قراءة في كتاب: هكذا تكلمت المعتزلة عقلا لـ إسحاق الشيخ يعقوب
هذا كتاب مختلف عما اعتدنا قراءته. كتاب مُتعب مرتين؛ مرة لأنه يدعو للتفكير في زمن اعتدنا فيه أن نكون استهلاكيين، زمن نكتفي به في قراءاتنا بقراءة المقالات على عجل ونفضل في الكتب الروايات على كتب الفكر أو التحليل العلمي.
وكل الفصول في «هكذا تكلمت المعتزلة عقلا» قائمة على الأسئلة ولا تقدم لنا إجابات مباشرة، على الأقل لا إجابات للأسئلة التي يطرحها الكاتب وهي في معظمها أسئلة مهمة. وهو كتاب متعب مرة ثانية لأسلوب كتابته فالكاتب إسحاق الشيخ يعقوب يحب التلاعب بنفس الكلمات ويعتمد السجع في جمله كثيرا.
يتدرج الكاتب في بحثه في مفهوم الفكر المعتزلي فيبدأ بمدخل عنونه بـ: ما العقل؟ لتتوالى الفصول تباعا وتعرّف بالفكر المعتزلي: المعتزلة، التأويل المعتزلي، العقل والنقل لدى المعتزلة …إلى غيرها من الفصول. الكاتب لم يترك شاردة ولا واردة تخص الفكر المعتزلي إلا وتطرق لها، من باب الكلمة عند المعتزلة، المرأة عند المعتزلة والشعر عند المعتزلة وغيرها، وخصّص فصولا مطولة للحديث عن مُفكري المعتزلة من القدماء أمثال الجاحظ والرازي والشيخ ابن عربي والسهروردي والمتأثرين بهم من المفكرين والكتاب المعاصرين مثل زكي نجيب محمود وطه حسين. ويقع الكتاب في حوالي 182 صفحة مقسمة إلى فصول متفرقة يمكن قراءتها عشوائيا حسب الموضوع الذي نختار التعمق فيه. وما يحسب للكاتب إسحاق الشيخ يعقوب في هذا الكتاب موضوعيته، فرغم وضوح إعجابه بالفكر المعتزلي إلا أنه لم يتردد في نقد الدكتاتورية التي مارسها المعتزلة على أهل النقل وذكر الفظاعات والترهيب الذي مارسه المأمون باسم الفكر المعتزلي: «كانوا ينادون بتسييد كل ما هو معقول على كل ما هومنقول…إلا أنهم يسيدون منقولهم على منقول الآخر دون أن يراعوا وهج الحرية في المنقول والمعقول» (ص30).
وقد خصص المأمون جلادا اسمه إسحاق بن إبراهيم، مهمته استجواب الفقهاء واحدا واحدا حول الفكر المعتزلي فمن وافقت أجوبته هوى الفكر المعتزلي للمأمون نفذ بحياته ومن لم توافق إجابته نفذ فيه حكم الإعدام: «وكان المأمون يريد أن يرغم فقهاء الإسلام وأئمته على قبول فكرة خلق القرآن، وعلى ضوء وحدانية الخالق وأزليته وتنزيه كينونة ذاته في عزته وتعاليه عن القِدم، وتصويب رؤية المعتزلة على أن لكل حديث قديما ولكل خالق مخلوقا جل وتنزه على أن يكون له خالق وهو الخالق الصمد الواحد الأحد الذي لا خالق بعده ولاخالق بعده» (ص31).
من أهم الفصول التي استوقفتني فصل «الخلق والتخلق عند المعتزلة»، وفي هذا الفصل يتطرق الكاتب لبحث المعتزلة وإعمالهم العقل في تأمل الحياة في الخالق والمخلوق، وهم الوحيدون من المسلمين الذين يديرون أفكارهم عقلا لا نقلا. وفي هذا الفصل انفتح الكاتب على الدين المسيحي من خلال استشهاده بكلمات المطران اللبناني جورج خضر وحديثه عن تعريفه لصفة المحبة كصفة من صفات الله، وهنا مرة أخرى يتعمق الكاتب في فكرته فيخرج من مفهوم الأسماء الحسنى وصفات الله سبحانه وتعالى ليطرح مجموعة جديدة من الأسئلة:
«النقل من النقل…أم النقل من العقل؟
الوحي أم المعاملة …الوحي ضمير المعاملة أم المعاملة ضمير الوحي؟
الدين فلسفة الحياة في المعاملة أم في العبادة؟» (ص.64).
الفصل الآخر الذي استوقفني هو فصل «المرأة عند المعتزلة»، فالكاتب يتوقف عند نقطة مهمة هي نظرة المعتزلة للمرأة. كنا نأمل عند قراءة هذا الفصل أن يشرح الكاتب أكثر ويتعمق في الفكرة ويقنعنا بالمنطق الذي جعل المعتزلة يفكرون أن المرأة أكثر عدلا من الرجل في شهادتها و «أنه لا عدل في التناسب بين رجل وامرأة» لكن الكاتب يكتفي بعرض مقولة الجاحظ: «إن النساء أعدل من الرجال في شهاداتهم…ولا ترى أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين» ولا يحللها ولا يتدرج في تحليل الفكر المعتزلي وإنما يقفز قفزة كاملة لعرض أفكار العصر الحديث. وتحديدا لعصر قاسم أمين ولتاريخ تأسيس الاتحاد النسائي المصري ونضال هدى الشعراوي. ويتحدث عن التخيير في الإسلام وأنه لا غصب في ارتداء الحجاب من باب أن لا إكراه في الدين، ويبتعد تماما عن تحليل وتفسير تفكير المعتزلة بأن المرأة أكثر عدلا من الرجل ليشرد بنا في موضوع الحجاب. وفي هذا الفصل بالذات يقحم الحديث عن الإخوان المسلمين اقحاما يجعلنا نتساءل عن مراجعة الكاتب لاستراتيجية كتابته وتجهيزه للكتاب. حسب رأيي الشخصي كقارئة، لا يكفي عرض أفكار مهمة في فصول قوية خاصة الفصول الأولى ليتعثر مسار طرح الأفكار بمثل هذا الفصل الذي لم يتعمق به الكاتب وعرض فيه نظرة المعتزلة للمرأة بطريقة مرتبكة، وكأن الكاتب كتب هذا الفصل بالذات على عجالة ودون مراجعة.
أعود إلى الأسلوب، وما أعيبه على الكاتب تلاعبه بالكلمات مما يرهق القارئ من نوع هذه الجمل ،مثلا:
«العقل يستبطن السياسة..أم السياسة تستبطن العقل؟
السياسة العقل والعقل السياسة وعندما تطغى السياسة على العقل يأتي الجنون السياسي عاصفا من حيث لا يدري العقل».
من الممكن أن يتوسل الكاتب هذا الأسلوب من حين لآخر ومن مقطع للآخر لكنه يرهق القارئ على امتداد 182 صفحة! بالإضافة إلى استعماله لعلامات التعجب والاستفهام بكثرة. ولئن كانت علامات الاستفهام مقبولة ومفهومة لكثرة الأسئلة التي يطرحها وهي أسئلة عميقة وتدعو للتفكير والتأمل في شؤون العقل والدين، إلا إن إفراطه في استعمال علامات التعجب يرهق العين بصريا وكان من الممكن التخفيف منها.
عموما تقييمي للكتاب ثلاث نجمات على خمسة، فهو نافذة للتفكير وللتساؤل ولإعمال العقل في الفكر المعتزلي من خلال التعرف على تفاصيل تفكيرهم وأحاديثهم وعلمائهم وشعرائهم. وما يحتسب للكاتب الذي عمل على هذا الكتاب لسنوات الجهد الكبير الذي بذله في القراءة والبحث وقد ذيل كتابه بجملة من المراجع التي استعملها كإضافة للباحث الذي يريد التعمق مستقبلا في فكر المعتزلة.