مقالات فكرية
ماذا تعرف عن العقل التواصلي لدى هابرماس ؟
ماذا تعرف عن العقل التواصلي لدى هابرماس ؟ – بقلم: نورالدين علوش
يعد الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، أحد الوجوه الفلسفية البارزة في القرن العشرين، ويعتبر في نظر المؤرخين للفلسفة ممثلا للجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت النقدية، وإن كانت لديه اختلافات مع ممثلي هذه المدرسة.
ويمكن اعتبار هذا الفيلسوف موسوعيا، فقد تطرق إلى الفلسفة والسوسيولوجي والتداوليات والأخلاق والسياسة؛ في مجموعة من كتاباته منها: ملامح فلسفية وسياسية والخطاب الفلسفي للحداثة وأخلاقيات المناقشة والحق والديمقراطية.
ومن أبرز نظرياته، نظرية الفعل التواصلي التي تجاوز بها العقل الأداتي ليطرح مفهوم العقل التواصلي، وما أحوجنا اليوم إلى عقل تواصلي يحقق لنا الإجماع والتفاهم والحوار.
* العقل الاداتي: طبيعته وسماته
يميز هابرماس في كتاباته بين العقل الاداتي والعقل التواصلي، فما طبيعة العقل الاداتي؟ وما سماته؟
– الطبيعة الاختزالية للعقل الاداتي: لقد ظهر مفهوم العقل الاداتي في العديد من مؤلفات الفلاسفة والمفكرين السابقين على هابرماس، أهمهم: هوركايمر وادورنوفي “جدل التنوير” وكتاب أفول العقل لهوركيمر وماركيوز في كتابه “الإنسان ذو البعد الواحدّ” وكلهم يجمعون على أن العقل الاداتي هو منطق في التفكير وأسلوب في الرؤية العامة، أي أن العالم الاجتماعي أصبح له طبيعة ثانية وأصبح كالطبيعة غير قابل للتغيير ومستقل عن أفعالنا.
إنه العقل المهيمن في المجتمعات الرأسمالية الحديثة الذي فقد فيها العقل دوره كملكة فكرية، وتم تقليصه إلى مجرد أداة لتحقيق أهداف معينة ، كما أصبح أداة لتوفير الوسائل.
انطلاقا من كتاب “التقنية والعلم كأيديولوجيا” يرى هابرماس أن العقل الاداتي يعبر عن العقلانية الاداتية والتي لهبت دورا هاما في المجتمع الرأسمالي الحديث.
– سماته:
إن هذا العقل ينظر إلى الطبيعة والواقع من منظور التماثل، ولا يهتم بالخصوصية إنه يحاول تفتيت الواقع إلى أجزاء غير مرتبطة، كما ينظر إلى الإنسان باعتباره جزءا يشبه الأجزاء الطبيعية المادية.
إن هابرماس يقصد من وراء نقده للعقل الاداتي: هدم معطيات هذا العقل وذلك من خلال القضاء على مركزه الفلسفي الوضعي الذي أبرز هذه الرؤية.
* العقل التواصلي:
للخروج من سلبيات العقل الاداتي، يطرح هابر ماس مفهوم العقل التواصلي الذي يعتبره المخرج من هيمنة العقل الاداتي.
فالعقل التواصلي مفهوم صاغه هابرماس لمحاولة تنمية البعد الموضوعي والإنساني للعقل، إنه فاعلية يتجاوز العقل المتمركز حول الذات والعقل الشمولي المنغلق الذي يدعي أنه يتضمن كل شيء، والعقل الاداتي الوضعي الذي يفتت ويجزئ الواقع؛ ويحول كل شيء إلى موضوع جزئي حتى العقل نفسه.
فالعقل التواصلي لم يعد جوهرا أكان هذا الجوهر موضوعا أو ذاتا بل صار معمولا به. لقد أصبح العقل معه وسيلة إذ يرى أنه من الحكمة البحث عن ما هو عقلاني عوضا البحث في مفهوم العقل.
بالإضافة إلى أن هذا العقل متواصل مع غيره، ولا يقوم على الضغط بل على الاتفاق وهدفه بلورة إجماع يعبر عن المساواة داخل فضاء عام ينتزع فيه الفرد جانبا من ذاتيته ويدمجها في المجهود الجماعي الذي يقوم بالتفاهم والتواصل العقلي.
وما أحوجنا اليوم إلى التواصل في زمن العنف والتطرف!
ألم يحن الوقت بعد للدخول في عالم التواصل والحوار؟
المصدر: ميدل ايست أون لاين
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة