له
إسمٌ أعطيه للأشياء لقاءَ المتعة التي تعطيني إيّاها.
إسم لا معنى له
إذن لماذا أقول عن الأشياء إنها جميلة؟
وحتى أنا الذي أعيش لكي أعيش فقط
لم أَسلم من أكاذيب الناس اللامرئية عن الأشياء
عن الأشياء التي توجد فحسب.
ما أصعب أن تكون نفسك ولا ترى إلّا المرئيات!
29
أنا لا أشبه نفسي دائماً في ما أقول وأكتب
أنا أتغير، لكنني لا أتغير كثيراً
إن لون الأزهار تحت الشمس
ليس هو نفسه حين تمر غيمة
أو حين يحلُّ الليل
فتصبح الأزهار في لون الظل
ولكنَّ من ينظرْ جيداً يرَ أنها ذاتُ الأزهار
ولهذا فحين أبدو كأنني لا أتفق مع نفسي
تمعنّوا فيَّ جيداً
فإذا كنتُ متجهاً إلى اليمين
فقد اتجهتُ الآن إلى اليسار
لكنني أنا نفسي دائماً، أقف على نفس القدمين
أنا نفسي دائماً، شكراً للسماء والأرض
وشكراً لعينيَّ اليقظتين وأذنيَّ المنتبهتين
وشكراً لبساطة روحي الصافية.
31
إذا قلتُ إن الأزهار تبتسم
وإن الأنهار تغني
فليس لأنني أعتقد أن للأزهار ابتسامات
أو لجريان الأنهار أغاني
ولكن لكي أجعل المزيَّفين أكثر حساسية
للوجود الحقيقي للأزهار والأنهار.
ولأنني أكتب لكي يقرأني هؤلاء
أضحي أحياناً بنفسي
من أجل حواسِّهم البليدة
وأنا لا أوافق نفسي، ولكنني أسامح نفسي
لأنني لا آخذ نفسي مأخذ الجد
لأنني لست سوى ذلك الشيء البغيض— مترجم الطبيعة
ولأن هناك أناساً لا يفهمون لغة الطبيعة
التي هي ليست لغةً أصلاً.
—————————–
* عن الإسبانية مراجعة على الأصل البرتغالي