من يُمثّل الإسلام السنّي ؟
منذ حوالي ربع قرن ، طرحتُ فكرة اعتُبِرت حينها هرطقة من مُراهق ، كنتُ أرتادُ حينها دروساً في الفقه عند أحد أعلام مدينتي ، حمص ، عاصمة الصوفيّة الشاميّة .
حينها و بإجتماع حضره مفتي حمص و مدير الأوقاف سألتُ :لمَ لا يكون لنا نحن السنّة مرجعاً فقهيّاً يوحّد كلمتنا و يمكننا تصديره كممثل وحيد يريحنا من أعباء التبروء من الشواذ الذين ما إن يختفي أحدهم حتى يظهر غيره ؟
يومها طأطأ شيخي رأسه خجلا من نظرات مدير الأوقاف المُنكِرة و اكتفى بالإستماع لخطبة المفتي التي تفهّم من خلالها عاطفتي الجياشة رغم أنه لم يخف قلقه من تأثري بالمذهب الشيعي و بدأ يسرد لنا بعدها أهمية إختلاف الأئمة ، و كيف أنّ إختلافهم رحمة لنا كرعيّة .
الطرح نفسه قدّمته في مكان مختلف جداً و في مرحلة زمنية مختلفة جداً أيضاً .
كان ذلك مع بدايات الألفية الجديدة ، حين لبست قلوبنا ثياب الأمل و بدأت أحلامنا بمستقبل أفضل تزدهر .
حينها ، شطت أحلامنا كمثقفون راغبون بالتغيير ، و بدأنا نضع الخطط الشاملة المتكاملة للمرحلة القادمة ، فبدأنا ننظر للوضع العربي المترهل كسلة واحدة ، و كان أن فكرنا بتطوير ديني يُساير التطور السياسي المتوقّع .
قلتُ حينها ، أنّ علينا كطائفة مُتّهمة بالإرهاب نتيجة بعض التصرّفات الفرديّة و التي نحاول أن نتبرّأ منها ، علينا أن ننتخب مرجعيّة تُمثّلنا ، و تكن الناطق الرسمي بإسم الطائفة .
حينها ، استغربت أن تُجمع كل مذاهب العالم على مرجعيّة تمثلها و تنطق بإسمها ، و نحارُ نحن ، و نُحيّر الكون بتحديد من يُمثلنا و يرسم الخطوط العريضة لتوجّهاتنا .
كنتُ مُخلصاً لإقتراحي ، فشرحت أهمية وجود مرجع نستند عليه ، خاصة بعد أن دمّر بورقيبة مرجعية القيروان و بعد أن خف وهج جامعة القرويين و بعد أن استمالت السياسة الأزهر و من يمثله ، و في ظل نفور الشرق من وهابية الحرمين التي تتهم بتفريخ القاعدة .
كانت الثورة متأججة في الصدور حينها ، و كنا نريد أن نطوي صفحة الإستبداد و لم نكن نريد لرجل دين أن يحكمنا ، فتم رفض اقتراحي .
كانت لي مسوّغاتي ، و كذا كان للآخرين مسوغاتهم ، و في النهاية ، بقيت كل أحلامنا في التغيير أسيرة الصدور ، اللهم إلا ما تسرّب منها في تقارير رُفعت للأجهزة الأمنية ، و التي رأت بعينها الخبيرة أن اقتراحاتي كانت الأكثر سذاجة على الإطلاق ، و لم تكن تستحق حتى التعقيب عليها .
يمرّ علينا الآن زمن نشغل جلّ أوقات مناقشاتنا بتصنيف ( هذا لا يُمثل الإسلام ) و ( هذا لا يُعبّر سوى عن رأيه ) ، المشكلة هنا ، أن هذا التصنيف مطاطي ، و يتسع أحياناً و يضيق أخرى ، و يتغير زمانياً و مكانياً ، و من شخص لآخر ، و حسب أهواء الشخص نفسه و حسب رغباته و تحوّلاته العاطفية .
مضى ربع قرن منذ أن تفتّحت رغبتي بمعرفة من يمثل الإسلام السنّي ، منذ ربع قرن و أنا أطالب بمرجعية تحكم ذلك الهامش من الإختلاف الذي وهبه الله لهذه الأمة .
مضى ربع قرن و مازلت مصرّاً على حاجتنا لمن يُقدّم نفسه على أنّه نحن ، نحن الذين نأبى سفك الدماء ، نحن العقلانيين في زمن الجنون هذا ، نحن الذين يُخيفنا هذا الكره المتنامي و الذي بات يحجب كلّ جميل فينا .
نحن الذين ضحك علينا الكلّ ، و قهرنا الكلّ ، و تناوب على قتل الأحلام فينا الكلّ .
نحن الذين لم نعد نطمح بغزو روما بعد الآن ، و الذين باتوا مطحونين لدرجة أن أعظم أحلامهم تدور حول رغيف خبز كريم ، و مباراة كرة قدم لا تقطعها نشرة أخبار ، أو خبر عاجل باللون الأحمر .