{الحكاية فيها إِنَّ} .. القول الشهير؛ من قاله لأول مرة وما مناسبته التي قيل فيها ؟ – متولي حمزة
الحكاية فيها إِنَّ.. القول الأكثر شهرة والذي نقوله – دائما – في المواقف الخفية التي نتحير فيها من خلال مزج الفكر الشديد بالإرهاق الأشد من خلال بعد فهم الموضوع.. فمثلا شخصا ما أتاك يطلب منك فعل شيء معه – سويا – ولكنك تخاف عاقبة ونتيجة الأمر أو شخص ما – أيضا – قص عليك خبرا مفزعا فتقول له : (لا أفهم كيف حدث هذا؟).. وتقول ملاحقا ما قلت : (أكيد الحكاية فيها إِنَّ!).. ومن ثم كان هذا القول مضربا على لسان الأمم والناس حتى أيامنا هذة.. ولكن الأغرب في الموضوع جله.. قصة هذا القول وكيف أخذ كقول على سائر الأمم في مواقف الحيرة والشك المرهق الشديد.. فها هي قصته الكاملة الشاملة..
كان هناك ملكا أسمه (الملك محمودا) وأميره يسمى (الأمير بن المنقذ) وكان لكل ملك كاتب كان يعينه ويختاره أمير المملكة بشرط مهم في حد غايته وهو إجادة الكبيرة والتامة للقرآن الكريم وشدة ذكائه العظيم الكبير؛ فذات يوم.. غضب (الملك محمودا) فجاءه (الأمير بن المنقذ) ليهدء روعته ويشاركه أحزانه فقد كان (الأمير بن المنقذ) شديد الذكاء وكان يجيد القرآن الكريم إجادة تامة وكان شديد الحيظة والورع وكان – أيضا – حنون ومهتم بالآخرين.. فحدث (الملك محمودا) في حيظة وورع..
(الأمير بن المنقذ) : ما بك يا مولاي المعظم ؟
(الملك محمودا) : كف عني..
(الأمير بن المنقذ) : يا…..
قاطعه (الملك محمودا) : كف عني فلا لك بي..
(الأمير بن المنقذ) : علمت أنك ظلمت فلانا ما؛ فيجب عليك أن تصا…..
قاطعه (الملك محمودا) : أخرس يا…..
قاطعه (الأمير بن المنقذ) : هذا فراق بيني وبينك..
(الملك محمودا) : هذا الأفضل..
(الأمير بن المنقذ) : هذا فراق بيني وبينك..
فترك (الأمير بن المنقذ) البلاد متجها إلى دمشق أو حلب.. ليترك الشر في مملكة (الملك محمودا) هذا الظالم المستبد.. ويترك ظلام دامس دمس نور شمسنا أن تشرق فوق أفواه الظلام للتخلص منه وحزن (الكاتب) حزنا شديدا على ترك (الأمير بن المنقذ) للمملكة؛ فقد كان الأثنان لا يتركا بعضهم البعض.. فبعد عدة أيام ذهب (الكاتب) إلى (الملك محمودا) لتعاتبه على ما حدث منه تجاه (الأمير بن المنقذ).. فلم يعيره إهتمامه طوال الحديث معه..
(الكاتب) : جأتك يا مولاي لأمر (الأمير بن المنقذ) فقد ترك البلاد لخلافك معه..
(الملك محمودا) : لا تحدثني بعد..
ففي أثناء حديثهما جاءت فكرة شيطانية غادرة في عقل (الملك محمودا) أن يجعل (الكاتب) يرسل له قرطاسا (أي : رسالة أو كتابا) ليسمح له بالعودة – للأمير بن المنقذ – ثم إذا جاء يأمره بدخول قصره فيأمر أحدا من خدامه بقتله ليتخلص منه..
(الملك محمودا) : نعم هو مظلوم يا قرير عيني.. هو مظلوم مني فلتكاتبه ليأتي هنا عندي – مرة أخرى – فهو مظلوم مني أشد ظلم..
فبكى (الملك محمودا) خباثة ومكرا حتى لا يشعر (الكاتب) بأي شيء؛ لكن – للأسف – فالكاتب أشد مكرا وحيلة منه؛ فعلم مكره.. فرد عليه مؤيدا كلامه ظاهريا وباطنيا لا يباليه..
(الكاتب) : فلتتركني يوم أكتب فيه ما أمرتني به أن أكتبه..
(الملك محمودا) : خذ ما كفاك من الوقت..
فذهب (الكاتب) إلى بيته ودخل خلوته (أي : حجرته).. فأمسك بقرطاسا فارغ (أي : ورقة فارغة) ليكتب ما يريد ولأنه يعلم أن (الأمير بن المنقذ) شديد الحيلة والذكاء ويجيد القرآن الكريم إجادة تامة.. فكتب رسالته وقال له في ختامها {(إِنَّ) شاء الله} ولم يكتبها عادية مثل {(إن) شاء الله} فهذة الجملة الشهيرة تكتب كهكذا {إن شاء الله} ولكن (الكاتب) كتب {(إِنَّ) شاء الله} حتى لا يلاحظها (الملك محمودا) ويفكر فيها – حين تصله الرسالة – (الأمير بن المنقذ).. فشاهد وقرأ (الملك محمودا) الرسالة ليراجعها قبل إرسالها؛ وبالفعل راجعها وأمر أحدا من خادميه بالإستقلال بفرس أبجر ويذهب ليبحث عن (الأمير بن المنقذ) ويعطيه الرسالة – هذة – وبالفعل ذهب وأوصلها إليه.. فقرأها (الأمير بن المنقذ) ولاحظ {(إِنَّ) شاء الله} ففي برهة من الوقت (أي : لحظة) فطن أن (الكاتب) يريد أن يقول له آية من سورة (القصص) وهي {(إِنَّ) الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} .. فعلم (الأمير بن المنقذ) أن (الكاتب) يريد أن يخبره بأن (الملك محمودا) يريد أن يقتله.. فكاتب وباطن (أي : كاتبه سرا) وكتب (الأمير بن المنقذ) في رسالته القصيرة للغاية جملة واحدة وهي.. {(إِنَّا) لن نعود بنفسي إليه أبدا}.. فلاحظ (الكاتب) بعد أن أرسلت إليه الرسالة سرا أن (الأمير بن المنقذ) يريد أن يقول له آية أخرى وهي.. {(إِنَّا) لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا}.. ففهم قصده وذهب إلى (الملك محمودا) وأخبره بكل شيء وأنتهى الأمر.. ومن هنا وعلى مر الأزمان والأزمن أخذ الناس هذة القصة – الحقيقة الصحيحة – مثلا من خلال قول الناس (حاسب خليك على مهلك شوية أكيد الحكاية فيها إِنَّ).. ومن هنا أخذ الناس هذا القول (الحكاية فيها إِنَّ)..