بلا دين بلا إلحاد .. المجتمعات المتخلفة تجلب الهمّ – حمودة إسماعيلي
حسب كلاسيكيات التنظير الفلسفي، يغيب العقل يحضر العنف (البربرية)، السلطة عبارة عن تنظيم وإدراة وسيطرة، اختلال هذه السلطة يُحدث فوضى عدوانية: تشمل الشغب والعنف ـ وهي رؤية حنة أرندت للسلطة السياسية. العقل بعجزه عن حل الأزمات ـ بما هي أزماته بالعمق ـ يلجأ للعنف كتدمير للأزمة: أي تغييبها. ولا يستسلم أو يتراجع إلا في حالة انهايره أمام قوى الأزمة.
حسب نفس الرؤية، نجد من كلا الجهتين ـ ملاحدة ومؤمنين ـ عنفا متمحوراً حول الدين: جهة تعنّف الدين كسبب للبلاء، والجهة معاكسة تعنّف اللاتدين كسبب لتدهور الدين: بما أن الدين من زاوية هذه الرؤية، ارتكاز ومسند للحياة السعيدة ! هنا ينبثق الاكتئاب، باعتبار أن هذا العنف الدين/اللاديني: المتشابه في الشحنة والمعاكس بالاتجاه، رد فعل ضد السقوط في الاكتئاب ـ ك”جزع وجودي“.
لنأخذ على سبيل المثال ملحدا حقيقيا، كريشارد دوكنز، أو كارل ساغان، نيل ديغراس تايسون، جورج كارلين، وهذا الأخير الذي رغم سخريته القاسية اتجاه الدين، إلا أنه يشترك وهؤلاء وغيرهم في كون خطابهم الثقافي لا يحمل شحنة عداونية انتقامية (كأزمة) اتجاه الدين، لماذا؟ لأن الدافع هو المعرفة (كارلين كوميدي بالأصل).. تعالَ لملاحدة “تَبَعْ بلدنا”: سب وشتم وسخافة وعفونة كلامية باستعمال كلمات لرونس كراوس أو توماس هكسلي، باعتبار أن ذلك نقد للدين، وهو لا يعدو أكثر من عرض تأزمي تجاه الواقع الخانق لنفسياتهم المتضررة: يزيد الطين بلة ويحرض العنصرية الطائفية ويعزز تشددا أعمق في الدين، كرد دفاعي مقابل.
لقد تم كسر القوالب الدينية الخرافية من خلال تماسك نظرية لشخصية نفاذة الرؤية، وليس من خلال كوميديا حقيرة مريضة بالأنا ! أعرف البعض يهدفون من خلال تلك التصرفات لكسب ود مثقفين معروفين بإلحادهم أو فتيات/ذكور من بيئات برجوازية ملحدة (مرونة جنسية كمعنى) ! كتشي جيفارات (جمع تشي جيفارا) ثائرين على الدين. ستيفن هوكينغ يسخر باستمرار من الدين، لكن سخريته عقلانية وليست طفولية، ومعجبيه لا ينحصرون بطائفة أو اتجاه معين. إنه فيزيائي بالأخير، يفكر للعالم، وليس للانتقام من أبويه وأبناء حيّه على حساب رؤى أبرز للوجود !
نأتي للجهة الأخرى، دون أن أطيل، اعتبر أن أي متشدد ديني مضطرب شخصيا، داعش مجموعة من المرضى والمعتوهين وليسوا مجموعة انحرفت بتوجهها الديني أو السياسي: التشدد الديني اضطراب نفسي يجعل صاحبه منحسرا في القرن الحادي عشر : يود الواحد إحضار القرن 11 ميلادي لسنة 2016 ميلادية، هل أنت حمار ؟ أو أغبى من الحمار يا حمار ؟!
الدين بتخاريفه الصبيانية، يجب أن ينحسر في المعبد، أو الأيباد الخاصة بك داخل سماعاتك، وليس تشاركا بالتاكسي أو الحافلة، كفرض قراءات لشخصيات تعاني من أزمات نفسية تقرأ آية وتبكي في آية، على مسامع الركاب والناس، الموجوعين في أدمغتهم “من كثر الصداع” أصلاً ! بالنسبة لي شخصيات تفرض على الآخرين سماع القرآن أو أي صداع ديني مسيحي يهودي بوذي.. شخصيات تسلطية مأزومة ومريضة، من ضمنهم من يسمعونك موسيقى رغما عنك: متى يعي الناس أن تلك أمور تتعلق بالأذواق الشخصية، لا نشارك أذواقنا إلا بموافقة الآخرين: غير أن عقلية “إلهي خلق العالم ويعرف كل شيء”، تدفع الإنسان للتنرجس على الآخرين (التعالي) وفرض حقاراته كفعل خير ! قل هذا لخطيب الجمعة، يخفض صوته، بدل انفضاح أخطائه التاريخية باستمرار !
أخبرني مرة أحدهم، أنه إذا قام عالم سيكولوجي بدراسة العالم العربي والإسلامي خصوصا، فإنه سيصنف هذه الشريحة بالاضطراب والانفصام، أجبته ـ من خلال إدراك ما ينحو لقوله ـ أنه سبق لفرويد أن قام بتشخيص الأديان كرؤية طفولية للعالم، تطورت كسلوك وسواسي يعيق استمرارية العالم الاجتماعي على وجه أفضل ! لا يهمني طفولة الدين أو رضاعته، ما يهمني هو أن انفعال المتدين على أو لأجل الدين، يخفي في العمق اكتئابه، فالدين لم يقدم شيئا ولا يقدم شيئا ولن يقدم شيئا، إنه شيء متجاوز، العالم يتحدث بالتكنولوجيا والاقتصاد وليس آيات بيّنات من الذكر الحكيم. سواء تأقلم المؤمنون مع هذه الرؤى الحداثية الواقعية أو لا ؟ ذلك شأنهم… فقط دعوا الناس وشأنها، يصلي الإنسان “مايصليش“، يحب مثلي “ما يحبش”، تلبس الأنثى تنورة أو حجاب أو نقاب “تخلعوا ما تخلعوش”: ذلك شأنه(ا) يا سادة!
إعطيني فكرة، اقتراح، نظرية ممكن. لكن لا تعوّض اكتئابك علي، “هو احنا ناقصين“ يا سافل(ة) ! أسمع نشيد “يا نبي سلام عليك”، أو “إنجي” لفرقة رولن ستونز، أو كلاهما بنفس الوقت: “دا مايخصاكش“، وكذلك الحياة تُعاش بعيدا عن شعوذة: “إلهي حبيبي” “إلحادي حبيبي” !
تعلمّوا الفرح يا عبيد الشر.
تعلمّوا الحب أيها المكتئبون.
ـــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة