علوم وتكنولوجيامميز
فكرة السفر عبر الزمن من منظور العلم
فكرة السفر عبر الزمن كانت موضوعًا مثيرًا للجدل والنقاش في الفلسفة والعلوم لعقود طويلة. على الرغم من أنها فكرة شائعة في الأدب الخيالي والسينما، إلا أن العلم تناول هذه الفكرة من منظور جدي، لا سيما في إطار الفيزياء النظرية. إليك شرحًا دقيقًا حول موقف العلم من هذه الفكرة:
1. النسبية الخاصة والنسبية العامة لأينشتاين:
- النسبية الخاصة (1905): وفقًا لأينشتاين، الزمن ليس ثابتًا بل نسبيًا، يعتمد على سرعة الحركة بالنسبة للمراقب. كلما اقترب جسم ما من سرعة الضوء، تباطأ الزمن بالنسبة لهذا الجسم مقارنة بالمراقبين الآخرين. هذا التأثير يسمى تمدد الزمن. بمعنى آخر، الأشخاص الذين يسافرون بسرعة عالية جدًا يمكنهم أن “يسافروا إلى المستقبل” حيث يمر الزمن بشكل أبطأ بالنسبة لهم مقارنة بمن هم على الأرض. لكن هذا النوع من “السفر إلى المستقبل” لا يمكن أن يعيد الشخص إلى الماضي.
- النسبية العامة (1915): في إطار النسبية العامة، يتفاعل الزمن مع الفضاء لتشكيل ما يُعرف بـ “الزمكان”. يمكن للأجسام الضخمة، مثل النجوم والثقوب السوداء، أن تؤثر على نسيج الزمكان مما يؤدي إلى “تمدد الزمن الثقالي”. على سبيل المثال، بالقرب من ثقب أسود، يمكن للزمن أن يمر ببطء شديد بالنسبة لشخص ما، في حين أنه يمر بسرعة عادية بالنسبة لشخص بعيد. لكن السفر إلى الماضي ما زال غير ممكن في هذه النظرية.
2. الثقوب الدودية:
- في النسبية العامة، هناك حل رياضي للنظرية يسمح بوجود ممرات تربط بين نقطتين مختلفتين في الزمكان تُعرف باسم الثقوب الدودية. إذا كانت هذه الثقوب الدودية موجودة، فقد تتيح نظريًا إمكانية السفر عبر الزمن، سواء إلى المستقبل أو الماضي. ولكن، لم يتم رصد أي ثقوب دودية في الطبيعة حتى الآن، ولا نعرف ما إذا كانت ممكنة حقًا من الناحية الفيزيائية.
- إحدى المشاكل الكبيرة مع الثقوب الدودية هي الاستقرار. يعتقد العلماء أن مثل هذه الهياكل ستكون غير مستقرة للغاية، وقد تنهار بسرعة كبيرة جدًا، مما يجعل من الصعب استخدامها للسفر عبر الزمن. يحتاج الأمر إلى “مادة غريبة” تمتلك طاقة سالبة للحفاظ على استقرار الثقب الدودي، وهو شيء لم نكتشفه بعد.
3. مفارقات السفر عبر الزمن:
- إذا كان السفر عبر الزمن إلى الماضي ممكنًا، فإنه يفتح الباب لمفارقات معقدة. على سبيل المثال، مفارقة الجد: ماذا يحدث إذا عاد شخص ما إلى الماضي وقتل جده قبل أن يولد والده؟ هذا النوع من المفارقات يمثل تحديًا كبيرًا لفكرة السفر إلى الماضي.
- هناك بعض النظريات التي تحاول حل هذه المفارقات، مثل فكرة الأكوان المتوازية أو الخطوط الزمنية المتعددة، حيث إذا قمت بتغيير شيء في الماضي، فإنك تنتقل إلى كون بديل بدلًا من تغيير مسار الأحداث في كونك الأصلي.
4. السفر إلى المستقبل:
- كما ذُكر سابقًا، السفر إلى المستقبل أمر ممكن وفقًا للنسبية الخاصة من خلال التحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء أو التواجد في مجال جاذبية قوي جدًا. ولكن هذه الطريقة عملية بشكل محدود جدًا ولا تُعتبر “سفرًا عبر الزمن” بالمعنى الشائع.
5. التفسيرات الكمومية:
- هناك بعض النظريات في ميكانيكا الكم التي تثير احتمالات غير مباشرة للسفر عبر الزمن. إحدى هذه الأفكار تأتي من “نظرية الأكوان المتعددة”، والتي تقترح أن كل قرار نتخذه يُنتج كونًا موازيًا مختلفًا. هذا قد يوفر تفسيرًا لمفارقات السفر عبر الزمن، لكن هذه النظريات لا تزال تخضع لنقاشات كبيرة وغير مثبتة تجريبيًا.
6. استحالة عملية وفق الفيزياء الحالية:
- على الرغم من كل هذه النظريات المثيرة للاهتمام، لا يوجد حتى الآن أي دليل تجريبي على إمكانية السفر عبر الزمن. القوانين الفيزيائية التي نعرفها، مثل القوانين المتعلقة بالطاقة والسببية، تفرض قيودًا صارمة تجعل من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، أن نتمكن من بناء آلة للسفر عبر الزمن أو استخدام الثقوب الدودية.
7. استنتاج العلم الحالي:
- العلم لا ينفي تمامًا إمكانية السفر عبر الزمن، ولكن يرى أن السفر إلى الماضي يمثل تحديًا هائلًا من الناحية الفيزيائية والنظرية. من جهة أخرى، السفر إلى المستقبل ممكن نظريًا من خلال التأثيرات النسبية، لكنه محدود جدًا ولا يوفر القدرة على العودة إلى الماضي. يعتمد المزيد من التقدم في هذا المجال على اكتشافات جديدة في الفيزياء قد تغيّر فهمنا الحالي للزمكان.