مقالات فكرية
عن الفلسفة النسوية .. هل التفلسف امتياز رجالي؟
عن الفلسفة النسوية .. هل التفلسف امتياز رجالي؟ – حسين محمد
خديجة زتيلي: هناك تعتيم على الأداء الفلسفي النسوي
ترى الدكتورة خديجة زتيلي، أستاذة الفلسفة بجامعة الجزائر، أن إسهامات النساء في الحقل الفلسفي لا تقل عن إسهامات الفلاسفة الرجال إن لم تفقهم في بعض الأحيان، لكنها تعرضت لتهميش وتعتيم كبيرين منذ فجر التاريخ، والمفارقة أن الفلاسفة الرجال هم الذين مارسوا هذا التعتيم بداية بأفلاطون إلى روسو ولوك، وكان يُنظر إلى انتاجاتهــــا دائماً بنـــظرة دونـــية، وهو ما شكل حافزاً للنساء على إثبات قدرتهن على التفلسف. وتؤكِّد زتيلي أن التجربة الفلسفية النسوية مكملة للتجربة الرجالية وإثراء لها وليست منافسة.
عادة ما يثير الأدباء مسألة ”جنس” الأدب، هل يثير المشتغلون بالفلسفة من الرجال والنساء نفس القضية؛ هل تؤمنين بأن هناك فلسفة رجالية وأخرى نسوية؟
أنا لا أؤمن بأن هناك عقلَ رجل وعقل امرأة، العقل الإنساني واحد، ولكن هناك تناولاً نسوياً للفلسفة وتناولاً رجالياً، على مدى مسار الفلسفة الطويل؛ منذ عهد أفلاطون وأرسطو إلى يومنا هذا، هناك شبه تعتيم على الأداء الفلسفي للنساء عبر التاريخ، برغم أن هناك فيلسوفات منذ فجر التاريخ، لكنهن تعرضن للتعتيم والتهميش، والأمر المثير للانتباه أن هذا التعتيم يمارسه الفلاسفة الرجال؛ فأفلاطون في كتابه ”الجمهورية”، وأرسطو في كتابه ”السياسة” أوردا نصوصاً صريحة بدونية المرأة، وبأنها لا تصلح إلا للإنجاب والتدبير المنزلي.
والبعض يحاول اليوم أن يجعل للفلسفة ”جنساً” ويُحدث التمايز بين ”فلسفة الرجال” و”فلسفة النساء”، بينما هناك في الواقع تكامل وتوازن بين الأداء الرجالي والأداء النسوي في الفلسفة ليتكامل بذلك العقل البشري الواحد، ثم إن التجربة النسوية تغني التجربة الفلسفية الرجالية.
وهل تنافسها في نفس الوقت؟
لا، أبداً، لقد بدأ اهتمامي بالموضوع حينما سافرت سنة 2004 إلى مصر ووجدت كمّاً كبيراً من الإنتاج الفلسفي النسوي بهذا البلد، ووقعت عيناي على بعض العناوين المهمة واشتريتها، ثم سافرت إلى فرنسا فوجدت كمّاً هائلاً من الكتب الفلسفية النسوية، واقتنيتُ عدداً منها وقرأته بتمعن، وحينما عُقدت ندوة ”الفلسفة وقضايا العصر” اعتبرتُ أن الفلسفة النسوية هي بالفعل من قضايا العصر وقد تطوَّرت بشكل لافت للانتباه منذ سبعينات القرن الماضي، ثم أخذت منحى جديداً في الثمانينات. وقبلها كانت الحركة النسوية قد ظهرت في القرن التاسع عشر لتواكب الثورة الفرنسية والثورة الأميركية، وكانت مطالب المرأة في البداية بسيطة تقتصر على المطالبة بالعمل والعلم والانتخاب والترشح وباقي الحقوق الاجتماعية، وفي المرحلة الثانية واكبتْ نصوص الحداثة وحاولت أن تنظر بشكل أكثر وعياً وتجد تنظيراً سياسياً لمطالبها، واتكأت على كتاب سيمون دي بوفوار ”الجنس الثاني” الذي تقول في بدايته: ”إن المرأة لا تولد امرأة بل تصير امرأة”، في إشارة إلى أن الظروف الاجتماعية هي التي تعيد صياغتها، ولذا يجب أن تناهض كل أشكال الهيمنة.
وفي المرحلة الثالثة من الفلسفة النسوية من ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ظهر جيل جديد من النساء الأكاديميات المتخصصات في الفلسفة، وهذا أعطى بعداً آخر للفلسفة النسوية حاولتْ خلاله أن تعيد، من منظور نسوي، قراءة النصوص القديمة التي كتبها الرجال، ولكن ليس من باب المنافسة والصراع، بل من باب الإثراء واثبات أن العقل الإنساني واحد؛ وإذا كان هناك تمايزٌ فهو في إطار وحدة الفلسفة؛ فالرجل يمكن أن يرى المسائل بشكل وتراها المرأة بشكل آخر، لكن نظرتنا هي إنسانية في نهاية المطاف. استطاعت المرأة أن تتفلسف، ويثبت هذا التاريخُ والواقع والمنطق والموجة الجديدة من الفيلسوفات الغربيات.
لكن هناك اعتقاداً شائعاً بأن المرأة لا تميل بطبعها إلى التفلسف، إنما أكثر إلى شؤون الحياة العملية، ما رأيك؟
هذه من الاعتقادات التي ناهضتها الفلسفة النسوية وهي تعمل على دحض النظرة الذكورية التي تحاول فرض العجز الأبدي على المرأة، يقول أرسطو: ”إن المرأة لا تصلُح للرئاسة”، أيضاً أفلاطون منحها نوعاً من المساواة التي تتحوَّل بموجبها إلى ذكر فتمشي عارية في الأسواق والحروب، هناك نظرة دونية للمرأة من طرف الفلاسفة أنفسهم، فما بالكم بعامة الناس!؟ هذه النظرة حفزت المرأة على مناهضتها لإثبات العكس، وقد استطاعت الفيلسوفات الغربيات إنتاج نصوص فلسفية ذات قيمة كبيرة في الغرب في السنوات الأخيرة.