مقالات عامة
هل الغيرة فعلاً مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية؟
هل الغيرة فعلاً مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية؟ – ستيفاني غانم
“قام رجل مقيم في السعودية بإضرام النار في منطقة حساسة في جسم زوجته، وضربها بمفتاح فك العجلات حتى توفيت، وذلك بعد عثوره على مذكرة أرقام بحقيبتها اليدوية”. خبر نشرته صحيفة سبق السعودية أواخر العام الماضي. مشيرةً إلى أنه قام بذلك بدافع الغيرة انتقاماً منها، علماً أنه لم يتأكد من خيانتها له أو من أصحاب تلك الأرقام.
الغيرة، بحسب علم النفس، تنبع من إرادة الشخص الحفاظ على من يحب والتأكد أنه باق إلى جانبه ليتحقق شعوره بالأمان، وهي نفسها تلك الغيرة التي إن بلغت أقصاها دفعت الشخص إلى إيذاء من يحب عاطفياً، نفسياً أو جسدياً، إذا شعر الشخص أنه لم يعد قادراً على استملاك الشريك. يعرف العالم النفسي فرويد الغيرة أنها مزيج من القلق والألم الذي تسببه فكرة خسارة من نحب، وبالتالي تخدش صورتنا الذاتية، ونشعر بالخسارة وبالخصومة أو العداوة تجاه العدو الذي نجح بإبعاد من نحب عنا. يأتي إضافة إلى ذلك الشعور بالذنب والانتقاد الذاتي لشعورنا أننا لم نستطع الحفاظ على الشريك فنمتلئ بالأسئلة واللوم.
الغيرة إذاً ليست شعوراً محدداً، بل هي خليط من الأحاسيس التي تضج بالشخص، والتي ترافق الحب والتعلق. ولكن الغيرة على الشريك تكون أحياناً مرضية كما عرفتها جورج ساند قائلة: “قليل من الغيرة بناء وكثير منها هدام”. فعندما تذهب هذه الأحاسيس إلى أقصاها يصبح الشخص غير قادر على فصل ذاته عن الشريك، فيحاول استملاكه وتحويله إلى شىء يشبه مقتنياته لا يسمح له بالتحرك أو التواجد، إلا من خلاله وله. وفي ذلك إلغاء للآخر وضرر بالعلاقة. لكن مفهوم الغيرة ما زال متشعباً ومغلوطاً في أحيان كثيرة خصوصاً في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، حيث ما زالت المرأة تمنع من ارتداء الألوان لأن في ذلك لفت نظر للجنس الآخر، فيغرقها المجتمع بالأسود. هل نبحث فعلاً عن ذلك النوع من الغيرة؟
هو يناديها باسمه… وهي ترد
“بيندهلي باسمه لما نكون في الشارع عشان ما لو كان في رجالة ما يعرفوش إسمي”، تقول فاتن، شابة مصرية، مشيرة إلى أن غيرة زوجها عليها أمر طبيعي وأساسي لتشعر بأنها محبوبة ومرغوبة، ولا يزعجها أن يفرض عليها اللبس والتصرف. وتعتبر أنه عندما يتوقف عن مراقبتها ومساءلتها فذلك يعني أنه لم يعد يحبها. تلك إحدى ممارسات الشارع المصري الذي لم يخل من جرائم قتل وحالات انفصال وطلاق، سببها الغيرة والشك بخيانة الشريك. هذا ما أشارت إليه أحدث دراسة قامت بها جامعة عين شمس، بعد أن بلغت حالات الطلق نحو 72 ألف حالة في العام الماضي وحده، مشيرةً إلى أن 47% من حالات الطلاق سببها الأساسي المشاجرات الناتجة عن انتشار الغيرة والشك بين الزوجين.
أما وليد فيعتبر أن حبيبته هي “كل شي بالنسبة إليه”، وإذا نظر إليها رجل آخر فهي مسؤولة عن ذلك، لأنها لفتته وأثارته بلباسها. إذاً، غيرته تلك مشروعة وعلى الشريكة القبول بها.
الغيرة مؤشر على قوة الإيمان؟
بالنسبة لها غيرة زوجها عليها تكمن في التفاصيل. وهو يعرف كل تحركاتها اليومية. ترى في الزواج نهاية “الحياة الخاصة” وتعتبر أن غيرة زوجها مظهر من مظاهر الرجولة وغيابها خلل فيه. يعرف موقع إسلام ويب أيضاً الغيرة على أنها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية، وفيها صيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، وتعظيم لشعائر الله وحفظ لحدوده. وهي مؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب. ويربط انتشار التحلل والتبرج و التهتك والفجور في أنحاء العالم الغربي، وما يشابهه من المجتمعات بضعف معاني الغيرة أو فقدانها. إذاً، بدافع الغيرة يحق للرجل التحكم بشريكته وإرغامها على إخفاء أنوثتها منعاً لجذب الآخر.
ما الفرق إذاً بين الحب والتملك؟ ولماذا يرى البعض في الغيرة دافعاً للتحكم بكينونة الشريك، وفرض شروط عليه ومنعه من الشعور أنه ما زال قادراً على جذب الآخر حتى في إطار علاقة؟ وهل تحتاج ثقافة الغيرة في العالم العربي إلى إعادة بناء؟ أسئلة كثيرة والإجابة واحدة: أشخاص يشكون من الاختناق في العلاقة مع الشريك، ويعتبرون أنها تزيد عن حدها، حتى تغدو الغيرة في واد والحب في واد آخر.
أبحاث حديثة أضاءت على تطور أساليب التملك في المجتمعات العربية، بهدف الحفاظ على الشريك، خصوصاً الشريك الجنسي. ليس بالضرورة بدافع الحب وإنما لأن الشريك أصبح ملكية خاصة، والحفاظ عليه متعلق بالكرامة والواجب الديني والاجتماعي. تظهر دراسة حديثة أقيمت في الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان “الغيرة في العالم العربي ونتائجها في زمن الـSocial Media”، أنه مع تطور أساليب التواصل أصبح العامل النفسي أكثر وضوحاً في التعبير عن الغيرة، إذ أتت النتائج كالتالي:
-
الأشخاص الذين يعانون من تعلق مرضي بالآخر هم أكثر تعرضاً للشعور بالغيرة عليه.
-
كلما زادت الغيرة زادت ميول الشخص إلى التحكم بالآخر وبمحيطه الاجتماعي، من ضمن ذلك صفحته الخاصة على Facebook.
-
الرجل المصاب بالتعلق المرضي أكثر عرضة لقبول التعنيف اللفظي أو الجسدي من الشريكة خوفاً من خسارتها.
-
كلما شعر الرجل العربي من خلال مراقبة شريكته بالتهديد لأنها على تواصل مع آخرين (أصدقاء – زملاء) زاد ميله إلى تعنيفها مببرراً ذلك بالشرف والحفاظ على الرجولة.