لماذا تُزيد الأدوية المضادة للاكتئاب من الأفكار الانتحارية؟ – ترجمة: حنان جمال
الحقيقة العلمية وراء التأثيرات المُتناقضة لمُضادات الإكتئاب.
بالرغم من دخول الأدوية المضادة للإكتئاب إلى الإستخدام عام 1958، إلا أن تلك الأدوية والعديد من الأدوية الآخرى التي تُصرف بـ«تذكرة طبية خاصة- prescription drug» لا تزال تحمل تحذيرًا للمستخدمين من عددٍ مِنَ الآثار الجانبية الخطيرة ومن أهمها: خطر الأفكار الانتحارية. التي تزداد مع البدء في تناولها، فلماذا تزيد مضادات الإكتئاب من إحتمالية إقدام الشخص على الانتحار؟
كيف تعمل الأدوية المضادة للإكتئاب؟
يمكننا إستنتاج سبب هذا التأثير بالإطلاع على الكيفية التي تعمل بها الأدوية المضادة للإكتئاب؛ حيث أن معظم مضادات الاكتئاب- وخاصة الأسماء الكبيرة منها مثل: «زولوفت- Zoloft»، و«سيليكسا- Celexa»- تُصنف كمثبطات إنتقائية لإعادة «إمتصاص- «reuptakeهرمون السيروتونين الذي يشار إليه عادةً باسم هرمون السعادة، حيث تُزيد من مستويات السيروتونين في الدماغ من خلال تثبيط (وقف) عملية إعادة إمتصاصه من خلال مستقبلات خلايا الدماغ المختلفة.
في الحقيقة لا تقوم مضادات الإكتئاب بعلاج الإكتئاب، وإنما فقط يمكنها أن تعالج أعراضه، والتي هي في هذه الحالة: إختلال توازن الهرمونات، كما أن لها عدة عيوب أيضًا؛ تقول «آن تراسي- «Ann Tracy، الخبيرة في عيوب الأدوية مثل «بروزاك وزولوفت»: (تبين الدراسات على الحيوانات أن بدء تناول دواء بروزاك يسبب وقف إنتاج الدماغ للسيروتونين، مما يسبب تأثير متناقض أو عكسي؛ حيث تميل كيمياء الدماغ إلى أن تبقى في وضع متوازن بطريقة طبيعية، وأي تعطيل أو تشويش من مضادات الإكتئاب أو أي أدوية أخرى يؤدي إلى إختلال هذا التوازن).
يشبه هذا التقلب تأثير قطار الملاهي؛ حيث يتقلب مزاج الشخص من الإكتئاب المستمر إلى الارتياح المؤقت بصورة سريعة.
تقول نظرية أخرى أن مضادات الإكتئاب لا تزيد ذلك الخطر بصورة مباشرة، ولكنها تمنح المكتئبين درجة جديدة من الإستعداد وروح المبادرة. فإذا كانت لدى الشخص رغبات إنتحارية قبل أخذ الدواء ولكنه يفتقد للحماس أو الإقدام على تنفيذ تلك الرغبة، فإن مضادات الإكتئاب تسهلل الأمر وتفتح الطريق أمام تلك الرغبات الكامنة. ولكنها لا تُحدثها.
وفي كلا الحالتين، تشير دراسة في عام 2004 أن خطر الأفكار أو السلوكيات الإنتحارية أقصى ما يكون خلال أول تسعة أيام من تناول مضادات الإكتئاب، ولهذا يجب كتابة تحذيرات على جميع الأدوية المضادة الإكتئاب تنص بوضوح على أنها تضاعف معدلات الإنتحار من 2 لكل ألف شخص إلى 4 لكل ألف في الأطفال والمراهقين.
التأثيرات المتناقضة أو العكسية:
في علم العقاقير يسمى هذا التأثير بالتفاعل «المتناقض- «paradoxical reaction أو عكس الأثر المتوقع. عندما يكون الهدف من دواء معين هو علاج عرض واحد ولكنه ينتهي لأن يحدثه ولكن بتأثير أكبر، مثلًا: «البنزوديازيبينات- Benzodiazepines»، وهي مجموعة من «المهدئات الشائعة- psychoactive drugs» تستخدم لإرتخاء العضلات وتهدئة التشنجات، ولكنها قد تسبب نفس الآثار العكسية التي تقوم بمعالجتها، وكذلك اُكتشِف أن المضادات الحيوية التي شاع تداولها كثيرًا في السنوات الأخيرة تنتج تأثيرًا يسمى بـ«تأثير إيجل- Eagle effect» ، وهي ظاهرة سميت بهذا الإسم نسبةً للطبيب «هاري إيجل-Harry Eagle» الذي كان أول من لاحظ أن أعداد البكتيريا تزداد عند تعرضها للمضادات الحيوية لفترة طويلة كافية، والتي كانت من المفترض أن تُوقِف تكاثرها أو حتى يستقر عددها.
هذه التأثيرات المتناقضة ظهرت على الأشخاص الذين يعانون من الإكتئاب وكذلك عند مرضى «الوسواس القهري- «OCD، حيث أظهرت دراسة أجريت عام 1990 أن الأشخاص في الأعمار التي تتراوح بين 10 و17 عام قد ظهرت لديهم رغبة في إيذاء أنفسهم بعد تناول الفلوكستين (بروزاك)، مما أدى إلى إسعاف 4 من أصل 42 منهم إلى المشفى.
بالرغم من التقدم المشهود الذي تم إحرازه بعد أكثر من عقدين من هذه الدراسات، إلا أن مضادات الإكتئاب لا تزال تحمل ذلك التحذير، وما دامت تلك الأدوية التي صممت لإعادة تنظيم عُصارات الدماغ التي تجعلنا سُعداء أو مكتئبين مازال بإمكانها أن تنقلب ضدنا، سيظل ذلك التحذير موجودًا دائمًا في النشرات المرافقة لتلك الأدوية.