كتب لن نستطيع أن نقرأها أبداً
الكثير من الكتب ضاعت أو أحرقت أو تخلص منها أصحابها على مرّ التاريخ، لأسباب مختلفة. الكتب الدينية كانت الأكثر عرضةً للضياع، غير أن روايات الفرق والطوائف المتعددة تختلف حول حقيقة وجودها أو ضياعها، مثل مصحف فاطمة الذي يحوي تاريخ ما كان وما سيكون، أو أنجيل حواء. رصيف 22 يضيء على بعض الكتب التي لن نتمكن من قراءتها اليوم لأنها لم تعد موجودة.
كوميديا أرسطو
مختصين أو غير مختصين، كلنا سمعنا بأرسطو وكثيرون بيننا يعرفون كتابه “فن الشعر” Poetics. بعيداً عن ترجمته إلى العربية تحت عنوان تعاليم “البوتيقا”، ما لا نعلمه هو أن الكتاب الذي بين أيدينا الآن ليس مكتملاً، بل ينقص منه الجزء الثاني الذي يتحدّث عن الكوميديا. هذا الموضوع اكتسب صيغة أكثر إثارة مع الروائي والناقد الإيطالي أمبرتو أيكو Umberto Eco الذي تناول في روايته الأولى “اسم الوردة”، قصة قتل في دير قديم ورحلة البحث عن القسم الثاني الضائع من الكتاب الذي يظنّ البعض أنه أُخفي قصراً لأهمية الكوميديا وقدرتها العالية على الانتقاد.
الزمرد لابن الراوندي
يوصف ابن الرواندي بأنّه من أهم الزنادقة واللادينين في الإسلام، إذ شكك في وجود الله والنبوّة والمعجزات. رغم أنه لم يتعرّض للمضايقات الكثيرة في العصر العباسي، فقد اثارت كتبه إشكاليات هائلة، وخصوصاً تنقّله بين المذاهب الفكرية المنتشرة بكثرة في تلك الفترة، مما دفع خصومه للردّ عليه. لم يصلنا أي من كتب ابن الراوندي بصورة كاملة ومن أهمها كتاب “الزمرد” (أو “الزمرذ” حسب عبد الرحمن بدوي في كتابه “من تاريخ الإلحاد في الإسلام”) الذي لا نعرف إلا بضع فقرات من محتواه. في هذا الكاتب يسخر الرواندي من معظم المعتقدات الإسلامية وينتصر للعقل على حساب المعجزات والنصوص المقدسة.
الماركيز دي ساد وأيام فلوربيل
مصطلح السادية منسوب إلى الماركيز دي ساد Marquis de Sade، ورواياته بقيت ممنوعة مدة طويلة. كانت تقرأ وتتبادل سرّاً بين الناس للتعرّف على العالم السحري الذي يخلقه، هذا العالم، الحافل بالجنس والرغبات المحرمة والقسوة الممزوجة بالعاطفة المتقدة. بعد موت دي ساد، أحرق ابنه المخطوطات التي كتبها ولم تنشر، فلم يصلنا من روايته الأخيرة سوى عنوانها “أيام فلوربيل” Les Journées de Florbelle.
تُرى لو وصلتنا هذه الرواية، هل كان فيلم بيير بابلو باوسليني Pier Paolo Pasolini عن رواية دي ساد “120 يوماً في سدوم” سيصنف كأكثر الأفلام اضطراباً في تاريخ السينما، أم أن الرواية التي لم تصلنا كانت لتتخطى فظاعة فيلم باسوليني.
آرثر رامبو والأبدية
“ما هي الأبدية؟ هي البحر ممزوجاً مع الشمس”. هذه من أشهر العبارات الشعرية على لسان آرثر رامبو Arthur Rimbaud. الشاعر الفرنسي الرجيم ألهم الكثيرين، وبقيت شذرات أشعاره مُلهمة للعديد من المدارس الفنية كالسوريالية والرمزية. عدا عن أن ما وصلنا من أشعار رامبو قليل، اعترف أحد أصدقائه بأنه أحرق دفتر ملاحظاته التي يحوي أهم أعماله على الإطلاق La Chasse spirituelle. من الممكن أن تفوق هذه القصيدة جمالاً “المركب السكران” أو “فصل في الجحيم”، لكنّ المفارقة تكمن في أن خليل رامبو الشاعر الفرنسي بول فرلان Paul Marie Verlaine أدّعى أنها قصيدته.
لورانس العرب وأعمدة الحكمة
المشهد الشهير في فيلم دايفد لاين David Lean “لورانس العرب” Lawrence of Arabia وهو يفجّر سكّة الحديد العثمانية جعلت لورانس موقع جدل لدى العرب، فهل هو جاسوس بريطاني، أو نصير الثورة العربية الكبرى؟ يعرف أن لورانس ألّف كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” الذي يتحدث فيه عن مغامرته في الشرق. ضاع الفصل الأول من المخطوط في محطة قطار ريدينج في انكلترا Reading railway station، ولن نعلم أبداً ما جاء في هذا القسم.
حُلم إكمال كافكا
“لم أكن أعلم أنه بإمكان أحد ما أن يكتب بهذه الطريقة. بعد أن قرأت المسخ the metamorphosis- ، بدأت فوراً بكتابة القصص القصيرة” هذه كلمات غابريل غارسيا ماركيز Gabriel García Márquez بعد أن قرأ أول سطر من رواية كافكا تلك. وكان هذا التشيكي النحيل أوصى صديقه ماكس برود Max Brod بإحراق جميع المخطوطات والكتب الموجودة لديه، إلا أن ماكس رفض إطاعة رغبة صديقه. بعد موت كافكا نشر ما نجا من أعماله. الكثيرون ما زالوا يطرحون التساؤلات حول النهاية الممكنة لروايتي “القصر” و”أمريكا” اللتين لم ينههما كافكا، والمحزن أننا لن نقرأ الرواية التي كتبها عن القتل الطقوسي في أوديسا.
الإمام علي وكتاب الجفر الجامع
يقال إن هذا الكتاب يحوي علم الأئمة منذ بداية الزمان حتى الآن، فضلاً عن أخبار المستقبل وعلم الماضي. مؤلّف هذا الكتاب هو الإمام علي بن أبي طالب. وقد تناقله الأئمة ومنهم الإمام جعفر الصادق، وفيه يتعلّم الناس أخبار المستقبل بالاعتماد على علم الحروف، ويقال إنه يروي كل ما سيكون ويمهد لظهور المهدي الإمام الثاني عشر لدى الشيعة. الروايات تقول إن الكتاب غير موجود، ومن يؤمنون به يقولون إنه بحوزة المهدي الذي يُنتظر ظهوره. النسخة الموجودة حالياً والتي يمكن تحميلها من الانترنت ليست حقيقية.
جوزف سميث وكتاب إبراهيم
كثير من الشكوك تدور حول جوزف سميث Joseph Smith المولود في فيرمونت في أمريكا ومؤسس كنسية المورمن Mormon. البعض يصفه بأنه نبيّ كاذب، لكنّ أتباعه يؤكدون أن هناك كتاباً ضائعاً من أناجيلهم، هو “كتاب إبراهيم” الذي ترجمه سميث من الهيروغلوفية بعد أن اشتراه من معرض مومياءات متنقل في أوهايو. ضاعت المخطوطة الأصلية وضاعت معها الترجمة. أُشيع أن الكتاب يحوي حياة إبراهيم الأولى ورؤيته للكون، وأنّ سميث كان الوحيد المخوّل من كنيسته بالاطلاع على هذه الوثيقة وترجمتها تبعاً لتعليمات “الملاك الذي ظهر له”.
المصدر: رصيف 22
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة.