الحياة منذ ولادتها وهي تستمتع بلذة التقلب والتغير ، فإن لكل مرحلة زمنية من الحياة مقوماتها واتجاهاتها وطابعها المختلف عن الفترات السابقة من عمر الحياة .
فإن كانت الحياة علي الصعيد الإلهي ثابتة لا تتغير ، وهي تسير في نظام فلكي ثابت ومحدد منذ بدايتها وحتي يأذن لها الله بالفناء ، فالشمس لها نظامها الثابت والمتزن في الدوران ، وأيضاً كل الكواكب من حولها ، وتركيب الماء ثابت حتي قيام الساعة فهي مكونة من عنصرين ثابتين منذ ان عرفها الإنسان وحتي الآن ، والإنسان له هيئته الثابتة والتي خلقه الله عليها منذ آلاف السنين وسيستمر عليها حتي يزول عن هذه الأرض ، وعلي نفس هذا المنوال باقي الآيات والمعجزات الإلهية الثابتة والمتزنة والدالة علي وجوده سبحانه وتعالي .
ولكن إن كانت الحياة ثابتة متزنة علي الصعيد الإلهي ، فإنها مستمرة في التغير والتقلب والاختلاف علي الصعيد البشري .
فإن لكل مرحلة من الحياة اتجاهاتها وأولوياتها ومقوماتها ، فالحياة منذ ١٠٠ عام لا تشبه الحياة الآن من حيث المقومات المادية والفكرية وحتي العاطفية علي حد سواء .
الإنسان يشكل حياته ومجتمعه ونظامه الذي يسير عليه ، ثم ينعكس هذا النظام عليه فيشكل الإنسان نفسه ، فالمجتمع الذي شكله الإنسان منذ ٢٠٠ عام يختلف عن المجتمع الذي شكله الإنسان منذ ٥٠ عام يختلف عن المجتمع الذي يشكله الإنسان الآن ، لذا العنصر البشري المتواجد في كل من هذه المجتمعات يختلف عن الآخر .
فمع الثورة العلمية الحالية واتساع الإدراك والمفهوم البشري لماهية الحياة من حوله ، وتأثره بظروف الحياة الجديدة ومقوماتها يجعله ينفر من أي مفاهيم وأساسيات قديمة لا تتماشي مع الإنتشار البشري الحالي .
فعلي سبيل المثال الأساسيات والمفاهيم الفكرية والفلسفية التي توصل إليها الإنسان منذ مئات السنين ، أصبح من الصعب تقبلها الآن وسط هذه التغيرات الحياتية ، ومع أن هذه الأساسيات والمفاهيم ثابتة وتستطيع إحتواء الحياة مهما كانت ظروفها ومقوماتها ، فإن الطريقة التي تقدم بها هذه الأساسيات والمفاهيم إلي المجتمع البشري الحالي لا تتماشي مع مستوي إدراكة وطابع حياته الإنفتاحي التطوري .
وإذا اتجهنا إلي الدين ، فسنجد أن القرآن قد تبني هذه النظرية وأكد عليها منذ عشرات القرون ، فالقرأن الذي عرفه البشر عندما كانت حياتهم بدائية لا تحتوي علي أي من المظاهر التكنولوجية الحديثة ، يحتوي علي قوانين ومعلومات جوهرية ما زال العلم الحديث يتوصل لها حتي هذه اللحظة وسيستمر في البحث عن الجديد منها مهما بلغ من تقدم وإزدهار ، وهذا ما يضمن له حيويته وتماشيه مع جميع العصور ، وإن كان هناك خلل حالي في المنتسبين لهذا الدين وعدم فهمهم لهذا الأمر ومحاولة تطبيق الدين وجعله يتماشي مع الواقع الحالي ، ويستمروا في تضييق منظور الدين للحياة بحجة الإلتزام به ، وهذا هو السبب الرئيسي لنفور الناس من الدين حالياً ، فهو لا يتماشي مع طابع حياتهم الحالي .
وعلي نفس المنوال كل العلوم الروحية والفكرية والنفسية ، كعلم الاجتماع والفلسفة والميتافيزيقيا والقانون .. الخ ، يجب أن تتماشي مع التقدم الجنوني الحالي للعلوم التطبيقية كالفيزياء والتكنولوجيا وغيرها ، وإلا فإنها ستموت عن قريب وتصبح جزءاً من التاريخ .