علوم وتكنولوجيا

أخيراً يعرف العلماء مصدر أغرب رسائل فضائية.. ما أهمية ذلك؟

أخيراً يعرف العلماء مصدر أغرب رسائل فضائية.. ما أهمية ذلك؟ – علاء الدين السيد

على مدى العشر سنوات الماضية، استطاع عدد من علماء الفلك التقاط انفجارات قوية بشكل لا يمكن تصديقه من الإشارات الراديوية القادمة من الفضاء الخارجي، يطلق على هذه الإشارات اسم «تدفقات الراديو السريعة – fast radio bursts» أو (FRBs).

لا يستمر هذا النوع من الموجات سوى لبضع أجزاء من الثانية، إلا أنه قادر على توليد الكثير من الطاقة التي توازي كمية الطاقة المتولدة من 500 مليون شمس، لكن العلماء لم يكونوا قادرين على تفسير أو تحديد المكان الصادرة منه أو سبب حدوث هذه الموجات من الأساس.

تحديد المصدر لأول مرة

الآن، وللمرة الأولى، تمكن العلماء من تتبع مصدر أحد هذه التدفقات في مجرة صغيرة قزمة أبعد من مجرتنا درب التبانة، والتي يعتقد العلماء أنها المصدر الخاص بهذه الإشارات الغامضة، وقال أحد الباحثين المشاركين في الاكتشاف، شامي تشاترجي، من جامعة كورنيل، «نحن نعرف الآن أن هذا التدفق يأتي من مجرة قزمة تبعد أكثر من ثلاثة مليارات سنة ضوئية عن الأرض»، مؤكدًا أن هذه الحقيقة البسيطة المكتشفة تمثل «تقدمًا كبيرًا في فهمنا لهذه الظاهرة المثيرة للاهتمام».




وقد جرت عملية عرض النتائج يوم الخميس الخامس من يناير (كانون الثاني) 2017، في اجتماع للجمعية الفلكية الأمريكية في ولاية تكساس، ونشرت النتائج في وقت واحد في صحف علمية مختلفة، مثل نيتشر ومجلة الفيزياء الملكية، وتمثل هذه النتائج حدثًا مهمًا للغاية لعلماء الفلك، وهو ما يفسر هذا الاهتمام الكبير.

وقد اكتشف أول تدفق لهذه الموجات في عام 2007، ومنذ ذلك الحين، بدأ علماء الفلك عملية بحث مجنونة وهستيرية من أجل إيجاد المزيد من هذه الإشارات الغامضة، وعلى الرغم من أن الباحثين يقدرون أن هناك حوالي 2000 من هذه التدفقات السريعة يجري إطلاقها عبر الكون كل يوم، إلا إن الإمساك ورصد مثل هذه التدفقات عمليًا هو أمر في غاية الصعوبة أكثر مما نتوقع.

وفيما يتعلق بالعدد الصغير من الإشارات التي تمكن العلماء من رصدها، كانت تتميز بأنها شاردة وغير منتظمة، وقادمة من أماكن مختلفة، مما يجعل من الصعب للغاية تحديد النقطة التي تسببت في إطلاقها على وجه الدقة في الكون.

لكن هذا الأمر تغير طوال العام الماضي، عندما اكتشف الباحثون أول دليل على وجود تدفقات راديو سريعة متكررة، تحديدًا 11 دفقة من هذه الموجات جرى رصدها قادمة من منطقة واحدة أبعد من مجرة درب التبانة كلها. بعد ذلك، وفي شهر ديسمبر (كانون الأول)، جرى الكشف عن ستة تدفقات قادمة من نفس الموقع، وأعطيت هذه الإشارات المتكررة اسم (FRB 121102).

الآن، وباستخدام تلسكوب يسمى (Very Large Array) الموجود في مدينة نيو مكسيكو، تمكن الباحثون في نهاية الأمر من تحديد منشأ هذه التدفقات على وجه الدقة. فخلال 83 ساعة من زمن الرصد خلال أكثر من ستة أشهر في عام 2016، اكتشف التليسكوب تسعة دفقات من (FRB 121102)، وقد كان ذلك كافيًا للسماح للعلماء بمعرفة مصدرها، ولدهشتهم، كانت هذه الموجات قادمة من مجرة قزمة خافتة تبعد أكثر من ثلاث مليارات سنة ضوئية عن الأرض.

ظاهرة كونية

وقال كاسي لو، أحد الباحثين المشاركين في الاكتشاف من جامعة كاليفورنيا، «نحن أول من أظهر أن هذا الأمر هو ظاهرة كونية. هذه الظاهرة ليست مجرد شيء بسيط يحدث في الفناء الخلفي لمجرتنا. لأول مرة نرى المكان الذي يبث هذه الظاهرة في هذه المجرة الصغيرة»، مضيفًا أن الاكتشاف مثل له مفاجأة بالفعل لم تكن متوقعة، وأن هدفهم الآن هو معرفة لماذا يحدث ذلك.

قبل اكتشاف دفقات الراديو المتكررة هذه، كانت الفرضية الرئيسية التي توضح سبب ومصدر هذه الإشارات الغريبة هو أنها قادمة من داخل مجرتنا درب التبانة، وأنها كانت نتيجة لاصطدام كارثي بين اثنين من النجوم النيوترونية، وهي العملية التي تشكل الثقب الأسود. لكن هذه الفرضية جرى استبعادها تمامًا بعد الاكتشاف الجديد.

وقال أحد أعضاء الفريق البحثي من جامعة ماكجيل الكندية، شريهارش تيندولكار، إنه قبل أن يعرف العلماء مدى البعد الذي تنطلق منه دفقات الراديو السريعة هذه، ظهرت عدة تفسيرات مقترحة تخص مصدرها تقول إنها يمكن أن تكون قادمة من داخل أو بالقرب من مجرتنا درب التبانة. وأضاف «نحن الآن استبعدنا تلك التفسيرات، على الأقل بالنسبة لهذه الدفقات التي رصدها التليسكوب في نيو ميكسيكو».

دليل آخر يتعلق بهذا الاكتشاف الجديد هو أنه، بالإضافة إلى الكشف عن هذه الدفقات القوية جدًا بشكل لايصدق، فقد لاحظ الفريق البحثي مصدرًا مستمرًا ودائم الانبعاث لدفقات راديو أضعف في نفس المنطقة، كانت قادمة من مسافة 100 سنة ضوئية تقريبًا.

وقال عضو الفريق البحثي، بينيتو ماركوتي إننا نعتقد أن الدفقات المرصودة والمصدر المستمر، من المحتمل أن يكونا  إما من نفس الجسم أو لجسمين مختلفين لكنهما –بطريقة أو بأخرى– مرتبطين مع بعضهما البعض فيزيائيًا».

المرشحون الكبار لمصدر هذه التدفقات السريعة يمكن أن يتمثلوا في رأي العلماء حاليًا في النجوم النيوترونية الشابة، وهي الأجسام الكثيفة التي تتشكل بعد انهيار نجم، وتنبعث منها نبضات راديوية منتظمة لأنها تدور. وثمة فرضية رائدة بين الفريق البحثي هي أن تدفقات الراديو السريعة يمكن أن تنتج أيضًا عن طريق الماجنيتارات «magnetars» عالية المغناطيسية، وهي نوع من النجوم النيوترونية التي تحاط بالمواد المقذوفة من انفجار السوبرنوفا أو جرى رفضها من قبل النجم النابض وهي ناتجة عن ذلك.

ولكن هناك احتمالات أخرى أيضًا، مثل فكرة أن المجرة يتدفق منها انبعاثات راديو من المنطقة المحيطة بالثقب الأسود الهائل الموجود في مركزها. وهناك أيضا احتمال أن هذه التدفقات المتكررة القادمة من هذه المجرة القزمة البعيدة تختلف بطريقة أو بأخرى عن التدفقات التي جرى اكتشافها سابقًا، والتي قد يكون لها مصدر مختلف آخر.

وفي كلتا الحالتين، نحن الآن على الأقل لدينا مكان للبدء منه عندما يتعلق الأمر بفهمنا لهذه الإشارات المبهمة. وقال تشارجي إن العثور على المجرة المضيفة لهذه المجموعة من التدفقات ومعرفة مدى بعدها يمثل خطوة كبيرة للأمام، و«لكن لا يزال لدينا الكثير الذي يجب عمله قبل أن نفهم تمامًا ما هي هذه الظاهرة وما هي طبيعة هذه الموجات».

وزن الكون

ويعود الفضل لمثل هذه التدفقات الغامضة لكم كبير من موجات الراديو القادمة من أعمق أعماق الكون، ليحصل العلماء أخيرًا على جوابهم. فالحسابات النظرية ترجح أن الكون يحتوي على ضعف عدد الذرات التي يمكننا رؤيتها حاليًا في جميع هذه المجرات والنجوم والكواكب، وإذا ما كانت الحسابات النظرية هذه صحيحة، فالسؤال المنطقي سيكون أين تختفي هذه الذرات إذا؟

هذه الذرات التي لا نراها تختبئ وسط السحب الكبيرة التي تقع بين المجرات، ولاحظ هنا أننا نقول بين المجرات وليس داخل المجرات.

في يوم 18 أبريل (نيسان) عام 2015، تمكن أحد تليسكوبات أمواج الراديو الكبيرة في أستراليا من التقاط تدفق موجات راديو جديدة. في هذه اللحظة نشأت حالة طوارىء في جميع أنحاء العالم بين جميع علماء الفلك والفضاء، لتُوجه خلال ساعات قليلة عددًا كبيرًا من التليسكوبات إلى مصدر هذا الانفجار في محاولة للبحث عن إشارة الراديو هذه.

أحد التليسكوبات الأسترالية الأخرى تمكن من التقاط النقطة التي جاء منها هذا التدفق للموجات، وتمكن المراقب الوطني للفضاء في اليابان من إيجاد مجرة جديدة في هذا الموقع. المجرة الجديدة تبعد حوالي ستة مليار سنة ضوئية عن مجرتنا درب التبانة.

عمليات القياس والرصد هذه كانت مميزة جدًا للعلماء، لأنه ولأول مرة يتم تحديد المسافة التي انطلقت منها موجات الراديو هذه. عملية القياس هذه كانت هامة للغاية بالنسبة لمحاولات العلماء معرفة وزن الكون، ويرجع ذلك إلى أن موجات الراديو أثناء سيرها في الفضاء تتسبب كمية المادة التي تواجهها في الفضاء في فصل الترددات المختلفة لهذه الموجات. هذا الأمر يشبه عملية تحلل الضوء الأبيض بواسطة المنشور الثلاثي.

ونتيجة لعملية تحلل أو انفصال الترددات هذه، فإن الترددات الأعلى تصل قبل الترددات الأصغر. من هنا فإن فترة التأخر بين وصول أعلى تردد ووصول أقل تردد، سيمكن العلماء من تحديد كم المادة التي مرت هذه الموجات عبرها خلال سيرها في الكون من نقطة المصدر وحتى وصولها إلينا.

المصدر: ساسة بوست

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى