تعرف على 4 مذاهب تشرح لك حقيقة العالم والوجود كله – بقلم: خيال بعيد
العالم ( هناك مقالات اكتبها لنفسي فقط لا للنشر فأحببت ان اجرب نشرها )
هناك اربع مذاهب تصف لك العالم وهي مذهب التجريبي والطبيعي والواجبي والخالقي. ومعنى (تصف لك العالم ) اي تخبرك بكل موجود فيه وهيئة الاجتماع بين هذه الموجودات وترتيبها من حيث الوجود والسببية.. وكيف ان بعضها يكون سببا في وجود وتغير البعض الاخر . ولكن لابد من تمهيد لهذه المذاهب الاربعة بشرح معنى السببية فنقول (ان كان هناك موجود يتوقف وجوده على وجود غيره فإن هذا الغير يسمى سببا والموجود الاول يسمى مسببا.. فالسببية هي عبارة عن علاقة بين شيئن من حيث الوجود ومعناها ان وجود شئ يتوقف على وجود شئ اخر.. فهما سبب ومسبب بحسب هذا المفهوم .. ولكن السببية هي جنس يوجد له انواع وهي اما (ما منه الوجود) واما (ما به الوجود) واما (ما فيه الوجود) واما (ماعنده الوجود) فهذه اربعة انواع مختلفة من السببية ولكن السبب الحقيقي هو (ما منه الوجود ) اما الانواع الاخرى فهي اسباب بالمجاز لا بالحقيقة ولذلك فقد صدق من قال ( لا خالق الا الله ) و(لا فاعل الا الله ) و (لاسبب الا الله ) لأن السببية التي له حقيقية وليست مجازية ولكن تحقيق ذلك يستدعي اطالة . فلنعد لأنواع السببية فأقول ( ما منه الوجود ) هو عبارة عن (سبب لا يتوقف وجوده على وجود غيره ) اما (ما به الوجود ) فهو شئ لابد من وجوده حتى يصدر من السبب الحقيقي مسببه ويلمح الى هذا المعنى قوله تعالى (وانزل من السماء ماءا احيا به الارض بعد موتها ) فإن المحي هو الله ولكنه احيا بالماء فالسببية التي تقال على الله هي غير السببية التي تقال على الماء فإن الله هو ما منه الوجود اما الماء فهو ما به الوجود . واما (ما فيه الوجود) فهو عبارة عن المحل الذي يوجد فيه الشئ مثل العلم فإن صفة العلم لا تحل الا في محل حي اي به صفة الحياة فإن لم يكن حيا فلا يمكن ان تحل فيه العلم فهذا المحل هو سبب لأن وجود العلم متوقف على وجوده . واما ما عنده الوجود فهو عبارة عن الاقترانات التجريبية التي نشاهدها في عالم المحسوسات مثل ( الماء يزيل العطش ) ومثل (الخمر مسكر ) . فهذه اشارات سريعة مختصرة لمعنى السببية واّسف على الاختصار الذي قد يجعل الفهم عسيرا على الاذهان ولكني ربما اكتب مقالات اّخرا مفصلا عن السببية فيما بعد .
التجريبي
هو لا يعترف الا بما يحسه ويجربه فقط ولا يعترف بما يؤدي اليه النظر الا في الرياضيات فقط . ونحن نعترف بما يعترف به ولكن النقد موجه له لانكاره مالم يحسه او يجربه. لأنه كم من اشياء لم يحس بها ثم احس بها وكم من اشياء لم يجربها ثم جربها. فما يدريك ان يكون في الوجود اشياء لم تحس بها ولم تجربها بعد بل ربما ان هناك اشياء في الوجود لا تدرك بهذه الحواس ولا بهذا العقل بل بحاسة اخرى وتجلي اخر فلما تنكر ذلك ولا دليل ولا برهان لك على الانكار فإن النفي هو قضية تقضي بها اي (نفي وجود مالم تحسه او تجربه ) وهذه القضية النافية انت لم تدركها بالحس ولا بالتجربة فكيف ادركتها ؟ هل بالنظر؟ فما هو دليلك وبرهانك على صدق دعواك.. وهذا هو مذهب التجريبي ويسمى في العصر الحديث بمذهب الوضعي المنطقي لأن الوضعي لا يثبت الا ما تدركه الحواس فقط والتجارب فقط . وهو في انكاره يخالف مذهبه الذي لا يصدق الا بقضية حسية او تجريبية فنفي وجود غير المحسوسات او المجربات هو ذاته قضية ليست حسية و لا تجريبية فكيف عرفتها ؟؟ فهذا تناقض ذاتي في هذا المذهب بمجرد قوله اي مجرد قوله لا وجود الا لما تدركه الحس والتجارب هو كسر لمذهبه في التقيد بما تدركه الحس والتجارب فتنبه لهذا المذهب وتناقضه الظاهر فإن المذاهب الاخرى ربما لا تناقض نفسها في قضية واحدة بل باعتقادين متناقضين اما هذه الفرقة فتذكر قضية واحدة تنقض نفسها بنفسها .
الطبيعي
اما الطبيعي فهو يعترف بوجود اشياء غير محسوسة دل عليها نظر العقل. وذلك لأنه يرى الاجسام تتحرك وتسكن فيحدث لها امر لم يكن فيها او يزول عنها امر كان فيها.. وكل حادث له سبب ..فلابد من سبب .. وهذا السبب اما في ذات الجسم او خارجه ا(ي كيفيات الجسم وحركاته اما من ذاته او من خارج ذاته) ولابد من اثبات سبب في ذاته لأنه لو كان هناك سبب خارج فلابد من خاصية في الجسم تجعله يقبل تأثير السبب الخارج لأن السبب الخارج لم يحرك كل جسم بل بعض الاجسام فلابد من خاصية في هذه الاجسام تجعلها قابلة لتحريك السبب الخارج وهذه الخاصية هي السبب الذاتي في الجسم ونحن نطلق على هذا السبب اسم طبع ثم ينقسم الى سبب حركة بالذات والى سبب سكون بالذات لأن هذا السبب اما انه يوجب سكون الجسم على كيفية ما مثل حرارة او برودة واما ان يوجب حركة مثل نمو او انتقال في المكان فإن كان يوجب سكونا فنطلق عليه اسم طبيعة وان كان يوجب حركة فإننا نطلق عليه اسم نفس. ولا ضرورة في اسم الطبع ولا الطبيعة ولا النفس بل هو اصطلاح محض فمن اراد تغييره لأنه لا يعجبه فلا مشاحة في الالفاظ بعد فهم المعاني.. فكل جسم يتحرك فإما انه يتحرك بسبب طبيعة او نفس ولكن الطبيعة تحركه بالعرض والنفس تحركه بالذات لا بالعرض او يكون تحركه بالقسر اي جسم يقسر ويرغم جسم اّخر على الحركة على خلاف ما توجبه طبيعته او نفسه. . وهذا الكلام الذي ذكرناه ليس علما طبيعيا بل هو عقيدة للطبيعي يسملها قبل ان يتعلم العلم الطبيعي . وانما الطبيعي هو الذي ينظر في طبيعة ما او نفس ما وقواها واثارها في بدنها اي في جسمها فينظر الطبيعي في جزء من العالم اي (جزء ما) تميز عن غيره بكيفية له او حركة فيه لا توجد لغيره من الاجزاء أي لا توجد لغيره من الاجسام الموجودة في العالم .
وهي تبدأ من الاعم للاخص. فهو لا ينظر في الحركة والسكون بل في ما يقال على المتحرك والساكن مثل النامي والحار البارد فينظر في النامي وما يلحقه من حيث هو نامي وينظر في الحساس وما يوصف به من حيث هو حساس ثم لا يمكن بعدها النظر في طبيعة او نفس الانواع الاخيرة مثل نحاس وحديد وخارصين وذهب وفضة او قصب وفجل وطماطم او ذئب وفرس ونمر لأن طباع ونفوس الانواع الاخيرة لا نعلم فصولها لأن اثرها غير محسوس في البدن ولا نشعر بفصولها ما عدا الانسان لأننا لنا نفس الانسان فنعلم اثر هذه النفس في ابداننا وهي الحركة الاختيارية اللازمة عن ارادة عاقلة تعقل الخير والشر في الاستقبال والحال. فنرى الانسان يقوم بحركة بدنية او انتقالية عن اختيار وهي لا تفترق عن حركة الفرس في كونها ارادية انتقالية ولكن تفترق بشئ باطن هو الاختيار العاقل فكذلك في نفس الفرس شئ يقابل الاختيار العاقل ولكنه ليس باختيار عاقل ونحن لا نعلم ما هو هذا الشئ لأنه لا يوجد لنا. فالطبيعي ينظر في جسم ما اي جزء من العالم ويثبت له خواص تلحقه لذاته ولا تقال على ما هو اعم منه ولكن ذلك لا يمكن الا بعد تصور النسق اي العالم في جملته وترتيب الاجسام فيه والامور العامة التي تقال على الاجسام مثل انها مركبة من صورة وهيولي وان فيها طباع او نفوس هي سبب كيفياتها او حركاتها ثم هو ينظر في (جزء ما) بعد ان يعلم موقعه في النسق ويثبت خواصه فقط مثل النظر في النامي والحساس والمعدن والجسم البسيط الذي له طبيعة واحدة مثل الماء والارض او التراب والهواء والنار او في جسم بسيط لا يقبل الكون والفساد وهو السماويات وهي افلاك او كواكب مغروزة في هذه الافلاك ثم يعلم بالنظر كيفيات عن هذه الافلاك والكواكب ويعلم بالهندسة مقادير فيها . والطبيعي يثبت نفس ما اثبته التجريبي ولا ينكر عليه الا قضيتين فالاولى نفيه لموجودات ادركها الطبيعي بالنظر والثانية هي معنى السببية .
اما الواجبي
فهو يثبت فوق الطبيعة والنفس موجودات اخرى تؤثر في الطباع والنفوس وبالتالي في الابدان وهي عقول اي (جواهر لا ممتدة لا متغيرة ) ثم فوقها علة لا علة لها.. وان السبب لكل تغير في الاجسام انما هو هذه العلة التي لا علة لها ولكنها تخلق شئ بعد شئ فهي تخلق مثلا علما بخير او شر ثم تخلق حالة نفسية ثم تخلق ارادة ثم تخلق قدرة ثم تخلق حركة في البدن ولا ارتباط بينها ولكن الارادة التي لواجب الوجود قضت بهذا الترتيب اي ان القدرة التي لواجب الوجود تخلق شئ عندما يكون الموضوع مستعدا بوجود وصف له وهي تخلق هذا الوصف اولا ثم تخلق وصف اخر ثم وصف ثالث فلا خالق الا هو ولا سبب في الوجود غيره ولكن هناك عادة له في الخلق توهم عند الضعفاء ان هناك سبب غيره في الوجود ولكن هنا ملحوظة وهي ان العلة التي لا علة لها ليس بخالق العالم ولا خالق الحوادث بل هي اول شرط واول مخلوق وكل ما بعدها يوجد بها لا منها وفرق بين ما منه الوجود وما به الوجود ويجب ان تعلم ان الواجبي لا ينظر الا في واجب الوجود ولكن في ثلاث محاور وهي ذاته وصفاته وافعاله او قل في محورين ذاته وما عليه في ذاته ثم افعاله لأن واجب الوجود هو ذات متصفة لا ذات معراة عن الصفات فمن قال واجب وجود فقد قال ذات متصفة فالواجبي ينظر في تغير الاجسام ايضا ولكن لا ينسبه لطبيعة او نفس ولا عقول بل الى واجب الوجود اي علة لا علة لها ولكنه له عادة في الايجاد فيخلق شئ بعد شئ فنتوهم ان هناك ارتباط بين المخلوقات . والواجبي لا ينكر ما ادركه الطبيعي بنظره وانما ينكر عليه فقط قضيتين فالاولى هي نفيه لموجودات ادركها الواجبي بنظره والثانية هي معنى السببية .
اما الخالقي
فهو يثبت كل ما سبق وكل ما اثبته التجريبي والطبيعي والواجبي ولكنه يزيد باثبات سبب قديم اي لم يسبق وجوده عدم وبالتالي فلا سبب فوقه ولا يتوقف وجوده على موجود فوقه بل هو الاول. وهذا السبب القديم هو عبارة عن ذات متصفة ايضا اي ذات قائمة بنفسها ويقوم بها ذوات اخرى (نوع مجهول لنا من القيام) والجملة هي السبب القديم لا الذات فقط ولا الصفات فقط بل الذات المتصفة هي السبب القديم وكذلك نحن نجهل وجه تعلق العالم الحادث بقدرته الازلية فليس هو تعلق علة بمعلول ولا تعلق ما فيه الوجود ولا ما به الوجود ولا ما لاجله الوجود ولا ما عنده الوجود بل نوع مجهول لنا من التعلق وكما سأل ابراهيم عليه السلام وقال (ارني كيف تحي الموتي) فاراه احياء الموتي ولم يريه الكيفية ولا وجه التعلق لأنه محال ان تعلم وجه التعلق لأنه محال ان يعلم المخلوق وجه التعلق بين الحادث والقديم بل خالق العالم فقط هو من يعلم ذلك. ولكن يجب ان تعلم ان الخالقي ينظر في نفس ما ينظر فيه التجريبي والطبيعي والواجبي اي تغير الاجسام اي افعاله اي ينظر في الاجسام وتغيرها من حيث هي افعاله فينظر اولا في هذه الذوات التي تسمى اجساما وكيف خصصها بصفات وكيف ان صفاتها مناسبة للحكمة من خلقها اي لوظيفتها التي تقوم بها .
مثل ان تنظر في العين فهي مخلوقة لحكمة هي الابصار وتنظر كيف ان العين مركبة من طبقات واجزاء لكل منها وظيفة جزئية تؤدي الى قيام العين بجملتها بوظيفتها الكلية وهي الابصار فتدرك وقتها ان العين متصفة بكل كمال ممكن لها وبالتالي تدرك جمالها وبالتالي تدرك جمال خالقها وهكذا كل مخلوق وكل عضوفي الانسان بل وكل جزء من اجزاء عضو في بدن الانسان او في العالم كله وهذا يظهر جليا في النبات والحيوان وكذلك تنظر للسموات والبحار والجبال وكيف وجدت بعد عدم وكيف يخلق الزلازل وما شروط خلقها اي انه من عادته ان يخلق زلزالا بعد وجود شروط فنعلم ما هي هذه الشروط .. وكل ذلك يرجع الى العلم بما خلقه وكيف خصصه وعادته في خلقه بعد خلقه اشياء اخرى وفق ترتيب. فالناظر في اجزاء العالم انما هو ناظر في خالق العالم ان نظر الى هذه المخلوقات من حيث هي فعل خالق العالم لا من حيث هي في ذاتها بل من حيث هي افعاله وخلقه وينظر في كيف خصصها بصفات وكيف ان صفاتها مناسبة للحركة او الوظيفة المطلوبة منها وكيف ان له عادة في الخلق فهو يخلق شئ بعد شئ فالعلم بعادته هو من جملة العلم به .. والخالقي يثبت ما ادركه الواجبي بنظره ولكنه يخالفه في قضيتين اما الاولى فهي نفيه وجود موجودات ادركها الخالقي بنظره واما الثانية فهو معنى السببية —- والله اعلم.
خاتمة
هذه المذاهب او التصورات الاربعة لا وجود لها في العالم اليوم الا ( مذهب التجريبي ) فقط ولكن عقيدة الخالقي التي ينطلق منها نحو العلم موجودة في العالم على هيئة عقيدة دينية تقليدية وهي العقائد التي اتت على لسان الانبياء عن الله ذاته وصفاته وافعاله .. ولكن لا تفهم من ذلك ان التصورات الثلاثة الاخرى باطلة بل هي صحيحة ولكن قاصرة وذلك لأنها تصف لك جزء من العالم ولا تصف لك كل العالم فهي غير شاملة للعالم كله او للوجود كله وكذلك هي لم تدرك السبب الحقيقي لوجود العالم وتغيره ولم تدرك ان السبب الحقيقي هو ما منه الوجود وليس ما به الوجود او ما فيه الوجود او ما عنده الوجود.. وانما هم اشبه بشخص يشاهد عرائس ودميات يحركها المشعبذ في مسرح العرائس فانقسموا الى اربع فرق — ففرقة قالت ان محرك العرائس هي المفاصل التي في العرائس — وفرقة اخرى قالت بل المحرك للعرائس هو الخيوط الشعرية الدقيقة المرتبطة بمفاصل العرائس — وفرقة ثالثة قالت بل المحرك للعرائس هو الخشبة التي هي مناط للخيوط – — وفرقة رابعة قالت بل المحرك للعرائس هو المشعبذ الذي يمسك الخشبة بيده –فالاول هو التجريبي والثاني هو الطبيعي والثاث هو الواجبي والرابع هو الخالقي — وكلهم صادقون ولكن الثلاثة الاولون مقصرون لأنهم لم يدركوا المحرك الحقيقي للعرائس بل ادركوا الوسائط فقط — كما انهم لم يدركوا عالم المسرح الذي يشاهدونه في شموله — فاعتبر بهذا المثال وتفكر فيه فإنه سوف يغنيك عن اعنات الذهن في فهم هذا المقال الذي كتبته مختصرا مكثفا في افكاره . وانما عذري انني كنت قد كتبته لنفسي ولم اكن انتوي نشره للناس