الإنسان المهدور
الإنسان المهدور
نافذ سمان
من حين لآخر ، يقفز ذلك السؤال الضخم المُحيّر ليغزو رأسي و كل تفكيري . أحاول الفرار منه ، و أعلم أنّه سيورطني بالكثير ، و لكني لا أفلح بطرده خارجاً ، إلا أنني أصرخ :
لماذا لا يتعلّم الإنسان العربي من أخطائه ؟ ما هي الحلقة المفقودة ما بين الإنسان العربي و كلّ البشرية ؟ لِمَ تستحضر كلّ أمم الأرض ما ضيها لتُحاكمه و تنقده و تستخلص منه العِبَر ؟ في حين أن الإنسان العربي يخشى الإقتراب من تاريخه ، و يحارب كلّ من يبحث به أو ينتقده أو ينظر إليه برؤية تُخالف رؤيته ؟ لمَ يُقدّس الإنسان العربي كلّ ما يتعلّق بتاريخه و يجعله تابو يُضيفه إلى عشرات التابوهات التي يُقدّسها و يجعل الإقتراب منها جريمة لا عقاب عليها إلا الإلغاء و القتل ؟
كان من الممكن لبعض حكماء العرب أن يستحضروا ذلك التاريخ و يضعوا القدسية جانباًو يُناقشوا ما مضى على قاعدة كلنا من آدم و كلّ بني آدم خطاء ، و لكن ماذا جرى ؟ هل افتقدت كلّ عصورنا لحكماء ؟ أم أنّ الماضي استعصى على الجميع و بتنا رهائن لديه و لدى أشخاصه الذين لطالما ازدادوا انتفاخاً و تقديساً و انسلاخاً عن البشريّة ؟
أذكر حديثاً لحكيم العرب و طبيبهم الأكبر محمد بن عبد الله ، ذاك الذي أتى ليُصلح خلل هذه الأمّة و الأمم الأخرى ، و الذي حمل أقدس رسالة وُجّهت للبشرية حين قال ( بُعثُ لأتمم مكارم الأخلاق ) .
قال حينها الصادق الأمين ( السعيد من اتعظ بغيره ) فأين مِنّا السعادة و من مننا السعيد ؟
لمَ نُفاخر باللعب على التناقضات ؟ و نعتبر القانون شيئاً يُلزم غيرنا ، و لا يحقّ له أن يسلبنا أيّ امتياز كنا قد حصلنا أو تعوّدنا الحصول عليه ؟
هل مشكلتنا تتلخص بنظرتنا للقانون ؟ أم أن المشكلة بنظرتنا لكلّ شيء ؟ هل ننظر للدين النظرة التي أرادها الله لنا ؟ هل حقاً أرسل الله الدين لأنّه بحاجة لمن يقوم بعبادته ؟ هل حقاً الدين بحاجة لنا ؟ أم نحن من هم بحاجة الدين ؟ هل خُلقت البشرية لتخدم الدين حقاً ؟ أم أن الدين وُجد ليخدم البشرية و ينظّم لها حركتها و حركاتها ؟
و ماذا عن نظرتنا للأخلاق ؟ هل حقاً الأخلاق هي مُعتقدات قبائلنا و أعرافنا و تقاليدنا ؟ أحقاً لا تملك الأخلاق عندنا تلك الميزة العالمية أو الإنسانية الشاملة ؟
هل الأخلاق ( كلّ الأخلاق ) فعلاً هي ما تحويه نصوصنا التي نعتبرها مُقدّسة رُغماً عن أنف الجميع ؟ هل نسمح لأخلاقٍ أخرى أو قواعد أخرى اقتضتها الحاجة و لم ينص عليها ( أجدادنا ) بالدخول لحرم معتقدنا الأخلاقي ؟ أم كعادتنا نُعارض و نقول هذا ما لم يقله أحد من قبل ؟
هل حقاً قال الأولون كل الكلام و انتهى الأمر ، و تركوا لنا حفظ ما قالوه و تناقله ؟ إن كان ذلك ، فلم تقدّم غيرنا و تأخّرنا ؟ لمَ ابتُلينا بالانتكاسة تلو الانتكاسة حتى تبلّدت أحاسيسنا و بتنا نعتاد كلّ شيء حتى الإهانة و الجوع ؟
لمَ أصبح النقل عندنا أساس و العقل استثناء يجب التخلص منه ؟ لمَ كان الجديد دوماً بُدعة مُحارَبة و القديم مقدّس مبارك حتى لو أثبت خطأه ؟
كيف انقلبت بنا الآية و بتنا نستمتع بمشاهدة الجميع يهرعون للأمام ، و نحن نفخر بسخريتنا من عزمهم المضيّ قدماً و كلّ ما نفعله هو تجميل بضع أحلام اليقظة و استرجاعها كلّ حين ؟