مفاتيح الحياة .. الحب والمال والجمال – بقلم: حمودة إسماعيلي
يُقال، لا شيء يفتح الأبواب كامرأة جميلة، رائعة، أو “فوغميدابلوه” ـ كما يتغنى بذلك البلجيكي ستروماي. إن الجمال سلاح ـ يرى المغني الفرنسي سيرج غينسبور بأن “الجمال هو الانتقام الوحيد للنساء”، هاهنا المفتاح الأول : ورغم أن الجمال أحيانا لا حظ له، فهو يظل أفضل من حظ بلا جمال : مزيف ومؤقت (لأنه مصبوغ فقط بالجمال).
المفتاح الثاني : المال. لديك حياة، عائلة، أصدقاء وصديقات، لكن ما الفرق بينك وبين القردة طالما أنك لا تمتلك مالاً؟ حتى أن القردة لديها قابلية القيام بحركات بهلوانية (الأكروبات)! وأنت بحكمتك ـ كسوبر حيوان ـ لا تعرف لا كيف تقوم بالأكروبات، ولا كيف تصبح ثرياً !
الفقراء، الطبقى الوسطى أو البروليتاريا، حتى يقوموا بلفت انتباه الأغنياء، يختلقون نكتا عن الأغنياء، أحيانا حول أنفسهم بالذات! وذلك ليس بالأمر المضحك، بل أمر سخيف !
المفتاح الثالث : وهو مزيج لكلا المفتاحين، فإذا لم تكن تمتلك مالا، ولا جمالا ـ قال يوربيديس ذات مرة “حياة بدون جمال ليس سوى عبءٍ ثقيل” ـ فتخيّل معي، كيف أو من أين ستأتيك الأناقة (وهي ثالث مفتاح) ؟ بناءً على ماذا ؟!
أنتوني ترولوب ـ الشبيه قليلا بكارل ماركس ـ وضع سؤالا بوذيا : ” أي شيء بالعالم سيكون أكثر فخامة من أريكة، كتاب، وكوب من القهوة ؟” .. لكن ماذا عن الحب؟ أرى بأن ماهو أكثر فخامة هو إيجاد شخص يحبك، أن تكون معشوقا من قبل شخص، والذي سيمنحك قيمة : حيث تصبح سوبر حيوان أكثر حظا من القردة.. فأي فخامة هي! مشهد شعري يتراءى.
غير أنه لا يجب أن نغفل، بأن الحب يحتاج للجمال، للمال : فحتى حينما يقع الناس حبا (خاصة من أول نظرة)، فإنهم يقعون في غرام أناقة الشخص، وليس في الشخص كشخص : كفرد، مجهول، غير ظاهر (غير مميز). “المظاهر تحكم العالم” كما قال فون شيللر. لذلك لا تستمع لأكاذيب الحياة الداخلية والجمال الباطني، فليس هنالك من لديه الوقت لاكتشاف هذه الأشياء، لاكتشافك ـ أكدت (ادّعت بتعبير أدق) دراسة بجريدة نيويورك، بأن أكثر من 40% من سكان العالم يعتقدون بأن لديهم مواهب كامنة وخاصة ويلزم على الآخرين أن يكتشفوها فيهم !
ربما الناس لا يدركون أن الجمال أحيانا لا يُرى بقدر ما يُكتشف.. إذا أخذنا بعين الاعتبار أن لكل شخص جماله الخاص ـ خصوصا حينما يتعلق الأمر بالنساء !
كتبت أسماء ستيوات ـ طالما أنها تشتغل بالجمال ـ نصا برهافة نيتشوية، تقول فيه : “ماذا بكم يا شباب، ما الذي أصاب العالم؟ أين هي القلوب الشجاعة، الأحاسيس النبيلة؟ الحب المثير، الخطابات الملهمة؟ هل هي النهاية؟ أين هي القيم؟ الشفقة، الإنسانية! إني أخشى القول بأنها نهاية الحياة، ولا أعني بذلك الحياة حيث يمكن للجميع فقط التنفس، الأكل والنوم، آه لا لاأقصد هذه الحياة! إن الحياة هي حيث الخلق، حيث الأصالة والإبداع، نعم “الإبداع”، أن تنمي نفسك، أن تكتشفها : فكّر، أشعر وطالع! فما هو الموجود الإنساني إن لم يشتغل على نفسه! إني أتأسف لحال العالم، هذا العالم الجميل الذي كان لدي إيمان به، ولا يزال!
نحن الشباب معجزة، لقد أتبث التاريخ بأن لاحدود لنا، نعم إننا كذلك! فكيف لنا ننتهي بهذا الشكل؟ هل هذا تنويم، لعنة، أو أنه فقط يعتريني كابوس من تلك الكوابيس المرعبة؟ أتمنى لو أني بغيبوبة طويلة وبأن اليوم الذي سأستيقظ فيه سأجد نفسي ب”كون” : حيث السلام ليس مجرد كلمة نتقاتل حولها، حيث الإنسانية ليست مجرد خرافة، حيث يمكن أن أشعر دون أن أخاف الألم، حيث الناس يُقدََرون لقيَمهم وليس لانحرافاتهم!
لربما أنا مجرد حالمة! غير أني أوجه شكري لأولئك الناس العديدين الذين لايزالون يحتفظون بوعيهم، ويساعدونني على تجاوز سقمي؛ شكرا لأولئك الكتاب، الموسيقيين، وخصوصا أصدقائي/صديقاتي، صديقاتي المذهلات اللواتي يمثلن لي قمة الثروة، مجد مواجهتي لهذا العالم”(1).
يُذكِّرُ النص بما سبق وكتبه نوفاليس : “كل ما يحيط بنا، الأحداث اليومية، العلاقات العادية، وعادات أسلوبنا المعيشي، كل ذلك له تأثير متواصل، وفقط لهذا السبب، يصعب ملاحظة ذلك، غير أن له كبير الأهمية. هذا التداول أمر صحي وضروري بالنسبة لنا، قياساً على أننا مصاحبين لزمن محدد، أعضاء ضمن شراكة خاصة، هذا التداول نفسه عبارة عن عقبة أمام تنمية فضلى لطبائعنا. الطبائع ذات قدرات كشفية، عجائبية وشعرية على نحو أصيل، لا يمكن لها أن تنبثق ضمن الظروف التي نعايشها”(2).
هوامش :
1 : Asmaa Stiouat – A note, on : lameenvogue.com.
2 : La poésie est le réel absolu – Novalis, fragments logologiques, sur le site : Oeuvres Ouvertes.
مترجما تحت عنوان : شذرات لوغولوجية لنوفاليس (حمودة إسماعيلي).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة