مؤكد أنك تناولت من قبل شريحة بيتزا باردة في صباح اليوم التالي من تحضيرها واستمتاعك بطعمها وهي ساخنة وطازجة في الليلة السابقة. فهل وجدت طعمها وهي باردة كما لو كانت طازجة بالأمس؟ بالتأكيد لا!
فعلى الرغم من أن مكونات البيتزا وهي باردة لم تختلف عن مكوناتها عندما كانت ساخنة، لكن هناك خطبٌ ما! فالطعم يبدو مختلفًا وغير مرغوب تقريبًا!
فهل الفرق في درجات حرارة الطعام يؤثر على النكهة والطعم؟
باختصار، يُمكن القول أن التطور البشري اعتاد تفضيل الطعام الساخن. فمن الناحية الكيميائية، يزداد إدراك حاسة التذوق للطعم مع الطعام الساخن، بينما يقل عندما يبرد ويفقد حرارته.
قبل بضعة ملايين من السنين، وقبل أن يكتشف الإنسان البدائي النار بمحض الصدفة، كان الخيار الوحيد للبشر تناول الطعام البارد الخام. وبقي البشر على هذا الحال حتى قبل حوالي 2 مليون سنة عندما اكتشف الإنسان الحجري النار.
فمع هذا الاكتشاف البسيط، تغيَّرت حياة الإنسان 180 درجة، فأصبح يطهو طعامه ويُخيف أعداءه وينام لياليه الطويلة بدفءٍ وأمان.
منذ ذلك الحين، أصبح الطعام الساخن الخيار المفضَّل للناس لأسبابٍ مختلفة. منها سهولة هضمه عن الأكل البارد. إذ يستلزم الكثير من الوقت لهضم الطعام البارد في المعدة كونه يعتمد فقط على اللعاب وعصارة المعدة الهاضمة.
أما الغذاء الساخن، فيُمكن القول أنه مهضوم جزئيًا بفضل الخصائص الحرارية التي تعمل على تفعيل تفاعلات كيميائية في الغذاء ما يسمح بحدوث تغييرات في الطبيعة الأساسية للطعام كاللحوم والحبوب والخضروات بحيث تُصبح أسهل في الهضم.
فمع تسخين الغذاء، تزيد السعرات الحرارية المتوافرة في الطعام والتي نستمد طاقتنا منها. وأظهرت العديد من الدراسات أننا نستطيع الحصول على 30% من الطاقة من القمح بعد طهيه، و90% من الطاقة من البقوليات بعد طبخها، وذلك لأن الجهاز الهضمي يُصبح قادرًا على امتصاص السعرات الحرارية من الطعام مباشرةً دون الحاجة لعمليات الهضم المعقدة.
وبعد سلسلة طويلة من البحوث والدراسات، تبيَّن أن براعم التذوق على ألسنتنا تلعب دورًا بارزًا في تفضيلنا للطعام الساخن على البارد.
حيث أن القنوات الصغيرة في براعم التذوق لدينا والتي تُرسل إشارات كهربائية إلى الدماغ عن الطعم والتذوق، تعمل بكفاءة أكبر في درجات حرارة أعلى. ما جعلنا نتذوق النكهة أفضل مما لو كان الغذاء باردًا.
كما أن درجات الحرارة المرتفعة قادرة على إخفاء بعض المذاقات غير المرغوبة مثل المرارة أو الحموضة. فالقهوة الباردة تبدو أكثر مرارة من الساخنة لأن الحرارة كانت تُخفي الطعم المر.
ويجب إدراك حقيقة أن الطعام الساخن لا يعني أفضل، لكنه يعني استجابة أكثر كثافة للنكهة من الغذاء البارد. لهذا السبب أنت تُفضل شريحة البيتزا ساخنة، تمامًا كالحساء أو الباستا وغيرها من أصناف الغذاء اللذيذة.