كيف تغيرت أشكال النوم ومدته على مدار التاريخ – ناتاليا ميلمان بيترزيلا

مقالات عامة, مميز ,

احصل على ثماني ساعات من النوم”—تُعد هذه العبارة أمرًا شائعًا ومألوفًا إلى درجة أنها تبدو وكأنها حقيقة أزلية، تُفترض كضرورة بيولوجية لا جدال فيها. غير أن تحليل الأنماط التاريخية للنوم يُشكك في هذه الفرضية، ويُظهر أن حتى حاجاتنا البيولوجية ليست بمنأى عن تأثير الزمان والثقافة.

التحول الاجتماعي في مفهوم الليل

على مدى جزء كبير من التاريخ المدوّن، اعتاد البشر النوم لثماني ساعات، ولكن على مرحلتين منفصلتين، مدة كل منهما نحو أربع ساعات. كما أظهر الباحث روجر إيكرش (Roger Ekirch) في دراسته التاريخية المستندة إلى الأدب والفنون والمذكرات، كان الناس يخلدون إلى النوم مع حلول الظلام، ينامون لأربع ساعات، يستيقظون لفترة، ثم يدخلون في “نوم ثانٍ” لمدّة أربع ساعات أخرى. خلال فترة الاستيقاظ هذه، لم يكن الناس يتقلّبون فقط، بل كانوا يتأملون أحلامهم، يقرأون على ضوء الشموع، أو يمارسون الجنس.

وقد أشار كتّاب من أمثال ليفيوس (Livy) وبلوتارخ (Plutarch) وفرجيل (Virgil) وهوميروس (Homer) إلى هذا النمط، كما ظهر في الثقافات المسيحية في العصور الوسطى وبعض المجتمعات الإفريقية القَبَلية. لكن هذا النمط من النوم الثنائي – الذي كان يتبع إيقاع الليل الطبيعي – بدأ يختفي مع بزوغ العصر الحديث.

مع تزايد القدرة على إنارة الليل صناعياً، بدأت الحياة، ومن ثم عادات النوم، بالتغير. ففي عام 1700، كانت خمسون مدينة أوروبية قد تبنّت إنارة الشوارع الممولة بالضرائب، مما جعل التنقل ليلاً أكثر أمانًا وقبولًا اجتماعيًا، بعد أن كان الليل يُعتبر مجالاً للنساء الساقطات والمشبوهين. وكان الاعتقاد السائد حينها أن “لا خير يأتي من الليل” لدرجة أن الناس كانوا يُفرغون أواني التبول من نوافذهم دون تردد بعد حلول الظلام.

في الولايات المتحدة، كانت مدينة بالتيمور أول مدينة تضاء بالغاز عام 1816؛ وبعد قرن من الزمن، أصبحت الكهرباء متوفرة في الشوارع والمنازل، مما ألغى الظلام الحتمي الذي كان يدفع الناس للنوم باكرًا. وأصبح الخروج ليلًا نشاطًا اجتماعيًا رائجًا، الأمر الذي دفع مواعيد النوم إلى وقت متأخر، وقَرَّب مرحلتي النوم بعضهما من بعض، إلى أن اندمجتا في مرحلة نوم واحدة متصلة كما هو شائع اليوم.

التصنيع ودورة النوم الواحدة

لقد كان التحول الصناعي العامل الحاسم في ترسيخ نمط النوم المتصل كقاعدة اجتماعية. ففي المدن التي باتت تتمحور حول الإنتاج الصناعي، ساهم يوم العمل المنظم والتوجه العام نحو تعظيم الإنتاجية في اعتبار الاستيقاظ ليلًا نوعًا من الكسل.

كما أصبحت الجداول المدرسية أكثر انتظامًا، ومنذ عشرينيات القرن التاسع عشر، بدأت كتب التربية تحث على تعويد الأطفال على النوم المتصل. ومع نهاية القرن التاسع عشر، أصبح التحاق الأطفال بالمدارس إلزاميًا في الولايات المتحدة، مما أضاف عامل ضغط ثقافي جديد لتكريس نمط النوم الجديد.

ورغم أن الساعات كانت موجودة منذ العصور القديمة، إلا أن ليفي هاتشينز (Levi Hutchins) من نيوهامبشر صمم أول ساعة منبّهة ميكانيكية عام 1787 خصيصًا لإيقاظه للعمل، ما شكّل تحولًا نوعيًا في العلاقة بين النوم والعمل. وبعد نصف قرن، قام الفرنسي أنطوان ريدييه (Antoine Redier) بتسجيل براءة اختراع للمنبه، وفي عام 1876، أنتج سيث توماس (Seth E. Thomas) نسخة أمريكية منه على نطاق واسع، وأصبحت شائعة في مجتمع بات مطالبًا بمواءمة إيقاعه البيولوجي مع الساعة الصناعية. وخلال الحرب العالمية الثانية، اضطرت مصلحة ضبط الأسعار الأمريكية إلى رفع الحظر عن إنتاج المنبهات “الطارئة”، لأن العمال كانوا يفوتون نوبات العمل الحيوية للحرب بسبب تعطل منبهاتهم.

القلق من عدم التوافق مع النوم الحديث

لعل أبرز دليل على تقبّل المجتمع لهذا النمط الجديد، هو القلق المتزايد لدى من لا ينجحون في الالتزام به. ففي العصور الوسطى، كما توضح الباحثة إيلوند سامرز-بريمْنر (Eluned Summers-Bremner)، كانت اليقظة الليلية تُشجَّع كنوع من الحيطة ضد الحشرات، أو الحرائق، أو حتى الشيطان، الذي كان يُعتقد أنه يتربص بالنائمين. لكن مع أواخر القرن التاسع عشر، بدأت الأرق – ويُعرّف على أنه عدم القدرة على النوم المتواصل خلال دورة واحدة – يُصنّف كاضطراب، إيذانًا بانتهاء عصر النوم المتجزئ.

وفي يومنا هذا، ما زالت الأدبيات الإرشادية تُمجّد “نوم الثماني ساعات المتواصل”، رغم أن هذا النموذج ذاته بات مُهدّدًا بسبب الاتصال الدائم بالعالم الرقمي على مدار الساعة. ومع ذلك، فإن الأدلة العلمية، بحسب دراسات النوم الحديثة، تشير إلى أن النمط “الطبيعي” للنوم قد يكون أقرب إلى النموذج الثنائي مما هو إلى النموذج المتصل.

للمقال الأصلي
اضغط هنا