علوم وتكنولوجيا
هل للصيام فوائد صحية حقاً؟ ماذا يقول العلم ؟
هل للصيام فوائد صحية حقاً؟ ماذا يقول العلم ؟ – محمد حمدي أبو السعود
للانقطاع عن الطعام ساعات طويلة آثار جيدة وأخرى سيئة، لكن هواة الحديث عن “الإعجاز العلمي” في كل ما يتعلق بشريعة الإسلام، يصرّون على أن للصيام فوائد صحية كثيرة، وينكرون الجانب السيئ، فيحوّلون بذلك فريضة الصوم إلى نوع من وصفة طبية.
مع حلول شهر رمضان كل عام، تتسابق البرامج الفضائية في القنوات العربية إلى استضافة أطباء وخبراء تغذية لتقديم النصائح لجمهور المسلمين بخصوص الأطعمة والمشروبات التي تعطي الجسم الطاقة اللازمة للاحتفاظ بكفاءته وقت الصيام، جنباً إلى جنب مع استضافة “علماء” دين يكررون ما يقولونه سنوياً عما للصيام من فوائد روحية، ودعاة الإعجاز العلمي الذي يصرّون على أن للصوم فوائد صحية وينكرون آثاره السلبية.
رمضان لدى البعض: “أكل ومرعى وقلة صنعة”
رغم ما ينصح به الأطباء من الامتناع عن ملء البطون خلال الإفطار والسحور، حتى يتمكن الإنسان من أداء عمله، ورغم ما يشدد عليه بعض المشايخ من أن حكمة الانقطاع عن الطعام والشراب هي الشعور بمعاناة الفقراء، داعين إلى البعد عن التبذير، فإن الواقع يقول إن إنتاجية الموظفين في الشرق الأوسط تنخفض بين 25% و40% خلال شهر رمضان، كما أن الإنفاق على الطعام والشراب يرتفع إلى ثلاثة أضعاف، بحسب استطلاع رأي.
وإذا كان ارتفاع النفقات يعود بصفة أساسية إلى السلوك الشخصي والعادات الاجتماعية، فإن تراجع الإنتاجية لا يمكن تعديد أسبابه دون أن يوضع بينها انخفاض الكفاءة البدنية والذهنية للصائم، وهو ما أكدته دراسة أجراها قسم العلوم الطبية الحيوية في كلية الطب الجامعي في جامعة أبردين البريطانية، بالتعاون مع كلية العلوم الصحية وقسم طب الأطفال في كلية الطب في جامعة الكويت.
وتوصلت الدراسة التي نشرتها المجلة الأوروبية للتغذية السريرية، إلى أن النمط الغذائي للصائمين في رمضان، يتسبب بشكل أساسي في الجفاف، ومن ثم يُحدث خللاً في الوظائف الإدراكية، وانخفاضاً في معدل استهلاك الطاقة، وزيادة في الخمول، إلى جانب سرعة في التهيج المزاجي الذي يرجع في جزء منه إلى الحرمان من مصادر الكافيين وكذلك النيكوتين للمدخنين، فضلاً عن الإصابة بالصداع بنسبة بلغت 67%، والصداع النصفي بنسبة 14%.
الدراسة رصدت أيضاً أن معدل حوادث السيارات يزيد في شهر رمضان في الدول ذات الأغلبية المسلمة، ورجحت أن يكون ذلك بسبب التغيّر المزاجي والخلل في الوظائف الإدراكية، إلى جانب الإصابة بالإجهاد الحراري.
ومع زيادة مدة الصيام إلى 18 ساعة فما فوق، أو ارتفاع درجة الحرارة، يصاب الصائم بضعف في العضلات، وتتزايد الشكاوى من التعب والدوخة والغثيان، إذ يبلغ الجفاف أقصاه لدرجة أن الإنسان ربما لا يتحمل الوقوف منتصباً لفترة طويلة.
وإذا كان ما سبق هو تأثيرات يعانيها الأصحاء الذين يعيشون في ظروف طبيعية، فإن الوضع يكون أسوأ لدى أصحاب الظروف الخاصة، إذ وجدت الدراسة أن الصيام يؤدي إلى تأخر نمو الجنين في رحم الأم، كما يسبب تراجعاً في إنتاج اللبن في أثداء الأمهات المرضعات.
وأشارت الدراسة إلى تقرير يحذّر من خطر الصيام على مرضى السكري الذين يعتمدون على الإنسولين، وبيّنت حدوث زيادة كبيرة في مضاعفات القرحة الهضمية، إلى جانب نتائج كارثية على مرضى الكلى.
“الإعجاز العلمي” لصق فوائد الصيام “الطبي” بـ”الإسلامي”
في المقابل، يصر دعاة الإعجاز العلمي على إنكار هذه الأضرار، ويعددون الفوائد الصحية التي تثبتها الدراسات عن الصيام، ولكن من دون أن يشيروا إلى أن هذه الفوائد إنما تخص “الصيام الطبي” الذي يسمح بتناول العصائر لإمداد الجسم بما يحتاجه من طاقة، بينما تحصل المعدة “بيت الداء” على الطعام لعدد محدد من الساعات وفق جدول زمني يحدده الطبيب لكل شخص على حدة.
وذلك على العكس من الصيام الإسلامي الذي تتحدد مدته بحسب الموقع الجغرافي، اقتراباً وابتعاداً عن خط استواء الشمس، وهي مدة تراوح بين 9 ساعات و22 ساعة.
وأمام ما أكدته دراسة جامعة أبردين عن ضعف عضلات الإنسان وتراجع وظائفه الإدراكية، نتيجة الصيام الإسلامي، فإن الدكتور عبد الباسط السيد، رئيس جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمصر، يقول إن هناك “هرمونات” يفرزها جسم الصائم تزيد قوة عضلاته، كما تزيد نسبة ذكائه.
الصيام الطبي: سمعة سيئة وأساس علمي هش
ويخلط دعاة الإعجاز العلمي بين الصيام الإسلامي والصيام الطبي، ربما عن جهل، وربما عن تدليس عاطفي، بينما لا يبتغي الصائم من صيامه عادة إلا الأجر والثواب، اعتماداً على الحديث القدسي “كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.