ثقافة وفنون
لن يموت شيء – بقلم: سلمى نبيل
لن يموت شيء – بقلم: سلمى نبيل
لو أتيح لي الاختيار سأختار الجنون، سأختار العشوائية، فالعقلانية مملة. قل لي، كم مرة سنحيا؟ مرة واحدة؛ إذن فلنعشها كما نرغب، أحرارًا ومجانين.
وإذا أتاك الحزن متسللًا، فادعه إلى رقصة لطيفة،وغن كثيرًا،أتعرف افعل أيًّا ما يجعلك سعيدًا،مبتهجًا،مستمتعًا بالحياة.
سأصارحكم،أنا كثيرًا ما أشعر بثقل الحياة،حينما ينتصر نصفي الرصين على نصفي المجنون.
وإن أكثر ما يثير في الأسى، أننا قد اعتدنا على التجهم حتى غدا ذلك مسجيًا ومسطورًا في شخوصنا، حتى صرنا نعتبر ذلك الذي يمزح دائمًا ويتصرف على سجيته مجنونًا، لكن هب أنك نظرت من خلال عينيه، ستجد أنه هو من يعتبرك أبلهًا،فما في الحياة الذي يستحق أن نبتئس لأجله،أو أن نتجهم؟حتى وإن كنت في أشد لحظات حزنك ابتسم،فربما فتن أحدهم بابتسامتك،وإني لمغرمة ببيت الشعر الذي يقول:
فلعل غيرك إن رآك مرنمًا .. طرح الكآبة جانبًا وترنما
إنني أحكي عن الجنون الجميل الذي نختاره نحن بأنفسنا، لكن ماذا لو أن الجنون هو من اختارنا؟ ماذا لو أن الجنون كان إحدى الفضائل المستساغة؟
الأبله، أحد أعمال دوستويفسكي المفضلة لديّ. حقيقة الأمر، عندما تنهي قراءتها تنتابك نوبة من الهلع، هل من البلاهة مقابلة الإساءة بالعرفان؟ هل المشاعر الصادقة دومًا ما تجلب لصاحبها الشرور؟
هل المداهنة تسمو بصاحبها لأعلى درجات السلم الاجتماعي؟ أين الجنون في رجل خلع ثوب الكذب والخديعة والنفاق والرياء واختار النقاء؟ الجنون هنا لا يعدو كونه metaphor، أو الدارج لدينا بالاستعارة لنصل إلى حقيقة إنسانية ثابتة، وهي أن الجنون إنما هو ما حاق في المجتمعات من انغماس في دركات الهوة الأخلاقية، فذاك المجتمع بكل بساطة لم يعد يستطيع أن يتعامل مع شخص البطل المتمثل لدينا بالأمير ميشكين، ذي الحسب والنسب، الأمير هو إنسان ذو حسب لا يبدو ذلك من خلال مظهره، أو من خلال ما لم يمتلكه، وإنما من خلال تعامله مع الآخرين. وهو بإصرار الكاتب أمير، ويبدو وكأنه نعت أكثر منه لقب في رأيي.