متابعة لمقال “لماذا يستحيل وجود جحيم او عذاب بعد الموت” – مناقشة بعض التعليقات
متابعة لمقال “لماذا يستحيل وجود جحيم او عذاب بعد الموت”
كتبت مقالة سابقة بعنوان ” لماذا يستحيل وجود جحيم بعد الموت؟ ” – يمكنك الاطلاع عليها بالضغط على عنوان المقالة.. وقد حققت انتشارا واسعا كما انهالت عليها وعلى كاتبها الكثير من التعليقات التي اتخذت الطابع الهجومي والنبرة الحادة فضلا عن السباب والشخصنة ألا وهي أسهل طرق الدفاع لدى العقل الباطن لصد الأفكار الناقدة.. وكل ذلك كان مفهوماً ومتوقعاً بالنسبة لي..فلا بأس..فأريد أن أشكر كل من قرأ المقالة أي كان ردة فعله وأي كان تعليقه، وأشكر بصفة خاصة أولئك الذين عارضوا الفكرة بأسلوب حضاري ووضعوا نقداً راقيا لا يحمل سباباً او تعرضاً الى شخصي. ونقطة أخيرة أريد الاشارة اليها بخصوص ردود الفعل وهي أن مؤيدي الفكرة التي احتوتها المقالة كانوا أكثر بكثير من معارضيها مما شجعني على مناقشة المقالة باستفاضة وتفنيد التعليقات المعارضة لشرح الفكرة.
قبل التعرض الى تلك التعليقات التي وإن كانت تحمل بعض المغالطات الا أنها تستحق الرد عليها فأريد في البداية أن أنوه عن بعض النقاط الهامة لا بد مراجعتها..
أول نقطة: مراجعة لمصطلح النقد الموضوعي .. فما هو ؟ النقد الموضوعي هو نقد فكرة بدون التأثر او الانطلاق من قناعات شخصية وبدون تحيز الى رأي من الاراء، وانما نقد الفكرة بشكل عقلاني ومحايد والتجرد من كل الافكار ( الانحيازات ) الموضوعة مسبقاً في عقل الناقد لكي يتم الخوض في الفكرة بشكل موضوعي واستخلاص نقاط الضعف والقوة معاً، ثم الخروج بنتيجة موضوعية. عدا ذلك فهو نقد غير موضوعي ويفتقد للتوازن والمصداقية.
النقطة الثانية وهي عبارة عن مغالطة منطقية تسمى بمغالطة الاستدلال الدائري.. وتعريفها نصاً : الاستدلال الدائري مبني على اثبات فكرة عن طريق الاستدلال ببرهان من ضمن الفكرة الاساسية. مثلاً نقول أن الدليل على أن القرآن غير محرف هو أن القرآن يقول ذلك. وهذا بالطبع خطأ لأنه لا يكون دليلاً بل هو لا يتخطى كونه ادعاء.وربما هذه المغالطة نجدها في معظم الردود التي تتعلق بمواضيع نقد الاديان.
النقطة الثالثة والاهم والتي أريد شرحها هي أنني طرحت فكرتي بناء على عاملين، أول عامل هو افتراضية وجود إله (عادل) وعالم آخر – والثاني هو فرضية الاحتماليات. وركزت فكرتي على جانب محدد وهو علاقة الجحيم بالنسبة الى عدم الايمان بمعتقد معين، فأنا لم اطرح مسألة الجحيم وعلاقته بالاخلاق وفكرة الثواب والعقاب، أي أنني لم أخض في نقاش وجود الجحيم من عدمه بشكل مطلق.. والشخص الذي لديه القليل من القدرة على الاستيعاب يستطيع ملاحظة هذا الأمر ولذلك لم أكن بحاجة للتنويه عنه في المقالة السابقة فالمقالة كلها كانت تدور حول الجحيم كنتيجة لعدم الايمان بدين دون اخر والفارق بين الفكرتين هو أن فكرة الجحيم للمجرمين كتطبيق لمبدأ الثواب والعقاب الإلهي هي تقريبا نفس فكرة الاله او تستمد وجودها من فكرة الاله وتلك لا يمكن حسمها سواء بالايجاب او السلب فقد يكون هناك خالق وهناك جحيم معد لمعاقبة لمجرمين والذين يتسببون في ايذاء البشر.. وقد لا يكون…فهذا الجحيم لا يقتصر على دين من الاديان بل نفهمه بمفهوم الخير والشر لدينا نحن البشر.. ولكني حسمت فكرة الجحيم الذي ينتظر شخصا لم يؤمن بدين دون اخر وهذا بعد– افتراض – صحة الفكرة الاولى وهي وجود الاله العادل لأنها فكرة محسومة منطقياً فهي تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص وموضوعية الاختيار، وفي الغالب هي فكرة موضوعة من البشر لاستقطاب اكبر عدد ممكن لهذا الدين دون الاخر ومن ثم تكبر قوتهم ونفوذهم، ولا يمكن لفكرة كتلك أن تكون موجودة حقاً الا في حالة وجود خالق سادي هدفه تعذيب المخلوقات فقط. وللتفرقة بين فكرتي جحيم الثواب والعقاب والجحيم الذي ينتظر اشخاص لم يؤمنوا بدين معين دعونا نطلق على الفكرة المثارة أي الفكرة الثانية مصطلح “الجحيم العقائدي”.
والآن لنفند بعض التعليقات..
هناك بعض التعليقات التي تقول بأنه لا يجب عليك قراءة كل الأديان وانما يكفي قراءة أديان محددة ومن ثم تستطيع الوصول لنتيجة واعتناق دين معين من بينهم.. حسنا ، سأورد هنا المثال الأول
المثال الاول : شخص يريد أن يعتنق ديناً، وهذا الشخص يجد أمامه 4000 دين.. ربما أول ما سيأتي بباله هو أن يبحث عن الأديان الاكثر عددا وانتشارا.. حسناً ماذا لو اقتصرت المقارنة على عدد معين من الاديان واهملت اديان اخرى وكان من بين تلك الاديان التي أهملتها الدين الحقيقي؟ (فرضية الاحتماليات)
وبخصوص فرضية الاحتماليات، ففي ظل وجود الحجج التي تقوي كل دين ضد الاخر وجميع الاديان تتساوى في الحجة والبرهان في عين معتنقيها، فكل شخص يعتنق ديناً من الاديان يعتقد أن الكون بأكمله يتمحور حول ديانته فقط وهذا أمر مشترك بين كل الاديان بل هو أساس من أسس الدين بشكل عام.. ماذا لو كنت مسلماً وكانت المسيحية على حق؟ وماذا لو كنت مسيحياً وكان الاسلام على حق؟
فالحجج تساوت .. وبالتالي النتيجة لا بد ان تتبع الحجج ايضا.. إما جميعها خاطئة..وإما جميعها صحيحة.
اما من يقول بأنه لا يجب عليك معايشة الاديان ولكن يكفي الاطلاع عليها
فهنا المثال الثاني : اذا كان هذا الشخص على دين معين وسيخوض رحلة في مقارنة الاديان لاختيار دين اخر.. ففي هذه الحالة لا يكفي الاطلاع على كل الأديان فقط، بل ومعايشتها .. لماذا ؟ حسنا سأجيبك.. ربما تكون محقاً بشأن أن الاطلاع على جميع الاديان يكفي ليحقق عدالة الجحيم دون حاجة الى المعايشة .. ولكن هذا في حالة واحدة فقط.. أن يولد كل البشر ملحدين بلا أديان او معتقدات ثم ينطلقوا في اختيار الدين كل حسب ما يقنعه. أما في حالة وجود جحيم مع وراثة الاديان سيكون مبنياً على شيء من الانتقاء وليس الفرص المتساوية، فمثلا نحن نجد هذا ولد مسلماً و ذاك ولد مسيحياً وذلك بوذياً..ثم نطلب من المسلم ان يقرأ في المسيحية ويعتنقها ونطلب من البوذي أن يقرأ في الاسلام .. ان هذا الأمر يفتقد لتساوي الفرص ويحدث خللاً في المعادلة لسبب بسيط وهو أن المسلم عاش الاسلام ثم قرأ المسيحية والبوذية وذلك يعطي أولوية للاسلام لأنه ترسخ في ذهنه بالتلقين والتنشئة وتأثر بالاجواء والطقوس والعبادات الاسلامية فاحتل حيزاً أكبر داخل قناعته من ذاك الدين الاخر الذي قرأ عنه بعض السطور او المقالات، ولموازنة المعادلة بحيث يكون الاختيار مبنيا على قناعة اكثر مصداقية وموضوعية لا بد أن يحظى الدين الاخر أيضا بنفس القدر من المعايشة والاجواء الروحانية.. وهذا كما قلت مستحيل بسبب عدم كفاية العمر البشر.. هنا تنتفي موضوعية الاختيار .. ومن ثم تنتفي عدالة الجحيم.
. والان .. بالعودة الى النقطة الاولى التي أشرت اليها في البداية وهي الحكم الموضوعي او النقد الموضوعي يكون الجحيم فكرة تفتقد الموضوعية حيث لم يتم اعتناق الدين عن طريق الاختيار الموضوعي ومن ثم تسقط موضوعية الجحيم ثم عدالة الجحيم بالتبعية.. وهو ما يتناقض مع فكرة الخالق العادل.
من جانب اخر دعونا نطرح هذا التساؤل .. اذا كان المسلم سيدخل الجنة والمسيحي الجحيم النار فلماذا الانتقاء؟ أقصد لماذا ولد المسيحي مسيحياً ليكون للمسلم أولوية لدخول الجنة بسبب ايمانه بدين ولد عليه ونشأ عليه وتأثر به بينما المسيحي او البوذي لم يخضع لهذه التربية فلم يتأثر به، ألا يوحي ذلك بشيء من التمييز وعدم المساواة؟
وتساؤل اخر .. هناك حتى الان 7 مليارات انسان يعيشون على كوكب الارض .. فهل اله الاسلام سيدخل نحو مليار ونصف فقط الجنة بينما يتكفل الجحيم بالمليارات المتبقية ؟ هل هذا سيكون عدلاً، أن يولد مليار ونصف على الاسلام ( دون ارادتهم من البداية ) فيدخلون الجنة ويولد الاخرين على اديان اخرى فيدخلون النار ؟ هل كان ذلك معداً من البداية أن يدخل مليار ونصف فقط الجنة، وهل ذلك لأن مساحة الجنة لا تكفي مثلا ؟!
كل هذه الامور تنفي عدالة الجحيم ومن ثم تنفي وجوده ( في حالة وجود خالق عادل ) سيقول لي أحدهم عدالة البشر غير عدالة الخالق ومنطق البشر غير منطق الخالق فلا يجوز القياس .. اذن فبأي قياس يمكننا أن نصل الى نتيجة ؟ بالرجوع الى كتاب دين من الاديان ؟ وهنا سنعود للنقطة الثانية التي اشرت اليها في البداية وهي مغالطة الاستدلال الدائري ..
مرة اخرى .. بافتراض وجود إله، وبافتراض أن هذا الإله عادل، فلن يكون هناك جحيم عقائدي، لأن البشر لم يحظوا جميعهم بنفس الفرصة ( الظروف ) في الاختيار .. ولأن متوسط العمر البشري لا يسمح بتعويض الفرصة المفقودة سلفاً بنشأتهم على دين معين انتموا إليه بالوراثة.
لمتابعة الكاتب على فيسبوك : Eslam M Essmat