كيف ذهب روبير ريشار ليقتل الناس فى المغرب؟ – عاطف محمد عبد المجيد
“فى الوقت الذى كان العالم يستعد للتعايش مع ما كان يُسمى بالنظام الدولى الجديد، ويدفع أولى خطواته داخل فندق مفتوح للعموم، اُطلق عليه اسم العولمة، جاءت تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر 2011 لكى تقلب الحفل على أهل العُرس والمدعوين معًا”.. هذا ما يقوله إدريس الكنبورى فى كتابه “سلفى فرنسى فى المغرب.. ريشار أنطوان من بيشاور إلى طنجة” الصادر حديثًا عن دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة.
و”الكنبورى” يحاول فى كتابه هذا أن يُسلط الضوء على حالة مواطن فرنسى قاده اعتناقه للإسلام إلى السقوط فى حضن الشبكات الإرهابية، كما يريد أن يسد النقص الذى تشكو منه المكتبة المغربية فى موضوع السلفية الجهادية.
أيضًا يأتى هذا الكتاب ساعيًا إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة بناء على وقائع التحقيق مع ريشار، وعلى عدد من الحوارات التى سُجلت معه من داخل السجن، الأسئلة هى: هل أدى ريشار دوره وانتهى الأمر؟ هل لم يعد يُشكّل أية أهمية؟ هل تم تضخيم ملفه أكثر من اللازم؟
سلفي فرنسي
انهيار برلين
بداية يقول المؤلف إنه ما كاد القرن العشرون يترك مكانه للقرن الحالى، حتى بدأت قواعد اللعب فى التبدل شيئًا فشيئًا، فى ظل مناخ عالمى مكتنز بشتى الاحتمالات. واحتل الإسلام مجددًا واجهة المسرح منذ أن تغيّب عنها طيلة قرن كامل تقريبًا، منذ سقوط الأستانة، فظهر الحديث عن الخطر الإسلامى، أو الخطر الأخضر، بديلا عن الخطر الشيوعى الأحمر الذى يجمع أسلحته المهترئة، وانكفأ على نفسه بعد انهيار برلين”.
الكتاب يرصد حياة روبير ريشار منذ طفولته فشبابه، ثم دخوله الإسلام وما ترتب عليه منتهيًا به وهو داخل السجن فى المغرب لتورطه فى أحد التفجيرات، وبكتابه هذا يُرسل الكنبورى رسالة إلى الجميع، متخذًا من ريشار نموذجًا، محذرًا إياهم من الانسياق وراء أفكار ظلامية تحيد بالأفراد عن الطريق الصحيح، حاضًّا إياهم على التحلى بروح الإسلام السمح الذى لا يريد، بل يمنع وقوع أى أذّى على أحد حتى وإن كان كافرًا.
من يقع الكتاب بين يديه يجده مُقسّمًا إلى خمسة فصول: اعتناق الإسلام.. رمال متحركة فى جغرافيا العنف، مسار الأمير التائه، وثيقة روبير ريشار.. مراجعة أم صرخة قهر، مرافعة فى السلفية الجهادية، نص الحوار مع روبير ريشار من داخل السجن.
وفيه نقرأ أن الباحث الفرنسى “أوليفييه روى” يرى أن الشباب الفرنسى الذى ينحدر من أُسَر عمّالية يُعادى النظام بشكل جوهرى، ويمثل اعتناق الإسلام بالنسبة إليه التحدى الأعظم للنظام، إنهم يتحولون دينيًّا نتيجة لفشل آبائهم، أما فرهد خوزروخر الباحث الفرنسى أيضًا فيرى أن الإسلام يُشكل نوعًا من الملاذ للمسحوقين والمحرومين، لأنه أصبح دين المقموعين، المؤلف يرى كذلك أن هناك كثيرين تعرّفوا إلى الإسلام من خلال الطرق الصوفية، وظلوا يعيشون على وعى مغلوط بأن هذه الطريقة هى هى الإسلام، وأن الإسلام هو هو الطريقة، وفى الواقع، من وجهة نظر المؤلف، يتعلق الأمر بمشكلة أساسية وهى كيفية تقديم الإسلام للآخر، وتعدد قنوات تصريف صورة الإسلام فى الخارج فى غياب سياسات حقيقية للدوائر الإسلامية فى الغرب وما عداه.
البحث عن الذات
من الكتاب نعرف أيضًا أن روبير ريشار أنطوان هو أول شخص أجنبى من جنسية أوروبية يتم اعتقاله فى دولة عربية إسلامية بتهمة التحضير لعمليات إرهابية، وهو يمثل نموذجًا للأوروبيين الذين تم استقطابهم من قِبَل تنظيم القاعدة أو جماعات السلفية الجهادية، بل إنه يُعد أيضًا حالة متفردة لشخص أوروبى يجرى اختياره كـ “أمير” لواحدة من الجماعات الجهادية، حتى وإن كان مفهوم الإمارة هنا لا يعنى الإمارة الدينية، بل نوعًا من القيادة العسكرية، وهو أيضًا يمثل واحدًا من ضحايا الجماعات السلفية الجهادية فى العالم العربى والإسلامى الذين تم استقطابهم وتجنيدهم من قِبل المتطرفين الإسلاميين بعد اعتناقهم للإسلام دون المرور عبر تأطير دينى سليم، وتحويلهم مباشرة من تلقين الشهادة إلى العمل الحركى.
الكتاب يُعرّفنا كذلك أن روبير ريشار ولد فى الثلاثين من يناير من العام 1970 بضواحى سانت إيتيان، ونشأ فى أسرة تتكون من ثلاثة إخوة هو أوسطهم، لم يُكمل ريشار تعليمه ليدخل فى حياة الانحراف والتشرد ويبدأ رحلة البحث عن الذات فى مدينة صغيرة يقيم بها العديد من المهاجرين الأتراك الذين يمتلكون محالَّ تجارية بالمدينة ويُسيّرون المنتديات الرياضية والجمعيات.
أيضًا مما يراه الكاتب أن روبير ريشار لم ينْتمِ للإسلام بقدر ما انتمى لتيار سياسى معين باسم الإسلام نفسه، خصوصًا وأنه أسلم وهو فى الثامنة عشر من عمره، وهى سن يصعب فيها التمييز بين الأشياء التى تُقدم له، خاصة إذا كانت من خارج ثقافته، وفى حالة روبير ريشار الضائع الذى فقد نقطة ارتكازه فى حياته، فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدًا، وبمعرفة كيف يتم غسل أدمغة الشباب بسهولة، ندرك إلى أى حد تكون المهمة أسهل مع شخص أجنبى.
“الكنبورى” يذكر أن روبير ريشار تنقل بين عدة دول منها تركيا التى غادرها إلى المغرب، وفى مدينة طنجة نسج علاقات بعناصر تنتمى إلى الجماعات السلفية الجهادية داخل المدينة، ونظرًا إلى تنقله بين فرنسا وبلجيكا وسبتة يجد نفسه داخل نسيج متشابك من العلاقات.الكنبورى يذكر كذلك أن تزايد عدد معتنقى الإسلام فى الغرب جعل الجماعات الإسلامية المتشددة تعتبره مصدرًا هامًّا للتجنيد فى صفوفها، وترى الباحثة الألمانية ميلينا أوهلمان فى دراسة لها أن ذلك يعود إلى إدراك تلك الجماعات بأن الغربيين المتحولين إلى الإسلام يضمنون ” تجنيدًا جيدًا ” بسبب كونهم يعيشون فى مجتمع الرفاه، ويعرفون القواعد غير الرسمية، ولديهم الحرية فى التحرك داخل البلدان الأوروبية دون مشكلات أمنية ومن غير إثارة الشكوك، وفى السياق نفسه يرى الباحث الأسبانى أن الجماعات الجهادية تدرك بأن أحدًا ما بعينين زرقاوين وباسم عائلة غربى سيثير شكوكًا أقل.
مراجعة وحوار
وبعد تورطه فى عدة عمليات إرهابية ودخوله السجن يُراجع ريشار نفسه، وفى مراجعته يبعث برسالة موجهة إلى الشباب الغيور على دينه، داعيًا إياهم إلى عدم الاغترار بالشبهات قائلا: ” فلتكن تجربتى خير دليل على مدى تدمير هؤلاء لحياة الناس .فيا أخى لا تقع فى شراكهم ولا تكن ضحيتهم المقبلة.ولتعلم أنهم استباحوا الكذب تحت ما يُسمى بالتقية، ولذلك كن على حذر منهم، فإن نجحوا فى استقطابك استغلوك فى قضاء أغراضهم”.
فى “سلفى فرنسى” يورد إدريس الكنبورى النص الكامل لوثيقة المراجعة التى كتبها روبير ريشار، كما يورد نص الحوار الذى أُجرى معه داخل السجن وفيه يتحدث عن مرحلة طفولته التى يصفها بأنها كانت عادية جدًّا، ويتحدث فيه عن التحول الذى حدث له فى حياته أيام كان عمره ثمانية عشر عامًا، عندما التقى بعض الأتراك وبدأ يستعمل المخدرات ويتردد على النوادى الليلية، ولم يعد يهتم بالحياة والمستقبل، وفى هذه الفترة بدأ الأتراك يحدثونه عن الإسلام.فى حواره من داخل السجن يتحدث ريشار عن اعتناقه للإسلام وأول شيء حدث له بعدها وعن التعاليم الدينية التى تلقاها من الأتراك، وعن رحلته إلى تركيا وكيف عاش هناك، وعن سفره إلى باكستان والمغرب.كذلك لا ينسى ريشار أن يذكر اقتراحاته لمحاربة الإرهاب قائلا إن محاربة الإرهاب بالطريقة الأمنية لا تكفى، ولابد من محاربته بطريقة علمية.كما يرى أهمية تحرير الشباب من الفكر الإرهابى وتحذيرهم من الوقوع فريسة له، كما يحكى كيف وقع له التحول بعد دخوله السجن.