تعرّف على أسباب تقدّم الغرب وتأخر أفريقيا – بقلم: إبراهيم الهواري
تشكل أفريقيا أكثر من 50% من الثروات النفطية والمعدنية في العالم، وأكثر من ربع سكان العالم بين القارات الخمس، ورغم القدرات البشرية والاقتصادية للقارة الأفريقية، إلا أنها تعتبر أفقر منطقة في العالم من حيث الحكومات والشعوب، كما تعتبر دولة النيجر أفقر دولة في العالم بمعدل 78% من الشعب تحت خط الفقر، حسب آخر الإحصائيات للأمم المتحدة.
ويعود سبب الفقر المنتشر بكافة جهات القارة إلى النزاعات العسكرية الدائمة في عدد من الأقاليم، والعمليات العسكرية للدول الغربية التي تحاول حماية مصالحها الاقتصادية كالساحل الأفريقي، بالإضافة إلى حداثة الدول الأفريقية التي استقلت منذ عقود قليلة من الزمن. وهي عوامل أدّت إلى تفشي الفساد والصراعات على السلطة والتقوي بالخارج على حساب الداخل.
بهذا التقرير سنسلط الضوء على أربعة بلدان تتميز بالكثافة السكانية والرقعة الجغرافية الشاسعة والثروات الباطنية، بالإضافة إلى الثقل التاريخي والنفوذ الدبلوماسي في القارة، وهي أربع دول لكنها متفاوتة في مؤشرات ومقاييس التقدم والتخلف، جنوب أفريقيا التي تعتبر قريبة من العالم الغربي المتقدم مقارنةً بالعالم الأفريقي المتخلف، في حين تعتبر نيجيريا والجزائر ثريتين بالنفط والغاز، إلا أنهما دولتان لا تعكس المؤشرات غنى الثروات لديهما، في حين تعتبر مصر الدولة الحضارة والتاريخ التي لا يستهان بها في بناء بلد ومجتمع متقدم.
معايير ومؤشرات دولة متقدمة
توجد الكثير من المعايير والمؤشرات ذات العلاقة بوصف تقدم وتخلف دولة، لكن الغالب على هذا الوصف هو المعايير التي تتعلق بالإنتاج الوطني والمحلي الحاكم، مناخ الاستثمار وأرقام المال والأعمال، نسبة التوظيف والبطالة في المجتمع، المساهمة في التجارة العالمية ومدى التأثير في القرارات الاقتصادية، وضعية القاعدة الصناعية والفلاحية والخدماتية بالدولة، البنية التحتية ومدى وفرة الخدمات الصحية والغذائية.
كما يعتبر الجانب السياسي محورًا مهمًا في تصنيف الدول وتقدمها، كوضع الحريات والديمقراطية ونزاهة الانتخابات وتحييد الجيش عن السياسة، والشفافية ومكافحة الفساد الإداري والمالي، ووضعية المرأة والطفل وحقوق الإنسان والمبادرات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بالشباب، وقوة هيئات المجتمع المدني من جمعيات ومراكز صنع القرار والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى نسب الأمية والتعليم، ونسبة سكان المدن والأرياف، ومؤشر التنمية البشرية للمجتمعات، وأمل الحياة الذي يحدد أعمار المواليد والوفيات لدى الأفراد.
وهذه المعايير أو المؤشرات تصدرها هيئات حكومية وغير حكومية دولية، كالبنك الدولي، ومؤشر الشفافية الدولية، ومنظمة مكافحة الفساد، ومؤشر التنافسية العالمية، التي تصدر مذكرة سنوية لتصنيف الدول وفق إحصائيات وأرقام، تعتبر مرجعًا للباحثين والصحافيين من أجل تقييم الحكومات والمجتمعات.
جنوب أفريقيا.. الاستثناء القاري
ومنذ نهاية الحكم العنصري في جنوب أفريقيا عام 1994، عرفت هذه الدولة تطورًا ملحوظًا في التمدن، وبناء الدولة الأفريقية القادرة على تجاوز تاريخها الحافل بالدماء والعنصرية والتبعية للإمبراطورية البريطانية في وقت سابق، وجاءت دولة البيض والسود الأفريقية بالمرتبة 49 بتقرير التنافسية الأخير لعام 2016.
وعملت جنوب أفريقيا منذ عام القضاء على التفرقة العنصرية بالبلاد، على تقليص الإنفاق المالي على الجهد العسكري، وانخفض من 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.2% عام 2014، وهي نسبة ضئيلة جدًّا مقارنة بما تنفقه الجيوش العسكرية في الوطني العربي، وفي مقدمتها مصر والجزائر التي قدمناها كنموذج في هذا التقرير.
وساهم نضال ونجاح الزعيم مانديلا في تحويل جنوب أفريقيا من بلد يتصف بالصراعات والاقتتال الداخلي، إلى بلد يعيش الحرية والديمقراطية، خاصةً مع امتناعه عن الاستمرار في حكم البلاد، وكان لمانديلا دور كبير في بعث البلد من أزمته العرقية والعنصرية إلى قيم التسامح والحرية والديمقراطية التي جعلت نمط الجنوب أفريقي قريب من المواطن الأوروبي والأمريكي لدرجة كبيرة.
النفط النيجيري من نعمة إلى نقمة
يبلغ تعداد نيجيريا حوالي 180 مليون نسمة، ولديها إمكانات وطاقات هائلة تمكنها من قيادة القارة الأفريقية سياسيًّا واقتصاديًّا لو تحسن استغلال الموارد الطاقية والبشرية التي تؤهلها فعلًا لذلك، وبالرغم من هذه الإمكانات إلا أن هذه الدولة التي تتوسط أفريقيا تعيش تراجعًا لا تخفيه الأرقام والإحصائيات التي ترصدها المؤسسات الدولية، أو التي تقدمها الحكومة نفسها.
ويضع مؤشر التنافسية العالمي نيجيريا في المرتبة 124، وهي رتبة لا تعكس احتلال نيجيريا المركز الثامن كمصدر للنفط عالميًّا، واحتياط غاز طبيعي يبلغ 5.1 تريليونات قدم مكعب، وينمو الاقتصادي النيجيري بمعدل 7% سنويًّا كأكبر اقتصاد في أفريقيا، وعاشت نيجيريا أكثر من سبعة انقلابات عسكرية خلال ثلاثة عقود فقط، وهو مؤشر ساهم في ضعف نيجيريا قاريًا ودوليًّا.
ويعتبر الرئيس الحالي محمد بوخاري الذي انتخاب عام 2015 أحد الجنرالات السابقة التي قادت انقلابًا عام 1983، وأطيح هو الآخر بعدها بانقلاب، ليصل إلى السلطة مرة أخرى قبل هذا العام، وتعاني نيجيريا من ظاهرة «عسكرة السياسة» في أفريقيا، بالإضافة إلى تحدي الجماعات الإرهابية والمتشددة في الشمال مثل بوكو حرام، وتنظيم القاعدة بغرب أفريقيا.
في مصر.. السياسة تعيق بناء الحلم
تعتبر مصر أحد أهم الدول في المنطقة الأفريقية والعربية، لأهمية موقعها الجغرافي وكثافة سكانها الذي يصل إلى أكثر من 90 مليون نسمة، كما تعتبر الدولة ذات التأثير الكبير في القرار الأفريقي والعربي سياسيًّا وعسكريًّا لعقود من الزمن، بخاصة بعد ثورة الضباط الأحرار عام 1956؛ ولعل قيادتها للحرب العربية الإسرائيلية صنع منها رمزًا قوميًّا لدى العرب والأفارقة.
ورغم الاستقرار الأمني والعسكري، ووجود قيادات سياسية رمزية في صورة عبد الناصر، والسادات، ومبارك لعشرات السنين، لم تتمكن مصر من مجاراة دولة كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ويعود هذا التخلف للاستبداد السياسي الذي مورس على فترات مختلفة.
وتعرف مصر حاليًا أزمة اقتصادية مستمرة، بخاصة مع التهديد الأفريقي لنهر النيل، واقتسام روافده، وساهم الانقلاب العسكري الأخير في زيادة المتاعب الاقتصادية لمصر رغم الإعانات الخليجية، والانفتاح الجزئي للغرب تجاه البلد، بالإضافة إلى وجود رجال أعمال مبارك، الأخوين ساويرس.
مصر التي تحتل الرتبة 128 في بيئة الأعمال والاستثمار، و118 في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2016 تراجعت كثيرًا بالمقارنة مع ما كانت عليه في حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ويعود هذا إلى الاستقرار المفقود في البلاد، والاحتجاجات التي عرفتها خلال الأربع سنوات الأخيرة.
حالة الفوضى العارمة، أفقدت السياحة الكثير من المداخيل، كما أن الفساد الإداري والمالي ساهم في تخلف القطاع الحكومي، وكذلك الأمر بالنسبة للاستبداد السياسي، وتراجع الحريات، وسجن أصحاب رأي، وخلاف سياسي.
وأكد الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي، تأثير الجيش المصري في الساحة السياسية، وصناعة القرارات داخل مصر، ويشكل الإنفاق العسكري من الإنتاج المحلي أقل من 5%، وهو رقم يعتبر متوسط بالمقارنة مع دول عربية أخرى مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة التي تفوق 7% من الناتج المحلي.
الجزائر.. العشرية السوداء والفساد سمة الدولة الحديثة
عرفت الجزائر التي استقلت عام 1962، نزاعات سياسية أعلى هرم السلطة، توجت بانقلاب هوراي بومدين عام 1963 على الرئيس أحمد بن بلة، ثم الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس الشاذلي بن جديد كذلك، والحزب الإسلامي المسمى «الفيس» بتشريعيات 1992، وهي الأزمة التي أدخلت الجزائر في نفق مظلم راح ضحيته مئات الآلاف من الجزائريين، وخسرت البلاد أكثر من 400 مليار دولار في البنية التحتية والخدمات والمؤسسات الحكومية والصناعية.
الجزائر التي تحتل المرتبة 100 عالميًّا في تقرير التنافسية العالمية، والعاشرة عربيًّا لهذه السنة، لم تتمكن من تجسيد دولة عصرية قوية، فالفساد ضرب في عمق الاستثمار الحكومي في المؤسسات بصرف أكثر من ألف مليار دولار خلال عشرين سنة.
وتعتبر سوناطراك الشركة الأولى في أفريقيا برقم أعمال كبير يفوق 60 مليار دولار عام 2015، وتتفوق على عشرات الدول الأفريقية في الدخل السنوي، عرفت فضائح فساد كبيرة طيلة عقود من الزمن، وبالإضافة إلى هذه الشركة فتحت ملفات فساد كثيرة في قطاع البنوك والمالية كالخليفة بنك والطريق السيار شرق غرب، الذي التهم أزيد من 17 مليار دولار.
الانتقال الديمقراطي والتجارب السياسية لم تستقر بعد
في ظل البلدان المذكورة هنا، تعيش دول مثل المغرب وتونس والسنغال ورواندا وغينيا وأنجولا، استقرارًا سياسيًّا، وتقدمًا اقتصاديًّا ملحوظًا، وحرية إعلامية جديرة بالاهتمام والتنويه، رغم المحيط العامر بالتوتر والنزاعات في الكثير من المناطق الأفريقية، وهي دافع أساسي للتخلف الذي تعيشه القارة.
ويوجد الكثير من البلدان في قارات أخرى لا تملك ثروات وسايرت الانتداب البريطاني والاحتلال الأوروبي في نفس الفترة التي استعمرت فيها أفريقيا، كدول جنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، إلا أنه يوجد تقدم سريع في كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وماليزيا، وفيتنام بدرجة أقل، وقد أصبحت من الدول الصناعية الكبرى في العالم، في حين ما زالت الجيوش والانقلابات والنزعات العسكرية هي المحدد الأول لتقدم وتخلف الشعوب في أفريقيا.
وتتجه الآن القوى الكبرى إلى القارة الأفريقية بالمزيد من الاستثمارات، مثل كوريا الجنوبية التي تستثمر تسعة مليارات دولار خلال السنتين المقبلتين 2017 و2018، في حين تستعد الصين للتحكم أكثر في السوق الأفريقية، بعد التراجع الملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مع ترقب سياسة أمريكا مع الإدارة الجديدة لترامب بخصوص القارة الثرية بالطاقة والمعادن، والفقيرة برؤوس الأموال والسياسات، وهل ستساهم هذه الاستثمارات في تقدم الدول الأفريقية من عدمه؟
المصدر: ساسة بوست
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة.