الحب الإلهي عند الصّوفيّة – إعداد/ فاتح عسّاف جامعة فيلادلفيا
ظهور الحركة الصّوفيّة :
أسهم عدد من العوامل في ظهور الحركة الصّوفيّة في المجتمع الإسلامي ، ومن عوامل نشوء التصّوف عامل “الزهد ” الذي بدأ يظهر عند المسلمين نتيجة إقبال الناس على الدنيا لإشباع شهواتهم ، مما جعلهم يبتعدون عن جوهر الدين الإسلامي الذي يحث الناس على العمل من أجل آخرتهم وليس من أجل دنياهم ، إذ كلما أقبل الإنسان على الدنيا شغلتهم بما فيها من مغريات ، وحثتهم على طلب المزيد ، وقد يرتكب الكثير من النّاس الخطايا في سعيهم من أجل دنياهم ، خاصة بعد توسّع الدولة الإسلامية نتيجة للفتوحات الإسلامية ، وكثرت الأموال بين أيدي الناس مما دفعهم للإستمتاع بهذه الدنيا ولو كان ذلك على حساب دينهم .
ويقول إبن خلدون أن من أسباب ظهور هذه الجماعة ” فلم فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني ومابعده ، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوّفة ” (1) وهذا دفع هذه الجماعة إلى الإبتعاد عن ” زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ، والإنفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة ” ( 2 ) .
ويقول أبو العلا عفيفي أن من عوامل نشوء هذه الجماعة هو الصراعات التي نشأت بين المسلمين على الخلافة ، وخاصة بين علي بن أبي طالب ومعاوية ، وكثرت الخلافات الفقهية بين المسلمين حول مشروعية هذه الحروب ومانتج عنها من إنقسام داخل المجتمع الإسلامي . وقد دفعت هذه الفوضى السياسية والإجتماعية التي سادت المجتمع الإسلامي بفئة من المسلمين إلى الفرار من الحياة ، والإبتعاد عن الناس ، واعتمدوا الخلوة والتفرغ لعبادة الله هدفاً لحياتهم ( 3 ) . وكأنهم بذلك يتبرّؤون من الدنيا والناس والحياة ومافيها ومن فيها .
تعريف الصوفيّة :
يتداخل في تعريف الصوفيّة معنيان : المعنى اللغوي ، والمعنى الإصطلاحي ، فقد ورد معنى الصوفي اللغوي مشتقاً من كلمة ” صوف ” وهو هذا اللباس الخشن الذي كان يرتديه هؤلاء الناس صيفاً وشتاءاً ، ويقول أبو نصر الطوسي أن لبسة الصوف كانت ” دأب الأنبياء عليهم السلام وشعار الأولياء والأصفياء ” (4) ويضيف : ” نسبوا إلى ظاهر اللباس ، ولم ينسبوا إلى نوع من العلوم والأحوال التي هم بها مترسّمون ، لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصدّيقين وشعار المساكين المتنسّكين ” (5 ) . ويقول الكلاباذي ” أنّهم سمّوا صوفيّة للبسهم الصوف ” (6 ) ، لأن ” الصوف لباس الأنبياء وزي الأولياء ” ( 7 ) . وهذا مايقوله السهروردي أيضاً ” فالقول بأنهم سموا صوفيّة للبسهم الصّوف أليق وأقرب إلى التواضع ، وأقرب أن يقال لمّا آثروا الذبول والخمول والتواضع والإنكسار والتخفي والتواري كانوا كالخرقة الملقاة والصّوفة المرميّة التي لايرغب فيها ولايلتفت إليها فيقال صوفي …. ولم يزل لبس الصّوف اختيار الصّالحين والزهاد والمتقشّفين والعبّاد ” (8 ) . وهذا الرأي يدعمه ابن خلدون بقوله ( والأظهر إن قيل بالإشتقاق أنّه من الصّوف وهم في الغالب مختصّون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب إلى لبس الصّوف ” (9 ) .
وإن كان هذا هو المعنى الشائع والأكثر قبولاً عند الصوفيّة إلا أنّه وردت تفسيرات أخرى لمعنى الصّوفية ولكنّهاكانت أقلّ قبولاً عند الصّوفية ، ومن هذه التعريفات مايرويه الكلاباذي من أنّهم سموا بالصوفيّة لقرب أوصافهم من جماعة من المسلمين كانوا في زمن الرسول في مكان يسمّى الصفة ، (10) .
إذا كان لبس الصّوف يعكس المظهر الخارجي للإنسان فإنه ليس كل من لبس الصّوف أصبح صوفيّاً ، ، فليس كل من يلبس الصوف يطلق عليه ” الصّوفي ” فأخذ معنى الصوفية والصّوفي ينحو حول تحديد دور من يتصف بهذه الصفة ليس حسب اللباس ولكن حسب حاله وسلوكه ، وإيمانه وتقواه وورعه ، والكثير من الصّفات التي تؤدّي في مجملها إلى الإيمان المطلق بالله ، ولكن حسب المواصفات التي وضعها شيوخ الصّوفية لأتباعهم من الصوفية ، ويصعب علينا إيراد جميع ماورد من تعريفات للصوفيّة في كتب مؤرّخيها ، ولكنها تصب جميعها في خط واحد هو تمايز هذه الفئة وتفضيلها على جميع فئات البشر خاصة في ما يتعلق بأمور الدين وطبيعة العلاقة مع الله .
من تعريفات التصوّف والصوفيّة ماأورده الطوسي على لسان العديد من المتصوّفة : فقد قال ذو النون المصري أن الصوفيّة ” هم قوم آثروا الله تعالى على كل شيء ، فآثرهم الله على كل شيء ” وقال الجنيد عندما سئل عن الصوفيّة من هم ؟ ” أثرة الله في خلقه يخفيها إذا أحب ، ويظهرها إذا أحب ” ، وقال أبو الحسن القناد أن معنى الصوفي ” مأخوذ من الصفاء وهو القيام لله عز وجل في كل وقت بشرط الوفاء ” ويقول الطوسي عندما سئل عن الصوفيّة أنهم ” العلماء بالله ، وبأحكام الله ، والعاملون بما علمهم الله تعالى ، المتحققون بما استعملهم الله عزّ وجلّ ، الواجدون بما تحققوا ، الفانون بما وجدوا ، لأن كل واجد قد فني بما وجد ” ، وقال سمنون أن الصّوفية تعني “أن لاتملك شيئاً ولايملكك شيء ” ( 11 ) .
ويعرض القشيري علينا بعض تعريفات الصوفية بقوله : قال الجريري عن التصوف أنه : ” الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني ” ، وقال دلف الشبلي أن التصوف هو ” الجلوس مع الله تعالى بلا هم ” وقال أبو حمزة البغدادي ” علامة الصوفي الصّادق أن يفتقر بعد الغنى ، ويذلّ بعد العز ، ويخفى بعد الشهرة ، وعلامة الصّوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر ، ويعز بعد الذل ، ويشتهر بعد الخفاء ( 12 ) . ويقول الكلاباذي في معرض تفسيره لمعنى الصوفيّة : ” إنما سمّيت الصوفيّة صوفيّة لصفاء أسرارها ونقاء آثارها ” ، وقال بشر بن الحارث ” الصّوفي من صفا قلبه لله ” ( 13 ) .
يصف لنا الغزالي في كتابه ” المنقذ من الضلال ” تحوّله إلى الطريقة الصّوفية بعد أن كان مقبلاً على الدنيا منغمساً في علوم غير مهمّة ولا نافعة في طريق الآخرة ( 14 ) وأقبل على قراءة الصوفية ليجد ” أن طريقتهم تتم بعلم وعمل ، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس والتنزّه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة ، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكره ” ( 15 ) ، ويصف الغزالي الصوفيّة بقوله : ” إني علمت يقيناً أن الصوفيّة هم السابقون لطريق الله تعالى خاصّة ، وأن سيرتهم أحسن السّير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ……فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوّة ، وليس وراء نور النبوّة على وجه الأرض نور يستضاء به ” ( 16 ) .
وضع الصوفيّة أنفسهم في المكانة الأعلى بين الناس ، ونسبوا لأنفسهم صفات قلّ نظيرها بين البشر ، فهم الأغنى بالرغم من أنهم لايملكون شيئاً ، وهم الأقوى بالرغم من أنهم كانوا أضعف من أن يدافعوا عن أنفسهم ، وكانوا يستبشرون خيراً بأنهم هم الفئة المسلمة الوحيدة التي حازت على رضا الله ، فقد رضي الله عنهم وأحبّهم ، وأخلصوا هم من جانبهم لله ، وعبدوه عبادة خالصة ، وتنكروا للدنيا ومافيها من شهوات ، واعتزلوا الدنيا بكل مافيها من مغريات ، ولم يكن لهم فيها أي مطلب ، وماصدر من أقوال عن شيوخ الصوفيّة يبيّن لنا أنهم ما سلكوا هذا الطريق إلا عن قناعة ، ولم يقولوا كلمة لم يكونوا غير مقتنعين بها ، وهذا مادفع الغزالي ليصفهم بصفات قلّ أن تجدها بين الناس ( 17 ) .
كانت حياة الغزالي ( توفي عام 505 هجرية ) صورة واضحة للصّوفي الذي بدأ حياته مقبلاً على الدنيا ، ولكنه هجرها بالرغم من الشهرة التي حصل عليها ، والثروة الطائلة التي كانت لديه ، وشرع يقول بعد أن وصل إلى هذه المرحلة ” وكان قد ظهر عندي أنه لامطمع لي في سعادة الآخرة إلاّ بالتقوى وكفّ النفس عن الهوى ، وأن رأس ذلك كلّه قطع علاقة القلب عن الدنيا بالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والإقبال بكنه الهمّة على الله تعالى ، وأن ذلك لايتمّ إلاّ بالإعراض عن الجاه والمال والهرب من الشواغل والعلائق ” ( 18 ) .
وبدأ حياة جديدة تعتبر نموذجاً للصّوفي والصّوفيّة ، طبّق خلالها تصوّره لمفهومي ” العلم والعمل ” ، فقد حصّل علوم الصّوفية ، ولم يبق عليه سوى تحويل العلم إلى عمل ، وخاصة عندما تعلم منهم ” أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل ، وكان حاصل علمهم قطع عقبات النفس ، والتنزّه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة ، حتى يتوصّل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله ” ( 19 ) .
وعندما حصّل من علوم الصّوفية ماكان كافياً لاتّخاذ قراره المصيري بالرحيل من هذه الدنيا الفانية كان يتصوّر شهوات الدنيا تجذبه لتمنعه عن الرحيل ، ولكنه كان يسمع ” منادي الإيمان ينادي : الرحيل ، الرحيل ، فلم يبق من العمر إلا القليل وبين يديك السفر الطويل ، ، وجميع ماأنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل ، فإن لم تستعد الآن فمتى تستعد ؟ وإن لم تقطع هذه العلائق فمتى تقطع ؟ فعند ذلك تنبعث الداعية وينجزم العزم على الهرب والفرار ” ( 20 ) .
كان الغزالي النموذج الحي للصوفي المدرك لدور الإنسان في هذه الدنيا وهو الإرتباط بالله تعالى ، والعمل على كل مايرضيه والتكفير عن أيّة خطايا يكون قد ارتكبها في حياته ، وهذا التكفير لن يحصل إلا إذا عمل الإنسان على التقرب من الله ، بل إن التقرّب قد لايكون كافياً ، إن مايريده الصّوفى هو أن يحظى بحب الله ، ولكن حب الله هو جانب واحد من الحب ، والجانب الثاني هو حب الإنسان لله ، فكيف يمكن أن يتحقق الإنسان من أن حبه لله قد وصل إليه ؟ وكيف يمكن للإنسان أن يحب الله ؟ هذا إذا علمنا أن حب الإنسان لله هو من أهم علامات القربى له ، وقد سعى الإنسان في كل زمان ومكان لإرضاء الآلهة التي يعبدها لعلمه أنّها تراقبه في خطواته وأعماله بل حتى في سكناته ، لذلك كان الإنسان حريصاً على الإقتراب من آلهته .
هكذا كان المسلمون ، فقد آمنوا بإلآه واحد , ، وكرّسوا حياتهم لعبادته ، ولكنّهم كانوا يريدون ماهو أكثر من ذلك ، ذلك هو الحب ، الحب الذي يعبّر به الإنسان عن أسمى أنواع العلاقة بين الإنسان وخالقه ، ووجد المسلمون أن الحب هو هذه العلاقة السّامية هي التي يجب أن تربط الإنسان بالله تعالى، وكانت الصوفيّة هي هذه الجماعة التي أعطت الحب لله تعالى معنىً خاصّاً لم يوجد إلاّ لديهم في تاريخ الفكر العربي الإسلامي .
الحب الإلهي عند الصوفية :
ارتبط مفهوم الحب الإلهي في تاريخ الفكر العربي الإسلامي بالصوفيّة ، والواقع أن مفهوم الحب الإلهي لم يكن إبداعاً صوفيّاً من حيث المبدأ ، فقد ورد مفهوم الحب الإلهي أول ماورد في القرآن الكريم ، حيث خاطب الله عباده المخلصين بقوله أنه ” يحبهم ويحبّونه ” ( 21 ) ، وقد ورد العديد من الآيات في القرآن الكريم تؤكّد حب الله للمؤمنين بحيث يشمل هذا الحب جميع مجالات الحياة التي يحياها المؤمن ، وقال تعالى ” والله يحبّ الصابرين ” ( 22 ) ، وقوله ” والله يحب المحسنين ” (23) وقوله تعالى ” فإن الله يحب المتقين ” ( 24 ) . وهذا بعض مما ورد في القرآن الكريم والذي يبيّن أن الله تعالى هو الّذي بدأ بمخاطبة المسلمين ليبيّن لهم طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين الله وعباده ، وهي علاقة تقوم على مبدأ الحب الّذي يمنحه الله لعباده ، إذا كانوا من الصّابرين ومن المحسنين ومن المتقين .
كانت بداية الحب إلاهيّة ، من الله تعالى للإنسان ، ولكن هل يمكن أن تكون هذه العلاقة متبادلة ، أي أن يحب الإنسان الله كما يحب الله الإنسان ؟ لانستطيع القول أن طبيعة هذا الحب يحمل في جانبيه تكافؤاً من نوع ما ، فإن حب الله للإنسان ليس كحب الإنسان لله ، فهناك دائماً الجانب الأقوى في هذا الحب وهو الله تعالى ، وهناك الجانب الأضعف وهو الإنسان ، ولايمكن تحت أي ظرف عقد مقارنة بين هذين الحبيّن ، فالله هو الخالق وهو المنعم بيده القوّة والملك ، وقد ورد في القرآن الكريم ” ليس كمثله شيء ” ( 25 ) فقد نزّه الله نفسه في هذه الآية الكريمة أن يوصف بما يصف الناس به بعضهم بعضا ، وما يحيط بهم في هذا الكون .
ومايمكن أن ينطبق على أنماط السلوك البشري ضمن الحدود البشريّة لايمكن أن ينطبق على الله تعالى ، لأنّه أكبر من أن يوصف بصفات وضعها الناس للتفاهم في ما بينهم ، وبالتالي فإن الحب من جانب الله للبشر ليس هو نفسه حب الإنسان لله ، وإن اتفقا بالمعنى إلاّ أن الطريقة تختلف ، وهذا مايشير إليه القشيري بقوله ( وليست محبة العبد له سبحانه متضمّنة ميلاً ، كيف وحقيقة الصمدية مقدّسة عن اللحوق والدرك والإحاطة ” (26 ) فالإنسان ليس بيده سوى الطّاعة التي يجب عليه أن يقدّمها لله تعالى . فأذا كان الأقوى هو الذي يبادر بعرض حبّه على الأضعف : فإن دور الأضعف وهو الإنسان أن يبادر بالإستجابة لهذة الدعوة الكريمة وهي أن يحب الله شكراً له على نعمه . ” وهذا الّذي يمثل جانب الطّاعة والخضوع لله ، فليس من العبادة في شيء أن يرفض الإنسان الإستسلام لله ، ويستكبر عن اتباع منهجه والإنقياد لشرعه ” ( 27) ، وكما قال الله تعالى بأنه يحب المؤمنين من عباده فهو يطلب منهم أن يحبّوه ، ويقول تعالى” قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ” ( 28) ، وقوله تعالى ” ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله ” ( 29) . نلاحظ في الآيتين السابقتين أنهما تطالبان المؤمنين بحب الله ولكن أي نوع من الحب ؟ إنه الحب القائم على الإيمان بالله وطاعته ، وتتحقّق طاعته باتباع أوامره وتجنب نواهيه ، لأن الله لايأمر إلاّ بالخير ، ومايحقّق الخير للإنسان .
أفرد الصوفيّون مساحات واسعة من كتاباتهم لموضوع الحب الإلهي باعتباره من أجلّ أنواع
السلوك التي يتوجب على المؤمن إتباعها إذا أراد أن يحوزعلى حب الله ، وبدأت تظهر في عباداتهم وصلواتهم أشكال مختلفة من السلوك الإيماني الذي كان برأيهم يميزهم عن غيرهم من المسلمين .
قال أبو طالب المكي ” أن المحبّة أكمل مقامات العارفين … وهي إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين ” ويقول ” فالمحبة تكون هبة من الله تعالى لأصفيائه من الأولياء ، وهي أكمل أنواع المقامات التي يحققها المؤمن ” و ” كل مؤمن بالله فهو محب لله ، ولكن محبته على قدر إيمانه ، وكشف مشاهدته ، وتجلي المحبوب له على وصف أوصافه ” (30 ) . ويقول القشيرى أن الحب هو تفضيل الله لجماعة معينة من الناس هم عباد الله المخلصين بقوله ” الحب حالة شريفة ، شهد الحق سبحانه بها للعبد ، وأخبر عن محبته للعبد ” (31 ) ، ويرى القشيري أن الله تعالى إذا أراد أن ينعم على عبده بصورة عامة فإن هذه النعم تدخل في باب الرحمة الإلهية أمّا إذا تعلقت بخصوصها فإنّها تسمّى رحمة ” (32 ) .
يعلم الإنسان أنّ الله يراه وهو يعمل ، ويسجّل عليه أعماله ، فمن عمل صالحاً بتقرّبه لله حظي بحبّه ، ويجب على الإنسان أن يرد هذا الحب بالإخلاص لله تعالى عن طريق الحب أيضاً . لأن الحب هو شكل من أشكال التعبير عن الشكر ، والله هو أحق مايجب على الإنسان أن يشكره على نعمه الكثيرة التي منحها للإنسان ، وأهمّها نعمة الإيمان ، ويدخل الإنسان في ” حال المحبة ” التي يصفها الطوسي بأنها هي حال ” لعبد نظر بعينه إلى ماأنعم الله به عليه ، ونظر بقلبه إلى قرب الله تعالى منه وعنايته به ، وحفظه وكلاءته له ، فنظر بإيمانه وحقيقة يقينه إلى ماسبق له من الله تعالى من العناية والهداية وقديم حب الله له ، فأحب الله عزّ وجلّ ” ( 33 ) .
يقول الطوسي أن أهل المحبة في ثلاثة أحوال : الحال الأوّل هو محبّة العامة ، وهذا ناتج من إحسان الله إليهم وعطفه عليهم . والحال الثاني وهو يتوّلد من نظر القلب إلى غناء الله وجلاله وعظمته وعلمه وقدرته ، وهذا النوع من الحب يصل إليه الصّادقون والمتحقّقون . أما النوع الثالث من الحب فهو محبّة الصديقين والعارفين ، تولدت من نظرهم ومعرفتهم بقديم حب الله تعالى بلا علة ، فكذلك أحبّوه بلا علة (34 ) . إن الحال الثالث من تصنيف المحبين عند القشيري ينطبق تماماً على الصوفيّة ، لأن الصوفي إذا أحب الله ، فإنه لايحبه لغرض بنفسه ، فهو قد هجر الدنيا بما فيها ، وتحوّل إلى حال الزهد ، ولم يبق له في هذه الدنيا مايحبها ، فكان حبّ الله هو البديل الأسمى له ، ومن كان سعيه لله فقد أمن على نفسه في الدنيا والآخرة .
رابعة العدويّة
كانت رابعة العدويّة ( توفيت عام 185 هجريّة ) أوّل من قال بحب الله بلا علّة وهي من أقدم المتصّوفين في تاريخ التصوّف الإسلامي ، فقد وصلت في بدايات حركة التصوّف إلى مرحلة متقدّمة في حب الله ، ماجعلها تحمل لقب ” شهيدة العشق الإلهي ” ( 35 ) . فقد نذرت حياتها لحب الله ، بعد أن هجرت الدنيا ، واعتزلت حياة الناس ومن أقوالها :
أحبك حبين حب الهوى وحبّاً لأنّك أهل لذاكا
فأمّا الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمّن سواكا
وأمّا الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولاذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ( 36 )
ويشرح الغزالي هذه الأبيات لرابعة بقوله ” ولعلّها أرادت بحب الهوى حب الله لإحسانه إليها ، وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة ، وبحبّه بما هو أهل له الحب لجماله وجلاله الذي انكشف لها وهو أعلى الحبّين وأقواهما ” (37 ) .
وتحب رابعة الله تعالى لأنّه يستحق هذا الحب ، بل وصل بها الأمر إلى إفراغ نفسها من أي نوع من أنواع الحب الذي يمكن أن تكون أحد أهدافه مصلحة أنيّة ، أو لتحقيق رغبة دنيوية ، أما هي في هذا الموقف فلم يعد لها في هذه الدنيا أية مطالب ، ولم يعد سوى مطلب واحد بل هو أمل واحد ,هو تريد أن تعرف الله ، وهذه المعرفة هي أن يكشف الله لها الحجاب حتى تراه . وكانت رابعة تحرص على أن تثبت لنفسها ولمستمعيها أنّها لاتريد من الله شيئاً ، وأن حبها له ليس مرتبطا بمصلحة تسعى لتحقيقها حتى مع الله ، والبيت الراّبع يبيّن أنها حتى في حال حبّها لله فإنها ليس لها فضل في ذلك ، وإنّما هو لله تعالى . فالشّكر دائماً لله الذي يوجه عباده باختياره لهم كي يحبّوه . ويروى عن رابعة أنها قد أصيبت بمرض ، وقالت لزوّارها عندما سئلت عن سبب مرضها فقالت ” والله ما أعرف لعلّتي سبباً ، غير أني عرضت على الجنّة فملت بقلبي إليها ، ، فأحسب أن مولاي غار علي فعاتبني ، فله العتبى ” (38 ) .
وعندما يصل الصوفي إلى مرحلة أن يميل بقلبه عن الجنّة التي يعرضها الله عليه ، فماذا يريد أكثر من ذلك ؟ إن ماتريده رابعة هو مايريده جميع الصوفيّة هو حب الله دون سبب ، ودون نتيجة ، بل الحب للحب ، بل هو الفناء في الله (39 ) . وهو أقصى مايريده الإنسان من ربّه ومايطالب به نفسه . وفي إحدى الروايات عن رابعة أنّها رأت رجلاً يقبّل صبيّاً من أهله ويضمّه إليه ، فقالت له : أتحبّه ؟ قال نعم ، فقالت له : ماكنت أحسب أن في قلبك موضعاً فارغاً لمحبّة غيره تبارك اسمه . فصرخ الرجل وسقط مغشيّا عليه . وعندما أفاق قال : رحمة منه تعالى ذكره ألقاها في قلوب العباد للأطفال ( 40 ) .
فالحب لله من وجهة نظر رابعة كما تبينه الرواية السابقة تبين لنا موقفين بالنسبة لها : الأوّل : أنها تركت كل أشكال الحب الدنيوي ، والثاني : أن حبّها لله لم يترك في قلبها أي مكان مهما صغر لحب دنيوي ، فقد شغلها حب الله عن كل حب ” لأن الصوفي بالمعنى الوجودي هو ذلك الذي يعزف عن الرضا لأنّه ينطوي على فكرة سلبية خالصة ، فتراه دائماً في خوف على أعماله ” (41)
وقد وصل بها الأمر إلى مناجاة الله مناجاة الحبيب للحبيب تقرّباً لله والمبادرة بإعلان حبّها الدائم له قائلة ” ألهي : أنارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلّقت الملوك أبوابها ، وخلا كل حبيب ٍ بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك . إلهي هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر ، فليت شعري أقبلتَ منّي ليلتي فأهنا ؟ أم رددتها علي فأعزى ؟ فوعزّتك هذا دأبي ماأحييتني وأعنتني ، وعزّتك لو طردتني عن بابك مابرحت عنه لما وقع في قلبي من محبّتك ” (42 ) وينسب لها أنها خاطبت ربّها قائلة ” وعزّتك ماعبدتك خوفاً من نارك ولارغبة في جنّتك ، بل كرامة لوجهك الكريم ومحبّةً فيك ” (43 ) .
تمثّل رابعة صورة الإنسان الذي ليس له في هذا الوجود أي غرض أو هدف أو طمع في أي شيء ، بل إنّها كانت تسعى لإقناع نفسها بأنها قد حازت على أسمى ماكانت تسعى إليه ، وهوأن تهيم بحب الله ، فقط لأنّها تحبّه ، وليس طمعاً فيما وعد الله به عباده الصّالحين ، ولكن هذا لايعني أن رابعة لم تكن من عباده الصّالحين بل كانت كذلك ، فقد اتفقت الطرّق ولكن الهدف مختلف .
الغزالي
سيتحوّل معنى الحب الإلهي عند الإمام الغزالي إلى قضيّة فكريّة لامكان فيها للمناجاة ، أو قول الشعر ، بل إلى عملية تحليل نفسي وأجتماعي تقوم على تفسير الحب الإلهي من بداياته باعتبار أن الحب هو حالة إنسانية ، وأن الحب عندما يبدأ فإنه يكون بين البشر ، ويتسامى مع التطوّر العقلي للإنسان حتى يصل إلى أرفع أنواع الحب وهو حب الإنسان لله تعالى . سعى الغزالي لإثبات أن الذي يستحق الحب هو الله وحده ، وساق الأدلّة على ذلك على النحو التالي :
(الأوّل ) : هو أن الإنسان لايحبّ إلاّ نفسه ، وهو يعمل دائماً على المحافظة على حياته واستمرار وجوده والذي يضمن له هذا الوجود واستمرار حياته هو الله تعالى ، فإنّه يتوجب عليه أن يحب الله تعبيراً له عن شكره وامتنانه لخالقه . وهذا يعني أن بداية الحب عند الإنسان هي بشرية ، فلا يبدأ الإنسان بالحب إلاّ إذا أحب مايعرفه وأوّل مايعرفه هو ذاته ويبدأ بهذا النوع من الحب الأرضي والذي سيرتفع بواسطته إلى أنواع أخرى من الحب تكون محصّلته حبّا أسمى من الحب البشري ، والذي يهدف إلى تحقيق أغراض دنيويّة .
(الثاني ) : هو أن الله هو المحسن لعباده ، وهو يقدّم لخلقه كلّ مايحتاجون إليه في هذه الحياة الدنيا دون أن يكون له حاجة للناس لأنه ، ولايمكن أن نطلق معاني الجود والإحسان على غير الله إلاّ عن طريق المجاز ، ويجب على الإنسان أن يدرك أفضال الله تعالى عليه ، ويجب أن يتوجّه إليه بكل قلبه ، والتفرّغ لعبادته ، وأن يكون حبّه خالصاً لله .
( الثالث ) : هو أنّه يتوجب على الإنسان أن يحب الله حتى لو لم يصله إحسانه ، ، لأن الله تعالى هو المحسن للناس كافة ، ويكفي من إحسان الله للناس منحه الحياة لهم ، وتوفير مايحتاجونه على العموم من النعم ، حتى لو وصلت إلى الناس بصور مختلفة .
( الرّابع ) : وهي أن أشرف مايعرفه الإنسان هو الجمال لأنّه بطبعه يحّب الجمال ، ويميل الإنسان إلى حب الجمال لذاته دون أن يكون من وراء هذا الحب مصلحة له ، والله هو كمال كل شيء وحيث أن الإنسان لايجد حوله في هذا الوجود ماهو مطلق ، فالله تعالى هو غاية الطلب بالنسبة للإنسان ، ويجب عليه أن يحبّه لأن الإنسان يحب الجمال، والله هو الجمال المطلق .
( الخامس ) : هو أن الإنسان يعمد على تنفيذ الأوامر الإلهية بالعبادات ، وعمل الخير ، والإحسان للآخرين ، لأن الإلتزام بالأوامر الإلهيه يعني قرب الإنسان من ربّه ، ويصبح شبيهاً به ، ليس بالصفات ، ولكن بتنفيذ ماأمر به الله ، لأن ماأمر به الله تعالى هو من صفاته ، وكلّما التزم الإنسان أكثر وجب عليه أن يحب الله أكثر . لأنّ الله هو أولى بالحب من غيره ، وأن حب الإنسان لله يكون كاملآً كلّما أحب الإنسان ربّه من كل قلبه ، أما إذأ إذا كانت أي زاوية من زوايا قلبه مشغولة بغير حب الله نقص ذلك من حبّه لله ، ومن يسعى لحب الله فلامكان لأي أمر دنيوي في حياته ” ( 44 ).
وهذا مايؤكّده ابن قيم الجوزيّة بقوله ” أن المحبّة الخالصة أن يُحبّ المحبوب لكماله ، وأنّه أهلٌ أن يُحب لذاته وصفاته ” (45) وقال ” أن الذي يوجب هذه المحبّة فناء العبد عن إرادته لمراد محبوبه فيكون عاملاً على مراد محبوبه منه لامراده هو من محبوبه ” (46 ) 0
فقد وجب على الإنسان أن يردّ الدّين إلى الله ، الذي منحه كل ّ شيء في هذه الحياة ، وماهو مطلوب من الإنسان هو أن يعمل على إرضاء الله ، وعندما يسعى الإنسان إلى إرضاء الله فهو يسعى من ناحية أخرى لإرضاء نفسه ، لأن الله ليس بحاجة لرضى الإنسان عنه ، بينما الإنسان بحاجة إلى رضى الله عنه ، وهو – أي الإنسان – إذا كان لايعلم أن الله قد رضى عنه أم لا ، فأنّه يجب عليه أن يعمل بجد وإخلاص لعلّه يحظى به لأن ” المحبّة لله هي الغاية القصوى من المقامات ، والذروة العليا من الدرجات ” ( 47 ) ، فما يصل إليه الإنسان من تطوّر فكري في حياته لايمكن أن يحقّقه إلاّ إذا كان حب الله يملأ عليه حياته ، و مادام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبه مشغولة بغيره فبقدر ما يشغل بغير الله ينقص منه حب الله ” (48) . وحب الله تعالى لايتجزّأ ، بل هوكلّ لايستطيع أي إنسان كما ذكرت رابعة أن يحب الله ويشرك مع حبه حب أي أمر من أمور الدنيا ” وكمال الحب في أن يحب الله بكل قلبه ” ( 49 ) . لأنه لايوجد قبل الله حب ولا بعده حب لأن ” المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات والذروة العليا من الدرجات ” (50 ) .
ويميّز الغزالي بين حب الإنسان العادي وبين الصّوفي بقوله ” والمؤمنون مشتركون في أصل الحب لاشتراكهم في أصل المحبّة ، ولكنّهم متفاوتون لتفاوتهم في المعرفة ، وفي حب الدنيا ” ( 51 ) ، فهو عندما يتحدّث عن حب الله يقصر حديثه على فئة ” المؤمنين ” وهذا يعني أن معرفة الله قصر على ” المؤمنين ” فقط ، ولكن حتى بين المؤمنين بالله يوجد هناك تفاوت في حب الله وذلك لاختلاف الطرق التي يسعون إليها لتحقيق هذا الحب ، وسبب هذا الخلاف أن هناك الكثير من المؤمنين يقبلون على حب الدنيا ، وهذا مايجعلهم يتراجعون في مستوى الحب الإلهي ، وهناك فئة من المؤمنين وصلت إلى حد المعرفة المطلوبة وذلك بابتعادهم عن الدنيا لأن ” المحبّة نبع المعرفة بالضرورة ولايوصل إلى هذه المعرفة بعد انقطاع شواغل الدنيا من القلب إلاّ بالفكر الصّافي والذاكر الدّائم والجدّ البالغ في الطلب ، والنظر المستمرّ في الله تعالى ، وفي صفاته ، وفي ملكوت سمواته ، وسائر مخلوقاته ” ( 52 ) . وفي ذلك يحدّد الغزالي للمؤمن الطريق التي يجب عليه أن يسلكها حتى يصل إلى مرحلة التصّوف ، وكأن الإيمان لايكفي وحده عند الغزالي للوصول إلى مرحلة الحب الإلهي ، بل هو بحاجة لشروط يجب توفرها فيه للإنتقال من مرحلة المؤمن إلى مرحلة المتصوّف .
ابن الفارض
وبرز موضوع الحب الإلهي بصورة جديدة عند صوفي تميّز عن غيره من الصّوفية السابقين عليه هو عمر بن الفارض ( 577 – 632 هجريّة ) ، الذي عبّر عن حبّه لربّه عن طريق الشعر ، وكان هو الصّوفي العربي الوحيد الّذي انطلقت روحه جيّاشة بالتعبير عن الحب الإلهي من خلال النظم شعراً وترك لنا ديواناً من الشعر يتنقّل من يقرأه بين الصور الجماليّة الرّائعة للحب الإلهي في أجلى صوره ، وأطلق عليه لقب ” سلطان العاشقين ” (53) ، ويصفه أبو العلا عفيفي بأنّه ” أحد أقطاب العاشقين وأعظم شاعر صوفي في اللغة العربيّة على الإطلاق ” (54 ) ، فقد أمضى حياته يعبد الله ويتقرّب إليه من خلال قصائده التي بثّ فيها صور الحب الإلهي ، فقد تغنّى في كل ماهو جميل في هذا الكون ، (55) واتّخذ حبه بالنظر إلى جمال الكون من حوله ليعبّر من خلال عالم الحس المادي ، ومنه إلى عالم الخلود ، حيث يتجلى الله في هذا العالم من خلال معجزات الوجود التي تحيط بالإنسان ، وكل علامة من علامات هذا الوجود تعني أن الله موجود ولكن ليس على شكل المادة ، فكان الحب الذي يطلبه ليس ماديّاً بل يسمو على المادة ليصل إلى الله تعالى ، بما في هذا الحب من روحانيّة . . وكي يحب الإنسان الله يتوجّب عليه أن يتحرّر من سلطة المادة التي تحاصر الإنسان من كل جانب ، وفكّ الحصار هذا يوجب على الصّوفي أن ينطلق في آفاق الكون باحثاً عن سرّ الوجود ، وهذا مالن يصل إليه الإنسان إلاّ إذا تحرّر بروحه من سلطة البدن ومن عالم المادة بما فيها من رغبات وشهوات ، وهذا لايتم إلاّ بتحرير الروح من سطوة الجسد ” وتصفية النفس وتنقية القلب وجلاء عين البصيرة لتستحيل حياة الإنسان في هذه الدنيا إلى حياة روحيّة خالصة ، تستعيد فيها روحه روحانيّتها الأولى وتستشعر حبها القديم الذى منحته قبل أن تهبط من عالمها العلوي وتتصل ببارئها ” (56 ) ، وإذا تمكن الإنسان أن يصل إلى هذه المرحلة ، فإنه يمكن القول أن الإنسان قد أصبح قريباً من الله ، بل قد فني في الله ، لأن الذي يحب الله لايعود له أدنى اهتمام بوجوده الذاتي بل هو يستمدّ وجوده من الله ، وقد نظر إلى المحبّة الإلهية باعتبارها فناء المحب عن نفسه وبقاءه بالله وحده (57 ) .
وقد وصل ابن الفارض إلى مرحل رأى نفسه فيها إمام العاشقين ومرجهعم الأوّل في كل مايتعلق بالحب الإلهي ويدعو الناس إلى اتباع خطواته للوصول إلى مرحلة متقدمة في حب الله وكسب معرفته لأنّه وصل إلى الطريق التي تقوده إلى معرفة الله أكثر من غيره ، ويقول :
زدني بفرط الحب فيك تحيّراً وارحم حشى بلظى هواك تسعّرا
وإذا سألتك أن أراك حقيقةً فاسمح ولاتجعل جوابي لن ترى
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سرّ ارق ّمن النسيم إذا سرى
وأباح طرفي نظرة أمّلتها فغدوت معروفاًوكنت منكرا
فدهشت بين جماله وجلاله وغدا لسان الحال عنّي مخبرا ( 58 )
هل وصل ابن الفارض إلى مرحلة الرؤية التي يدّعيها ، وهل أصبح قريباً من الله تعالى لدرجة أن المحبة الإلهية قد تحقّق مابين الله الذي رضي على عبده وقبل حبّه له مما جعل ابن الفارض يصل إلى مرحلة رؤية الله .
ويبدو أن هذه الحال التي وصل إليها ابن الفرض قد جعلته يشعر بالتفوّق على السابقين والمعاصرين من الصوفية ، لأن ماحصل عليه من الله لم يحصل عليه أحد غيره ، ويقول مخاطباً إيّاهم :
قل للّذين تقدّموا قبلي ومن بعدي ومن أضحى لأشجاني يرى
عنّي خذوا وبي اقتدوا ولي اسمعوا وتحدّثوا بصبابتي بين الورى ( 59 )
فهو المتقدّم على الجميع في مجال الحب الإلهى لدرجة أنّه يطلب من الآخرين أن لايبحثوا عن أسرار الصوفيّة إلا من خلاله ، فهو الوحيد الذي يستحق أن يسمع ، وأن يكون القدوة لغيره ، ولولا استغراقه في الحب الإلهي لما وصل إلى هذه الحالة من الحب الخالص لله ، ويضيف قائلاً :
كل من في حماك يهواك لكن أنا وحدي بكل من في حماكا
فيك معنى حلاك في عين عقلي وبه ناظري معنى حلاكا
فقت أهل الجمال حسناً وحسناً فبهم فاقة إلى معناكا
يحشر العاشقون تحت لوائي وجميع الملاح تحت لواكا ( 60 )
وفي هذه الأبيات ينصّب ابن الفارض نفسه سلطانا للعاشقين ، ويعتبر نفسه المرجع الأول والأخير ، ولم يعد هناك حبّ لله إلاّ بواسطة معرفة ماقام به ابن الفارض للتعبير عن حبّه لله ، وينبه سامعيه قائلاً :
نسخت بحبّي آية العشق من قبلي فأهل الهوى جندي وحكمي على الكل
وكل فتى يهوى فأنّي إمامه وإنّي بريء من فتى سامع العذل
ولي في الهوي علم تجل صفاته ومن لم يفقه الهوى فهو في جهل
ومن لم يكن في عزّة الحب تائهاً بحب الّذي يهوى فبشّره بالذل ( 61 )
ومافعله ابن الفارض فعله معظم الصّوفيّة الذين رأوا بالعزلة ، وهجر الدنيا ، أحد أهم الشروط التي كان عليهم أن يلزموا أنفسهم بها لإرضاء الله تعالى . ولم يكن له هدف سوى محبّة الله دون أن يسعى لتحقيق غرض دنيوي من هذا الحب ، ويقول في ذلك :
تقرّبت بالنفس احتساباً لها ولم أكن راجياً عنها ثواباً فأدنت
وقدّمت مالي في مآلي عاجلاً وما إن عساها تكون منيلتي ( 62 )
كانت صور الحب الإلهي في شعر ابن الفارض أكبر من أن تحصى وتعد واستعراضها في هذه الدراسة ضرب من المستحيل ، ولكن ماكان علينا أن نتحدّث عن الحب الإلهي دون الإشارة لهذا الصوفي الذي أفنى حياته وهو يسعى للتقرّب إلى الله .
لم يكن من أهداف هذه الدراسة كتابة تاريخ الحب الإلهي عند الصوفيّة ، بل كان من أهدافها تسجيل إشراقة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي لطائفة من المسلمين رأوا أن أقرب طريق إلى الله تعالى هو التعرّف على الذات الإلهية ليس من خلال الجنة والنار ، ولا من خلال مظاهر العبادة التي يسعى الناس للتقرب بها للناس أكثر من التقرّب إلى الله ، فكانت طريقهم إلى الله تتم عن طريق إعلان أن حبّهم لله ليس لهم من وراءه غرض دنيوي ، فإن من يحب الله ليس عليه أن يعلن ذلك بل إن كل ماهو مطلوب منهم هو السير على الطريق إلى الله ، ولكن هذه الطريق لم تكن سهلة في الحياة الدنيا ، فإن ماقالته هذه الفئة لم تلق القبول من معظم الناس ، كما أن السلطة الحاكمة لم تكن تنظر إلى هذه الفئة من الناس نظرة طمأنينة ، وماجرى للحلاّج من تعذيب وانتقام وقتل بصورة لم يعهدها المسلمون دليل على ذلك ( 63 ) ، وماحدث للسهروردي من تعذيب وقتل دليل آخر .
الحب والكراهيّة
تحفل اللغة العربية كغيرها من اللغات بالمفاهيم المتناقضة مثل الخير والشر ، والعدل والظلم ، والحب والكراهيّة، هل يمكن أن يكون هناك حبّ دون تكون هناك كراهيّة ؟ يدلّنا الواقع المعاش للإنسان أنّهما وجهان لموضوع واحد ، بل هما قضيّة واحدة ، إذ لايمكن معرفة واحد منها دون النّظر للآخر ، فمن يحب لابد أنّه كان يكره حتى وصل إلى مرحلة الحب ، وكذلك من يكره ، فإنّه يكره لأنّه لايحب ، والحد الفاصل بين النقيضين هو أن من يحب يكون دائماً في وضع أفضل ممن يكره وذلك من الناحية النفسيه ، فالحب هو تعبير عن نوع من الرضى تجاه قضيّة معيّنة . ويعكس الحب حالة من التملّك ضد حالة من الرّفض يمثّلها من يكره ، ولكن لو طرحنا على من يحب سؤالاً : هل تكره ؟ لكان جوابه نعم هو يكره ، ولكن ماذا يكره ؟ لقد كره الصّوفية الفوضى السياسيّة التي سادت المجتع الإسلامي ، وكرهوا الإنهيار الأخلاقي الذي كان السّمة السائدة بين النّاس ، ولاحظوا إقبال النّاس على الدنيا وأمعنوا بالتمسّك بالحياة ، وشادوا العمارة والبناء ، وكثرت لديهم الجواري والعبيد ، وابتعدوا عن الله ، ، لقد كرهوا الحياة الدنيا لأنّها لأنّها تقرّب الناس من المعصية ، وكلّما ازدادت المعاصي تعرّض المجتمع للإنحلال ، ويقول الغزالي أن ” زماننا هذا زمان ذوي الوقاحة والسّفهاء ” (64 ) ، وهذا الزمان الذي عاش به الغزالي هو ” الزمان الذي هلك فيه الخلائق جميعهم ، وقد خبثت أعمال الناس ونيّاتهم ” (65) .
وهذا الزمان الذي كرهه الغزالي نعتبره نحن اليوم من أيّام تفوّق الحضارة العربيّة الإسلامية ، ولكن رؤية أهل زمانه له ، تعكس مرآة صادقة عن الوضع الإجتماعي والسياسي ، وهذا ماسيعكسه لنا الغزالي بقوله ” واستولت على القلوب مداهنة الخلق ، وانمحت عنها مراقبة الخالق ” (66) وأصبح النّاس في أيامه لايخشون شيئاً ولايحسبون حساباً حتى لله تعالى ، وسبب ذلك أنتشار الرياء والنفاق بينهم ، وبسبب هذا الفساد الذي عم الناس وأصبح هو المطلب الأساسي ليحققوا من خلاله مطالب الدنيا ازداد ابتعاد الناس عن دينهم لصالح دنياهم ، وعن خالقهم لصالح مصالحهم الشّخصية ، وها مادفع الغزالي ليصوّر المجتمع الإسلامي بزمانه بقوله ” وقد اندرس فيه الحق وانكسر البثق … فإنّ قوماً اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، وجعلوا التعليمات النبويّة هباءاً منثوراً ، وكل ذلك من قصور الجاهلين ودعواهم في الدين ” (67) .
ويتحوّل كره الغزالي للمجتمع السائد في عصره إلى إدانة لكل أنماط الحياة والسلوك التي يمارسها الناس مهما علت مراتبهم الإجتماعية ، ويتحوّل كرهه إلى أوجه النظام المختلفة من سياسي واجتماعي واقتصادي بقوله ” وأمّا الآن في هذا الزمان ، فكل مايجري على أيدي أمرائنا وألسنة ولاتنا فهو جزاؤناواستحقاقنا ، كما أنّنا رديئو الأعمال قبيحو الأفعال ، ذوو خيانة وقلّة أمانة ، فأمراؤنا جائرون وغشمة معتدون ” (68 ) .
إن كلام الغزالي السابق يعكس المرارة التي تولّدت عنده نتيجة مطالعته لأحوال الناس في زمانه ، وفي هذا الأقوال والتي لايخلو منها زمان تبيّن كره مفكّر للأوضاع السّائدة في زمانه، وليس أمامه إلاّ قبول هذا الوضع أو رفضه ، وقبول هذا الوضع يعني من الإنسان قبول مايكره ، ولكن رفضه له يعني أن هذه الكراهيّة يجب أن تتحوّل للجانب الآخر من التناقض وهو الحب ، لذلك كانت دعوة الغزالي لنفسه ” الرّحيل ، الرّحيل” (69) .
وهذا ماعمل به الصوفيّة وهو الفرار من الدنيا واللجوء إلى الله فقد تفوّق عندهم الحب على الكراهية ، لأن الذي يحب لايمكن أن يكره ، لأن الحب عاطفة تطغى على الإنسان فلايعود يرى إلاّ كل شيء جميل وتتراجع الكراهيّة عنده حتى تتلاشى ، فكيف إذا كان المحبوب هو الله ، وهل من يحبّ الله يمكن أن يكره أحداً ؟ والله هو الحب ذاته ، ويقول ابن قيم الجوزيّة ” فالنفس لاتترك محبوباً ألاّ لمحبوب ، ولاتتحمّل مكروهاً إلاّ لتحصيل المحبوب ، او للتخلّص من مكروه آخر ” (70 ) 0، فالمحب برأيه يتخلّى عن أدنى أنواع الحب طلباً لأعلى أنواع الحب لأنّ أعلى أنواع الحب أن تحقّق للإنسان نفعاً أكثر من الحب الأدنى ” فتبيّن بذلك أن المحبّة والإرادة أصل للبغض والكراهة وعلّة لهما من غير عكس ، فكل بغض فهو لمنافاة البغيض للمحبوب ، ولولا وجود المحبوب لم يكن بغض ” ( 71 ) . فكان بالنسبة لهم الله هو الأعلى دائما ، وغيره هو الأدنى ، فكان لابد من التضحية بالأدنى وهي الدنيا طلباً للأعلى وهو التفرّغ لحب الله تعالى .
تلك هي المواقف التي اتخذها الصوفيّة في حياتهم ، فقد غلب عليهم حب الله ، لدرجة أنّه لم يعد في قلوبهم مكان للكراهيّة . أمّا بقية الناس فهم” في طغينهم يعمهون ” ( 72 ) .
المراجع
1 . ابن خلدون ، المقدّمة ، المكتبة التجاريّة ، مصر ، د . ت ، ص 467 .
2 . المرجع السّابق ، ص 467 .
3 . ابو العلا عفيفي ، التصوّف ، الثورة الروحيّة في الإسلام ، دار المعارف ، مصر ، ط1 ، 1963 ، ص 62 .
4 . الطّوسي ، الّلمع في تاريخ التصوّف الإسلامي ، ضبطه وصحّحه كامل مصطفى الهنداوي ، دار الكتب العلميّة ،
بيروت ، ط1 ، 2001 ، ص 24 .
5 . المرجع السّابق ، ص 24 .
6 . محمّد الكلاباذي ، التعرّف لمذهب أهل التصوّف ، تحقيق محمود أمين النواوي ، مكتبة الكليّات الأزهريّة ،
القاهرة ، ط1 ، ص 29 .
7 . المرجع السابق ، ص 31 .
8 . السهروردي ، عوارف المعارف ، مطبوع على هامش ” إحياء علوم الدّين ” للغزالي ، ج1 ، عالم الكتب
، دمشق ، ص 295 .
9 . مقدمة ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص 467 .
10 . محمد الكلاباذي ، مرجع سابق ، ص 29 ، . أنظر أيضاً ابو العلا عفيفي ، مرجع سابق ، ص 29 .
11 . الطّوسي ، مرجع سابق ، ص 26 ، 27 ، 28 .
12 . عبد الكريم بن هوازن القشيري ، الرسالة القشيريّة في علم التصوّف ، تحقيق معروف زريق وعلي عبد الحميد دار الخير ، دمشق وبيروت ، ط1 ، 1988 ، ص 280 .
13 . محمد الكلاباذي ، مرجع سابق ، ص 28 .
14 . الغزالي ، المنقذ من الضلال ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط1 ، 1988 ، ص 59 ومابعدها .
15 . المرجع السابق ، ص 57 .
16 . المرجع السابق ، ص 62 .
17 . المرجع السابق ، ص 62
18 . المرجع السابق يمثّل السيرة الذاتية للغزالي ، ومن خلال مطالعته يتبيّن للقاريء مراحل التطوّر الفكري له، حتى وصل إلى مرحلة التصوّف .
19 . المرجع السابق ، ص 57 .
20 . المرجع السابق ، ص 60 .
21 . القرآن الكريم ، سورة المائدة ، آية رقم 54 .
22 . القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، آية رقم 146 .
23 . القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، آية رقم 134 .
24 . القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، آية رقم 76 .
25 . القرآن الكريم ، سورة الشّورى ، آية رقم 11
26 . القشيري ، مرجع سابق ، ص 319 .
27 . ابن قيّم الجوزيّة ، محبّة الله ، تحقيق يوسف علي بديوي ، اليمامة للطباعة والنشر ، دمشق وبيروت، ط3 ،2005 ، ص 33 .
28 . القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، آية رقم 31 .
29 . القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، آية رقم 36 .
30 . أبو طالب المكّي ، قوت القلوب ، ج1 ، مكتبة مصفى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1961 ، ص 50 .
31 . القشيري ، مرجع سابق ، ص 318 .
32 . القشيري ، مرجع سابق ، ص 319 .
33 . الطّوسي ، مرجع سابق ، ص 54 .
34 . المرجع السابق ، ص 54 .
35 . عبد الرحمن بدوي ، شهيدة العشق الإلهي ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1978 ، ط4 ، ص 10 .
36 . الغزالي ، إحياء علوم الدين ، عالم الكتب ، دمشق ، د . ت ، ج4 ، ص 266 .
37 . الغزالي ، المرجع السابق ، ص 266 .
38 . الكلاباذي ، مرجع سابق ، ص 184 .
39 . محمد فاروق النبهان ، مباديء الفكر الصّوفي ، مكتبة دار التراث ، حلب ، ط1 ، 2005 ، ص 783 . انظر أيضاً الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج4 ، ص 338 .
40 . محمد عبد الرحمن بدوي ، مرجع سابق ، ص 111 .
41 . المرجع السابق ، ص 25 .
42 . المرجع السابق ، ص 27 .
43 . ديوان ابن الفارض ، تحقيق عبد الخالق محمود ، عين للدراسات والبحوث الإنسانيّة والإجتماعيّة ، القاهرة ، د . ت ، ص 177 .
44 . الغزالي ، إحياء علوم الدين ، عالم الكتب ، دمشق ، د . ت ، ج2 ، ص 259 – 264 .
45 . ابن قيّم الجوزيّة ، طريق الهجرتين وباب السعادتين ، المكتبة العصريّة ، بيروت ، 2003 ، ص 346 .
46 . المرجع السّابق ، ص 346 .
47 . الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج4 ، مرجع سابق ، ص 252 .
48 . المرجع السّابق ، ص 271 .
49 . المرجع السّابق ، ص 271 .
50 . المرجع السّابق ، ص 252 .
51 . المرجع السّابق ، ص 251 .
52 . المرجع السابق ، ص 274 .
53 . محمد مصطفى حلمي ،ابن الفارض والحب الإلهي ، دار المعارف ، القاهرة ، د . ت ، 2003 ، 10 .
54 . ابو العلا عفيفي ، مرجع سابق ، ص 227 .
55 . محمد مصطفى حلمي ، مرجع سابق ، ص 164 .
56 . المرجع السّابق ، ص 164 .
57 . ابو العلا عفيفي ، مرجع سابق ، ص 230 .
58 . ديوان ابن الفارض ، مرجع سابق ، 369 .
59 . السّابق ، ص 369 .
60 . السّابق ، ص 341 .
61 . السّابق ، ص 372 .
62 . السّابق ، ص 242 .
63 . ديوان الحلاج ، صنعه وأصلحه أبو طريف الشّيبي ، منشورات الجمل ، بيروت ، 1997 ، ص 18 .
64 . الغزالي ، التبر المسبوك ، دار ابن زيدون ، بيروت ، ط1 ، 1987 ، ص 57 .
65 . المرجع السابق ، ص 76 .
66 . الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج2 ، مرجع سابق ، ص 569 .
67 . الغزالي ، القسطاس المستقيم ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، 1986 ، ص 64 .
68 . الغزالي ، التبر المسبوك ، مرجع سابق ، ص 57 .
69 . أنظر هامش رقم 20 .
70 . ابن قيّم الجوزيّة ، محبّة الله ، مرجع سابق ، ص 69 .