أفضل أفلام القرن الـ 21 حتى الآن !
تُظهر القائمة التي أعدتها (بي بي سي كلتشر) لأفضل الأفلام التي عُرضت خلال القرن الحالي حتى الآن أن هذا القرن يشكل مرحلةً فاصلة بين ماضي هذا الفن، ومستقبله المفعم بالإثارة، وذلك في ضوء ما تتسم به القائمة من تنوعٍ في طبيعة الأعمال، وتعدد جنسيات هذه الأعمال أيضاً؛ كما يقول الناقد نيكولاس باربر.
ها هي قائمة أفضل أفلام القرن الحادي والعشرين حتى الآن؛ والتي أُعدت بحسب نتيجة تصويت شارك فيه 177 ناقداً من مختلف أنحاء العالم. على رأس القائمة فيلم “مُوهولاند درايف”؛ وهو عمل ذو طابع سريالي أنتجته هوليوود، وينتمي لفئة أفلام الجريمة والغموض ذات السمت النفسي.
وقد أُعِد الفيلم من الأصل ليكون حلقةً تجريبية لمسلسل تليفزيوني محتمل. ومن الأفلام العشرة الأوائل في الترتيب؛ فيلم رسوم متحركة ياباني، يدور حول فتاة تعمل في حمام عام تقصده الوحوش (المركز الرابع: سبريتيد أواي/المخطوفة).
وكذلك فيلمٌ لا حبكة له تقريباً، ويبدو استعراضاً لفترة مراهقة صبي من ولاية تكساس (المركز الخامس: “بوي هود”، أو الصِبا). وتضم القائمة أيضاً فيلماً يدور حول قصة حب عذري استمرت عدة سنوات في هونغ كونغ خلال ستينيات القرن الماضي (المركز الثاني: “إن ذا موُد فور لاف”، أو في مِزاج للحب).
بالإضافة إلى فيلم كوميدي رومانسي ذي طابع سوداوي كذلك، نشاهد فيه آلةً تمحو ذاكرة البشر؛ (المركز السادس: “إترنال صن شاين فور ذا سبوتليس مايند”، أو إشراقة أبدية لعقل خاوٍ).
وباعتبار (بي بي سي كلتشر) موقعاً إلكترونياً ناطقاً باللغة الإنجليزية؛ يوجد تحيزٌ لا مفر منه في اختيار الأفلام التي شملتها القائمة؛ فحتى غلاة عشاق المهرجانات السينمائية، ممن يسافرون خلفها من مكان لآخر، يغلب على تشكيلة الأفلام التي يشاهدونها تلك الناطقة بلغتهم الأصلية.
رغم ذلك، لا تزال القائمة تضم تشكيلةً هائلة من الأفلام المتنوعة ومتعددة الجنسيات، ففيها فيلمٌ وثائقيٌ رائد حول عملية إبادة جماعية جرت في إندونيسيا (المركز الرابع عشر: “ذا أكت أوف كِلينغ”، جنباً إلى جنب مع فيلم درامي روماني بشأن الإجهاض (المركز الخامس عشر: 4 شهور وثلاثة أسابيع ويومان)، بالإضافة إلى فيلم ذي طابع فانتازي بشأن عالم جريمة خرافي الصفات في إسبانيا خلال حقبة الجنرال فرانكو (المركز السابع عشر: “بانز لابرينث” أو متاهة بان).
وفي القائمة أيضاً؛ فيلمٌ فرنسي غريب الأطوار، يجمع ما بين سمات أنواع سينمائية مختلفة، وتظهر فيه المغنية كايلي مينوغ بجانب بعض السيارات الناطقة (المركز السادس عشر: هولي موتورز: محركات مقدسة). اللافت أننا إذا نحينا أفلام الرسوم المتحركة جانباً؛ سنجد أن المراكز المتقدمة في القائمة لم تكن من نصيب الأعمال التي يمكن وصفها بأنها ذات إنتاج ضخم أو تلائم الذوق الشعبي السائد.
لكن ما هي الدروس التي يمكن لنا استخلاصها من قائمتنا هذه؟ أحدها، ربما يتمثل في أن مخرجين، مثل ستيفن سودربيرغ ويورغوس لانثيموس، لا يحظون بإعجاب النقاد؛ كما قد تكون حَسِبْتَ من قبل. ثانيها أنه ربما يكون ضرورياً أن يزيد عدد الأفلام التي تخرجها نساء في العالم.
لكن الأهم من ذلك، أن وفرة الأفلام الرائعة والمُبدِعة، التي تتضمنها القائمة، تشير إلى أن السينما في العالم، في حالة أفضل كثيراً للغاية، من تلك التي نُدفع في غالب الأحيان لأن نظن أنها كذلك.
نظام عالمي جديد
من جهة أخرى، يكفي إلقاء نظرة خاطفة على أيٍ من الصفحات المهتمة بصناعة السينما، لأن يرى المرء عناوين تشير إلى أن مستوى الأعمال التي تقدمها هوليوود في تدنٍ، أو تقول إن معدلات الترويج لعلامات تجارية بعينها، في الأعمال السينمائية؛ بات في ازدياد.
كما يمكن أن تلحظ عناوين أخرى، تتحدث عن أن الجمل الحوارية، باتت تُختزل إلى عبارات قصيرة وهمهمات، وتمتمات، ليصبح من الأيسر تصديرها إلى دول أخرى، بأقل قدر ممكن من الدبلجة. كما أن هناك تقارير أخرى تتحدث عن إغلاق دورٍ للسينما، وعن خسائر جسيمة للغاية تُمنى بها هذه الصناعة بسبب عمليات القرصنة، وعن أن التليفزيون يقدم أعمالاً أكثر تطوراً من حيث الحبكة، من تلك التي تقدمها السينما؛ الأكثر ضخامة والأبطأ فهماً في الوقت نفسه.
ولكن برغم كل هذه العوامل؛ فإن الأفلام المئة ذات الطابع الإبداعي التي اخترناها؛ تشير إلى أننا ربما نحيا بحق في عصرٍ ذهبي للسينما. ومن اللافت أن القائمة، لا تعتمد على عمالقة الإخراج في أواخر القرن العشرين؛ فليس فيها لمخرجين، مثل ستيفن سبيلبرغ ومارتن سكورسيزي، سوى فيلمٍ واحد لكل منهما، بينما لا توجد أي أعمال لنظراءٍ لهم مثل؛ مايك لي وكِن لَوتش وفِرنر هيرتزوج والأخوين داردين.
أما اسم كوبولا الوارد فيها؛ فلا يخص المخرج المعروف فرانسيس وإنما ابنته صوفيا. رغم ذلك، فلا يبدو أننا نفتقد كثيراً هذا الحرس القديم؛ فثمة ثروة حقيقية من الأفلام المذهلة؛ التي يمكن الاستمتاع بها؛ فقط إذا ما عرف المرء أين يمكنه العثور عليها، وهي مهمة لم تكن قط بالسهولة التي باتت عليها الآن.
ومما لا يمكن إنكاره؛ كون النقاد يحظون بميزة لا تتوافر لغيرهم، فيما يتعلق بالقدرة على مصادفة الأفلام الجيدة ومشاهدتها. فإذا كان مثل هذا الناقد محظوظاً بما يكفي، لأن يكتب مقالات نقدية مدفوعة الأجر، أو لأن تسنح له الفرصة لما هو أفضل من ذلك؛ مثل أن يُوفد لتغطية المهرجانات بأفلامها الأفضل على الإطلاق من غيرها، فمن المرجح – في هذه الحالة – أن تتسنى له بلورة نظرة وردية بشكل أكبر بشأن وضع السينما، مُقارنةً بشخص لا يجد أمامه، سوى الاختيار بين فيلميّن مثل “الكتيبة الانتحارية” و”أسطورة طرزان” لمشاهدة أحدهما في مساء عطلة نهاية الأسبوع.
ولكن ليس بيننا من هو الآن، بعيدٌ عن مشاهدة أفلامٍ تجعل حياتنا أفضل، كما كان الحال سابقاً. ففي القرن العشرين، كان أي شخص يسعى لتأمل جذور النازية، لتحديد ما إذا كان هذا الفكر خيراً خالصا أم شراً محضاً؛ سيواجه مهمة عسيرة في هذا الصدد؛ (هناك فيلم يتناول النازية في قائمتنا، وهو يحتل المركز الثامن عشر، ويحمل اسم “ذا وايت ريبون”، أو الشريط الأبيض).
فحتى في ذروة ازدهار الأفلام ذات الإنتاج المستقل، وانتشار متاجر تأجير وبيع أشرطة الفيديو، كان يتعين على المرء الانتظار طويلاً، حتى يصل فيلمٌ بعينه ذو قيمة فنية عالية إلى بلده أو منطقته، هذا إذا ما افترضنا أنه تسنى له في الأصل أن يعرف بوجود مثل هذا الفيلم. ولكن في القرن الحالي؛ لا توجد مشكلة تواجه أي شخص لديه اتصال بالإنترنت، فيما يتعلق بمشاهدة أي فيلم يحلو له.
فبوسع كل منّا بنقرة واحدة أو اثنتين؛ أن يشاهد على موقع “يوتيوب” فيلماً ترويجياً قصيراً ومثيراً بشأن عمل سينمائي جديد، أو يقرأ مقالا فاتحاً لشهيته السينمائية على موقع متخصص في هذا الفن، أو أن يشارك في نقاشٍ مفعمٍ بالحماسة على موقع يضم محبي الفن السابع.
وببضع نقرات أخرى، يمكننا طلب الفيلم نفسه، سواء عبر تحميله من على الشبكة، أو الحصول عليه مُحملاً على قرص (دي في دي). صحيح أنه لا يمكن مقارنة مشاهدة فيلم إيراني اجتماعي؛ مُفعمةٌ أحداثه بالتوتر (مثل فيلم “سبيراشين”، أو انفصال، الذي يحتل المركز التاسع)، في المنزل، بمشاهدته في دار سينما مكتظة بالرواد. لكن ذلك يبقى – بالنسبة لصناعه ومشاهديه – أفضل من عدم مشاهدته على الإطلاق.
على طريق التحول الرقمي
بطبيعة الحال؛ فإن لعالمنا الجديد “الشجاع”، الذي تجتاحه رياح العولمة، تعقيداته أيضاً. فمع اعتماد شركات الإنتاج السينمائي، بشكل أكبر من ذي قبل، على عرض أعمالها والترويج لها على مستوى العالم؛ صارت تكرس المزيد من الموارد لإنتاج أفلامٍ عن أبطال خارقين أو تنتمي لفئة الخيال العلمي.
وهكذا، فبعدما كانت الأفلام التي تتناول الحملات الانتخابية المحتدمة ونظيراتها المثيرة التي تتحدث عن الجريمة على نحو راقٍ، أو تلك المستوحاة من أعمال أدبية مرموقة، تجتذب المشاهدين وتقتنص الجوائز في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، باتت هذه الأعمال حالياً في طور الاضمحلال.
وكثيراً ما يتذمر المخرجون من هذا التوجه. فبدلاً من أن يكون بمقدورهم تقديم أفلامٍ تتناول قصصاً إنسانية ناضجة من الحياة المعاصرة، يضطرون لأن ينحصر اختيارهم ما بين إخراج أفلام خيال علمي ذات ميزانية ضخمة للغاية، أو تقديم أعمال مستقلة الإنتاج بميزانية محدودة بشدة.
لكن هناك جانباً إيجابياً لهذا الأمر ذي النتيجتين المتناقضتين للغاية؛ يكمن في أن القرن الحادي والعشرين شهد انتهاء ما يُعرف بـ “إغواء الجوائز”.
فقد ولّت تلك الأيام، التي كان يمكن فيها لمخرجٍ ومنتجٍ سينمائي مثل هارفي واينستين، أن يقتنص الحقوق الخاصة بإحدى الروايات الأكثر مبيعاً، ويكلف مخرجاً مثل لاسيه هالستروم، بتحويلها إلى فيلم متوسط القيمة الفنية وذي ميزانية معقولة ويروق للجمهور العريض، وأن يجلس بعد كل ذلك لمشاهدة ترشيحات جوائز الأوسكار وهي تنهمر على هذا العمل.
بدلاً من ذلك، بات على المخرجين إما إضفاء بصمتهم الشخصية على أعمالهم، مثلما فعل جورج ميللر في ” ماكس المجنون: طريق الغضب”، الذي يحتل المركز التاسع عشر على القائمة، وما فعله كذلك كريستوفر نولان في فيلم “فارس الظلام” صاحب المركز الثالث والثلاثين. أو أن يضخوا طاقتهم وحيويتهم في مشروعات ذات طابع تجريبي وشخصي أكبر.
ورغم أنه قد يكون من العسير الحصول على تمويلٍ لمثل هذه الأفلام غريبة الطابع؛ فإن قائمتنا تمثل دليلاً مُلهِماً على أن ذلك ممكنٌ. ومن جديد، يمكن الإشارة هنا إلى إمكانية استفادة السينما كثيراً من التقنيات الرقمية. فالمخرج لِوس كاراكس؛ صوّر فيلمه “محركات مقدسة”، بكاميرات فيديو رقمية على كره منه، وذلك بعدما فشل في توفير التمويل اللازم لاستخدام كاميرات تصوير سينمائي عادية.
ولكن العمل الرائع ذا الطابع الغريب والمختلف، الذي نتج عن ذلك، بدا في الأساس عملاً رقمياً للغاية، وهو ما جعل من العسير على من شاهدوه، أن يتصوروا أنه كان من الممكن تقديمه بأي صورة فنية أخرى.
غير أن كاراكس ليس المخرج الوحيد المرتبط بكاميرا السينما أكثر من ارتباطه بنظيرتها الرقمية؛ إذ قال المخرج أبيشاتبونغ ويراسيتاكول، إن فيلمه “العم بونمي القادر على تذكر حيواته الماضية” (صاحب المركز 37 على القائمة)، يشكل – مع أمورٍ أخرى – رثاءً من جانبه لاختفاء مادة السليوليد المؤلِفة للشريط السينمائي.
كما لا يمكن أن يكون المرء في غرفة واحدة مع أكثر من ثلاثة من عشاق السينما، دون أن يتحدث أحدهم على الأقل بولع شديد، عن وزن العلبة التي يُحفظ فيها الفيلم في دار السينما، وصوت الأزيز الذي ينبعث من آلة العرض. فثمة نزعةٌ للنظر للأفلام الرقمية باحتقار، على أنها بديلٌ رديءٌ وحقيرٌ لنظيرتها السينمائية.
لكن يتعين حتى على السينمائيين، الذين يشكون بشكل مستمر من الأفلام الرقمية، الإقرار بأنها تتيح الكثير من الفرص الفاتنة والمذهلة أمام صناع الأفلام. من بين الأمثلة الأكثر وضوحاً على ذلك؛ أفلام رسوم متحركة مثل “وول-إي” (في المركز 29) و”إنسايد أوت” (في المركز 41) و”البحث عن نيمو” (في المركز 96)، وكلها من إنتاج شركة بيكسار.
ولم يكن من الممكن إنتاج هذه الأفلام جميعاً من الأصل، دون الاستعانة بالإمكانيات التي يتيحها الحاسب الآلي، فيما يتعلق بفن التحريك. (وبالمثل؛ لولا شركة بيكسار، لم تكن تقنيات الكمبيوتر في هذا المضمار ستتطور بالقدر الذي باتت عليه الآن).
بجانب ذلك، هناك الأفلام التي تتخذ موضوعاتها من قصص ذات صلة بالتكنولوجيا الرقمية؛ مثل “كاشيه” (في المركز 23) للمخرج ميشيل هانيكه و”سوشيال نيتوورك” لدافيد فينشر (في المركز 27). كما شملت القائمة أفلاماً استفادت من التكنولوجيا الرقمية، لتقديم فنٍ رفيع.
فمشاهدة تلك المشاهد الافتتاحية الساحرة؛ لفيلميّ “شجرة الحياة” للمخرج تيرينس ماليك (في المركز السابع)، و”مِلانكوليا” للمخرج لارس فون تِرير (في المركز 43)؛ يبدو للبعض أشبه بالانغماس في أجواء تعبق بالورع والروحانيات.
هذا على أي حال ليس سوى البداية، ففي ظل تطور الكاميرات الرقمية، لتصبح أكثر كفاءة وخفة في الوزن، وفي ضوء السرعة المتزايدة التي بات يمكن من خلالها مشاهدة الأفلام بشكل مباشر من على شبكة الإنترنت، سيصبح من الممكن لأي منّا، ليس فقط إنتاج فيلمه الخاص، وإنما بثه في مختلف أنحاء العالم أيضاً.
وفي الوقت الراهن، لم يعد مستغرباً في واقع الأمر أن يُصوّر فيلمٌ ما في إحدى الدول، وأن تجري له عمليات المونتاج في دولة أخرى، قبل أن يحقق النجاح في دولة ثالثة. ومن ثم، سنصبح قريباً قادرين على الحديث عن مفهوم مثل “السينما العالمية” بأشكال وأنماط لم تكن متاحة قبلاً، وكل ذلك بفضل التطورات التي حدثت منذ بداية القرن الحالي. فلنحتسِ إذاً نخب السنوات الثلاث والثمانين المتبقية منه.